موسكو وتل أبيب.. التنسيق في الجنوب السوري


جيرون

تسريب الصحافة العبرية، لخصوصية التنسيق العالي، بين موسكو وتل أبيب في سورية، لا يهدف فقط إلى إشاعة أجواء “الطمأنينة” في الداخل الإسرائيلي، بل إلى إرسال الرسائل المؤكدة على قوة ومتانة العلاقة التي تربط موسكو بتل أبيب، التي تعززت على الأراضي السورية بالتوافق مع الجانب الأميركي، وبمشاركة موسكو لتل أبيب بجملة من التفاهمات التي تضمن للأخيرة حرية الحركة، خصوصًا قبل إبرام اتفاق خفض التصعيد في مناطق الجنوب السوري، وحضور “إسرائيل” لمباحثات خفض التصعيد، بشكل غير مباشر أحيانًا، من خلال التوافق الأميركي-الروسي، وبشكل مباشر، بحضور اجتماعات التحضير للاتفاق مع الروس والأميركيين.

أشارت صحيفة (هآرتس) العبرية في هذا الصدد، بتاريخ 8 آب/ أغسطس 2017، إلى أن اجتماعات سبقت الإعلان عن منطقة الجنوب السوري كمنطقة منخفضة التوتر، جرت أوائل تموز/ يوليو الماضي، ضمن سلسلة لقاءات سرية بحضور كل من المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية مايكل راتني، ومبعوث البيت الأبيض إلى التحالف الدولي بريت ماكغورك من الطرف الأميركي، ومسؤولين في وزارة الخارجية والدفاع والقوات المسلحة و”الموساد” من الطرف الإسرائيلي، بينما ترأس وفد موسكو مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرينتييف.

تبدو الأهمية البالغة لإحداث نفوذ متقدم في سورية، الشغل الشاغل لكل من موسكو وتل أبيب وواشنطن، وبخلاف إشاعة أجواء الاختلاف والتباين، بين تل أبيب وموسكو، على منطقة خفض التصعيد، وإبعاد الوجود الإيراني إلى ما بعد 45 كم، ومطالبة تل أبيب بخروج ميليشيا طهران من سورية؛ فإن مصالح الأمن والاقتصاد وأهدافها الاستراتيجية  تجعل مسألة الخلاف أمرًا ثانويًا، خصوصًا عندما تتناول وسائل الإعلام، في تل أبيب وموسكو، رسائل الإطراء المتبادل بينهما، آخرها قبل أيام إذ “رحّب السفير الإسرائيلي لدى روسيا، جاري كورين، بالجهود الروسية في مناطق خفض التصعيد في سورية، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن مسألة التواجد الإيراني لم تحل بعد، وأن بعض الشكوك ما زالت قائمة”، وقال السفير الإسرائيلي، في حديث لوكالة أنباء (سبوتنيك) الروسية، في الأول من آب/ أغسطس: “نحن نُثمّن عمل الدبلوماسيين الروس، وبالنسبة إلى (إسرائيل)، الخطر الرئيس في سورية -كان ومازال- إيران وحلفاؤها”.

الحضور الإسرائيلي في الساحة السورية، جاء على قاعدة التفاهم مع موسكو. وإحداث قضية حية ومادة شيقة، بالنسبة إلى إعلام موسكو وتل أبيب على حد سواء، يهدف إلى تأكيد أهمية حضور “إسرائيل” في المشهد كما تراه موسكو، حسب تصريح الوزير الروسي سيرغي لافروف أن “روسيا وأميركا ستحرصان على وضع مصالح (إسرائيل) في الاعتبار، عند إقامة مناطق عدم تصعيد في سورية”، وهو ما تحقق فعليًا وأكّدته الأطراف المشاركة بالمحادثات، وتقديم إغراءات التصريحات المطمئنة لنتانياهو من قبل موسكو، وإدخالها كطرف وشريك في تنفيذ بنود خفض التصعيد؛ يضع التصور العملي لانهيار السيادة التي يتشدق بها الأسد وحلفاؤه.

تجهيل أو تجاهل جوانب الاتفاق والتعاون، بين تل أبيب وموسكو في سورية، من إعلام محور الممانعة ومحور طهران وميليشياتها، لن يغيّب النفور الأبدي من سياسات موسكو وأيديولوجيتها الملتصقة مع تل أبيب حتى باتت المفتاح الحقيقي لفهم العلاقة المبنية مع نظام الأسد ووظيفتها، ويُقدّم التنسيق والحضور الإسرائيلي على ظهر النفوذ الروسي في سورية إيجاز وتفسير لديناميكية الصراع وما يواجهه الشعب السوري من ضخامة القوى “المتكالبة” عليه، وهُزال الدعم العربي والدولي لقضيته العادلة في إسقاط الطغيان، مقابل دعم وتطمينات بلا حدّ، لكل من الأسد ونتنياهو، من ممثلي قوى عظمى “موسكو-واشنطن”، وهي المسألة الجوهرية التي قوّضت مسار الثورة السورية، وتمثلت في صفرية الدعم للشعب السوري، وتصاعد عداد دعم الأسد للدفاع عن الوظيفة وتطمينات لـ “إسرائيل” بالحضور “للأبد” في المشهد.




المصدر