نيزافيسيمايا غازيتا: العقوبات الأميركية: آثارها على روسيا وأوروبا


سمير رمان

الصورة: من موقع www.nord-stream2.com

لنلقِ نظرةً على العقوبات الأميركية، كما يراها من تمسّهم العقوبات بشكلٍ ما، باستثناء روسيا. تشير وكالة الأنباء الرسمية الألمانية Deutsche Welle (DW)، إلى أنَّ العقوبات الجديدة على روسيا ترتبط بأفعالٍ معروفة، كانت واشنطن تنتقدها منذ وقتٍ سابق: “انتهاك سيادة الأراضي الأوكرانية، الهجمات الإلكترونية والتدخّل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وكذلك العدوان المستمر في سورية”، كما جاء في مقدّمة مشروع القانون المعروض على الكونغرس.

ويرى خبراء الوكالة الألمانية أنَّ مشروع القانون يحتوي -على غير العادة- حزمة عقوباتٍ ذات مضمونٍ سياسيّ: فروسيا تسمَّى، بلا مواربة، “عدوّ” الولايات المتحدة الأميركية، وظهرت في لائحةٍ واحدة مع الدول التي يطلق عليها “محور الشرّ” (كوريا الشمالية وإيران)، وكذلك الإرهابيين العالميين بالطبع.

جاء في نصّ مشروع القانون أنَّ روسيا تقوم بتحريك مصالحها، في أوروبا وأوراسيا، بطرقٍ غير شرعية، على سبيل المثال، قيامها بالتأثير في نتائج الانتخابات في دول الاتحاد الأوروبي؛ “ممّا يقوّض الوحدة”. كما أنَّ موسكو متّهمةٌ بـ “مشاركة موثَّقة بشكلٍ جيّد في ممارسات الفساد”، في القارّة الأوربيّة، وبشنِّها حملة تزييف بمساعدة وسائل إعلاميَّةٍ تملكها الدولة، وكذلك ملاحقة الصحافة الحرّة والمعارضة الروسية في الداخل. والضربة الرئيسيّة وُجِّهت إلى مشروع نقل الغاز الروسيّ “السيل الشمالي-2″، وهو الوحيد الذي أشير إليه بالاسم الصريح. يستطيع هذا الأنبوب ضخّ حتى 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسيّ إلى ألمانيا مباشرة. ويبرر مشروع القانون العقوبات المقترح فرضها على هذا المشروع بأنَّه “يلحق الضرر بأمن الطاقة في دول الاتحاد الأوروبيّ، ويضرّ تطوّر سوق الغاز في أوروبا الوسطى والشرقيّة، ويعوق الإصلاحات في مجال الطاقة الأوكراني”. ولكن، تتابع الوكالة، في حال نفاذ القانون يمكن أن تتضرّر كلّ البنية التحتيّة لقطاع الأنابيب في روسيا الاتحادية، ومعها تصدير الغاز والنفط. وبحسب مشروع القانون، سيمنح الرئيس الأميركي الحقّ بفرض العقوبات على كلِّ من يشارك في تشييد أو خدمة كافة أنابيب تصدير الغاز والنفط الروسي. والقيود صارمة: الاستثمارات الفرديّة يجب ألا تزيد عن 1مليون $، وبالإجمالي ألا تتعدّى 5 مليون $ في العام الواحد. وبحسب الشركة الاستشارية IHS Mark it، يوجد في روسيا ما مجموعه 90 أنبوبًا، تذهب إلى 13 دولة، منها 5 دولٍ من دول الاتحاد الأوروبي.

في الوقت نفسه، تشدّد القيود على تسليم التكنولوجيا الأميركية المتطورة في مجال استكشاف وإنتاج النفط من أعماق كبيرة، وكذلك من الجرف القطبي وحقول النفط الصخري. تطال القيود جميع الشركات الروسيّة التي تبلغ حصّة الدولة فيها 33 بالمئة وأكثر. بالإضافة إلى ذلك، تقترح الوثيقة تشديد القيود الماليّة السارية حاليًا على البنوك الروسيّة وشركات الطاقة.

من سيتأذى بالإضافة إلى قطاع النفط والغاز الروسي؟ تجيب DW على هذا التساؤل باختصار: “بعض شركات الطاقة الأوروبيّة. وهي الشركة النمساويّة OMV، الفرنسيّة Engie، الألمانية Wintershall وUniper، البريطانية-الهولندية Shell. وبالإجمالي، بحسب IHS Markit، هناك على الأقلّ 3 شركات أنابيب النفط، و3 شركات لتصنيع أنابيب الغاز بحصصٍ أميركية وأوروبية. ويبقى السؤال معلّقًا حول الضرر الذي سيلحق بأمن الطاقة الأوروبية على المدى المتوسط والبعيد، في حال شملت العقوبات خط أنابيب “السيل الشمالي- 2”. تتباين آراء خبراء الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص، وهذه مسألة أساسيّة.

هل تشكِّل العقوبات خطرًا على تزويد أوروبا بالطاقة؟

شنَّت وسائل الإعلام، وفي مقدّمتها وسائل الإعلام الحكوميّة، حملةً إعلاميّة نشطة، تتحدَّث عن معارضةٍ أوروبيّة مزعومة للإجراءات التي اتَّخذتها الولايات المتّحدة الأميركيّة. ولكن لا يجب تضخيم المواجهة بين أوروبا وأميركا. بالطّبع، قانون العقوبات هذا هو خطوة أميركيّة بامتياز، على الرغم من كلِّ حيثيات القانون التي تسهب في الحديث عن الوحدة ما بين جانبي الأطلسي، وعن ضرورة تنسيق الإجراءات مع الحلفاء والشركاء. وهذا الأمر، يميِّز الوثيقة عمَّا سبقها من حزم العقوبات التي سبق وفرضتها الدول الغربيّة على روسيا منذ عام 2014. ولهذا السبب بالذات؛ جاءت انتقادات القيادة الأوروبيّة للعقوبات الأميركيّة بهذه الحدَّة. فالاتحاد الأوروبي وُضع تحت الأمر الواقع وحسب. على الأرجح، لم تكن المشاورات عبثيّة بالمطلق، بحسب تصريحات وزير الخارجية الألمانية مارتين شيفر الذي قال: “ترى السلطات الألمانيّة تحّسًنًا كبيرًا في مشروع العقوبات الأميركيّة الجديدة ضدّ روسيا، بالمقارنة مع النسخة السابقة. وجاء ذلك، نتيجة العمل الناجح الذي قامت به اللجنة الأوروبية والحكومة الألمانية”. كما أنَّ موقف الرئيس الأميركيّ نفسه لم يكن بسيطًا، كما تحاول بعض وسائل الإعلام تصويره، وخاصّةً الروسية. فالرئيس، كان بالطبع، على اطّلاعٍ على أدقّ التفاصيل المتعلِّقة بإقرار العقوبات الجديدة على روسيا. وكما تشير وكالة الأنباء الألمانية n-tv، فقد قام الرئيس الأميركي، أثناء رحلته إلى هامبورغ لحضور لقاء “0G-2″، بزيارةٍ إلى بولندا في السادس من شهر تموز، باعتباره ضيفَ شرفٍ على اجتماع رؤساء دول ما يسمَّى “مبادرة البحار الثلاثة” التي أنشئت عام 2016، بمبادرةٍ من بولونيا وكرواتيا كمعادلٍ لمحور باريس – برلين، الذي ظهر داخل الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا (Brexit) منه.

وكما هو معروف، ألقى ترامب أثناء هذا اللقاء خطابًا، وصف فيه روسيا بـ “العامل المزعزع”. ولم يُعرف إنْ كان ترامب قد تطرَّق، أثناء لقاءاته في بولندا مع قادة الدول، إلى مشكلات إمداد أوروبا بالطاقة.

بالإضافة إلى ذلك، تحدَّث الرئيس الأميركي، خلال زيارته إلى فرنسا عن عقوباتٍ على إيران، ولم يُعرف أيضًا إن كان تطرَّق إلى روسيا. ومع ذلك لا يمكن نفي الأمر، لأنّ العقوبات الأميركيّة التي فُرضت على روسيا، جاءت على شكل حزمةٍ واحدة، ومن المعروف أنّ للشركات الفرنسية نشاطًا ملحوظًا في السوق الروسيّة.

مما سبق؛ نصل إلى نتيجةٍ وحيدة هي أنَّ ترامب كان في صورة حزمة العقوبات هذه، وأنَّه تشاور مع شركائه الأوربيين، واختبر أثناء جولته الأوروبيّة ردات فعلهم عليها.

من الرابح من العقوبات؟

تقول وجهة النظر السائدة إن الرابح الأوّل سيكون الشركات الأميركية المصدِّرة للغاز المُسال.  تقول صحيفة DW إنَّ الهدف الصريح الذي تهدف إليه العقوبات، هو تقديم مصالح شركات الطاقة الأميركيَّة في القارّة الأوروبيّة. وهنا، يدور الحديث عن شركاتٍ خاصّة تفضِّل تسويق منتجاتها من الغاز المُسال في مناطق العالم، حيث يدفعون أكثر، أي منطقة آسيا والباسيفيك. وبالطبع، إذا استطاعت الولايات المتحدة الأميركية، عن طريق العقوبات، خلقَ نقصٍ في إمدادات “الوقود الأزرق” في سوق القارة الأوروبية، وفي حال ارتفاع الأسعار؛ فإنَّ الغاز الأميركي سيدخل أوروبا. في المدى القريب، يمكن أنْ يكسب من العقوبات الأميركية مورّدو الغاز المُسال إلى السوق الأوروبيّة كدولة قطر، وفي المدى المتوسط الجزائر التي توسِّع طاقاتها الإنتاجية أيضًا.

بدون شكّ، ستربح كييف من العقوبات؛ لأنَّ نصّ القانون يتضمَّن بندًا حول زيادة أمن أوكرانيا في مجال الطاقة. ومن الواضح، أنَّه في حال دخول خطّ “السيل الشمالي- 2” العمل؛ فإنَّه سيحدّ من كميات الغاز التي يمرّ عبر خط الأنابيب الأوكراني. بالنسبة إلى أوروبا، في هذه الحالة، ستكون هناك مخاطر ناجمة عن إمكانيَّة قيام كييف بسرقة الغاز الروسي لسدّ احتياجاتها، وبسبب تآكل شبكة الأنابيب الأوكرانيَّة. يقول المحلِّل السياسي الألماني ألكسندر رار إنَّ الأميركيين ودول أوروبا الشرقية يحاولون نسف مشروع “سيل الشمال-2” كي تبقى أوكرانيا في “السفينة”، لأنَّه إذا لم تحصل أوكرانيا على الأموال الروسية لقاء مرور الغاز في أراضيها، فإنَّ موازنتها ستنهار. ولهذا يبقى الهدف الرئيسي من العقوبات الأميركيّة هو دعم نظام كييف الحالي.

في تعليقٍ لـ DW، يقول المحلل كونستانتين إرنست: إنَّ واشنطن “أعلنت الحرب الباردة على روسيا”. وبهذا الخصوص، فإنَّ تعليقات بعض المحلَّلين الروس الذين لا يدركون، على ما يبدو، الأحداثَ التي تجري على الساحة الدوليَّة، جديرةٌ بالاهتمام، فقد أكد الخبير الروسي المعروف في مجال الطاقة ميخائيل كروتيخين، لبرنامج “التلفزيون العام” (صدى)، أنّ “علينا التعاون مع الشركات الأجنبيَّة كي نعمل ونزدهر، أمَّا العزلة قي ظروف اقتصادنا الحاليَّة فعقيمة”. هذا الكلام صحيحٌ عمومًا؛ ولهذا السبب تعمل روسيا للتوجُّه شرقًا في ظروف عالمٍ متعدِّد الأقطاب، غير أنَّ عولمة الاقتصاد العالمي تتبدَّل في الظروف العالمية الراهنة؛ إذ يحلُّ مكان العولمة نظام حمايةٍ صارم، يجعل هذه الأماني الطيبة مجرَّد أمانٍ طوباويّة. يبدو من كلِّ ما يحصُل أنَّ الوضع جدِّيٌ وسيدوم وقتًا طويلًا، طالما لم تتراجع الولايات المتحدة الأميركية -بصفتها القوّة الاقتصاديّة الأقوى عالميًا- إلى المرتبة الثانية. وإن صدقت توقعات الشركة التحليلية الأميركية Price Water House Coopers، فإنَّ ذلك لن يحدث، قبل عام 2050 (كتبت عن هذا الموضوع صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا).

حتى ذلك الوقت، سيكون على روسيا العيش في ظروف عالمٍ متعدِّد الأقطاب، معتمدة في المقام الأوّل على إمكاناتها الذاتيَّة.

اسم المقالة الأصلية Американская санкционная плетка: последствия для России и Европы كاتب المقالة أوليغ نيكيفوروف مكان وتاريخ النشر صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا. 27 تموز 2017 رابط المقالة http://www.ng.ru/world/2017-07-27/100_sanctions270717.html

ترجمة سمير رمان




المصدر