خمسة ملايين سوري على أبواب التشاؤم من دعوة الرياض


العرب

على قدر تشاؤم “جمهور الثورة” من المخفي في الدعوة إلى اجتماع الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض يوم 15 أغسطس الجاري، تبدو لغة التفاؤل عالية النبرة من “جمهور المؤيدين” بمن فيهم البسطاء من السوريين الذين يريدون أي نتيجة تنهي الحرب بغض النظر عن المآلات السياسية التي أطلق السوريون ثورتهم من أجل تحقيقها.
جمهور الثورة تداول في الأسبوع الأخير أسوأ السيناريوهات حول تلك الدعوة وكلّها تتضمن بقاء النظام الأسدي لفترة انتقالية على الأقل دون تفصيلات عن كيفية إخراجها أو مدتها أو من هم الذين سيحكمون إلى جانب بشار الأسد.
يبدو جمهور المؤيدين متأكدا من استمرار الحكم الأسدي برموز طاقمه المخابراتي الذي سيعلن الانتصار الكامل، لكن دون أن يكون متأكدا من أن المعارضة والفصائل المسلحة خاصة سترفع الراية البيضاء وتعلن استسلامها.
هذا الجمهور حدد الموعد المذكور لنهاية الحرب (كذا)، ويقصد بداية نهاية الحرب، مستندا إلى قراءته لموقف العاصمة الرياض التي “ستعلن استسلامها” من خلال الضغط على الهيئة العليا للمفاوضات كي تقبل ببقاء شخص بشار الأسد لفترة انتقالية، على الرغم من تجديد تأكيد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على أن الحل الأمثل لسوريا هو رحيل بشار الأسد، فيما تتفاوت مواقف دول خليجية أخرى بين التأكيد على وجوب بقاء الأسد للمحافظة على الدولة السورية، وبين القبول به لفترة انتقالية محددة يتم خلالها وضع دستور مؤقت للبلاد وإجراء انتخابات مراقبة دوليا من ضمن خطوات إعادة الحياة السياسية إلى سوريا من دون النظام الأسدي وطواقمه المخابراتية.
إذن، فمصدر تفاؤل المؤيدين هو نفسه مصدر تشاؤم المعارضين، وهو أمر مستغرب ولا يستقيم لأن موقف السعودية لا يمكن أن يتغيّر بهذه الصورة الحادة، إلا إذا كانت لدى المملكة ضمانة مستحيلة تؤكد خروج إيران من سوريا، كون روسيا غير قادرة على فعل ذلك، وإن كانت راغبة فيه، للتلاقي مع واشنطن على حل وسط. وهذا حتى لا نقول إن بشار الأسد لا يتجرأ على مجرد طلب ذلك من إيران التي رمت بثقلها ماليا وعسكريا ودبلوماسيا خلال أكثر من ست سنوات لمنع سقوط النظام.
قبل كل ذلك يتناسى المؤيدون أن الحرب على سوريا حربان، واحدة بين النظام الأسدي وداعميه مع فصائل المعارضة وثانية بين الولايات المتحدة وحلفائها ضد داعش، مع حرب مؤجلة ووشيكة ضد جبهة “هيئة تحرير الشام” المسيطرة على إدلب، خاصة أن احتمال دخول “الهيئة” في منطقة خفض توتر جديدة أمر مستبعد كليا من التنظيم القاعدي المكافئ في انتحاريته لداعش.
هذا يعني أن تفاؤل المؤيدين يتحدث عن مدينة دمشق وجنوبها وعن الساحل وحمص وحلب فقط، وليس عن شرق سوريا الذي سيعاني من حرب طويلة ومستمرة ضد داعش ستنتقل من الرقة بعد أسابيع أو شهور إلى دير الزور مباشرة، حتى قبل أن تكتمل أضلاع الحرب ضد التنظيم في البادية، ما يعني استبعاد احتمال استقرار الرقة أو دير الزور، حتى لو ربح حلف المهاجمين جولة أولى أو جولتين.
من المفيد هنا متابعة تصريحات الأميركان حول سيناريو معركة دير الزور. يقول الأميركان إن معركة دير الزور ستنطلق من ناحية الشدادي التابعة لمحافظة الحسكة والواقعة شمال شرق دير الزور. وهذه واحدة تعني ترك قوات النظام الأسدي وحلفائها يتقدمون من جهة تدمر والسخنة، جنوب دير الزور وغربها. أما الثانية فتنظر إلى لحظة إعلان معركة تلعفر في العراق ضد داعش مع التذكير بأن الشدادي تقع جنوب غرب الموصل، وكانت جهة الغرب مفتوحة لهروب داعش طيلة تسعة أشهر من معركة الموصل، أي منذ عشرة أشهر كاملة.
كما يجب التذكير بمباشرة النظام في تكوين “حشد شعبي” في الحسكة بالاعتماد على العشائر الموالية له هناك.
وبالنظر إلى استراتيجية واشنطن لقتال داعش وإلى حركة قوات النظام والميليشيات الحليفة في جنوب الرقة، قد نجد أن الفريقين حليفان يتقدمان معا لتنظيف البادية من التنظيم والإطباق عليه في دير الزور والقضاء عليه نهائيا هناك.
وهذا قد لا يعني أن “وحدات حماية الشعب” الكردية، كمكون أساسي في “قوات سوريا الديمقراطية” في الحرب ضد داعش في سوريا، ستكون مشاركة في معركة دير الزور، على الرغم من أن “الحشد الشعبي” في الحسكة يعدّه النظام للمشاركة في هذه المعركة تحت سمع ونظر الأكراد هناك، مع وجود ود محيّر بين القوات الكردية المسيطرة والنظام في المحافظة التي تشكل مركز ثقل المكون الكردي في سوريا.
يقلل من هذا الاحتمال انقطاع الود بين النظام والولايات المتحدة، بعدما تكررت حوادث ضرب فيها الطيران الأميركي طائرات وتجمعات للنظام وحلفائه في جنوب الرقة، وعلى الحدود السورية الأردنية في التنف قبل أكثر من شهرين، وأخيرا في محيط مدينة السخنة شرق دير الزور.
على المستوى النفسي هذه الروح التي يشعر بها جمهور المؤيدين تعيد إلى الأذهان ذكريات صيف 2011، ولأزمة “خلصت” التي أطلقتها مستشارة بشار الأسد بثينة شعبان، في الوقت الذي بدأ فيه الجيش السوري الحر بالتشكل بعد موجة انشقاقات فردية متتالية عن جيش النظام، أي بدء تسلح الثورة قبل بداية تشكيل الفصائل المسلحة الإسلاموية وتدفق المال عليها وتزايد عددها بالمئات.
الآن يبدو أن ما يتفاءل به المؤيديون وما يتشاءم منه المعارضون سيعيد سوريا إلى تلك النقطة بحسب اعتقادهم. فالدعم العسكري والمالي الغربي والعربي للفصائل المعارضة أصبح شحيحا أو انقطع تماما، مترافقا مع توسع مناطق الهدنة “تخفيف التوتر” حسب الصياغة الروسية، بتوافق أو تفهم أميركي خاصة في جنوب غرب سوريا.
في المحصلة، هناك ما سيتم تسويقه في الرياض بشأن المعضلة السورية، لكن تخيّل أن توافقا سعوديا روسيا سيتم الإعلان عنه في الرياض أمر مستبعد، لأن ذلك يعني توافقا أميركيا روسيا بالوكالة دون منطق يبرر ذلك. مصدر استبعاد ذلك هو استحالة إعطاء رخصة أميركية سعودية لاستمرار النظام الأسدي، بل استحالة إعطاء رخصة لإيران كي “تشرعن” وجودها العسكري على ضفاف المتوسط، وبجوار إسرائيل بعد سنوات من وجودها بالوكالة من خلال ميليشيا “حزب الله”.
وفي هذه الجزئية الكبيرة لا يمكن تخيّل موافقة أميركية أو سعودية حتى لو كانت مقدمات قطع الدعم عن الفصائل العسكرية والجسم السياسي المعارض تدل على ما يشبه ذلك.
قبل كل ذلك من ينسى أن النظام تسبب في مأساة سورية جمهورها المباشر يزيد على خمسة ملايين سوري هم من القتلى وأهالي الشهداء وأهالي الجرحى والمعوقين والمشردين؟ هذا باستثناء النازحين واللاجئين الذين عانوا من دفع ثمن أقل ألما من الفئة الأولى دون التقليل من مأساوية قلة المال والأمان والاحترام في دول جوار سوريا مع مأساة كبرى تتمثل في انقطاع خمسة ملايين طفل عن المدارس منذ ست سنوات.
هذا الثأر الكامن في نفوس الملايين الخمسة لا يمكن ضبطه لا بقوة السياسة ولا بقوة السلاح ولا بقوة الحياة. وبالتالي لن يستطيع المعارضون من الائتلاف ومن الهيئة العليا للمفاوضات ومن منصتي القاهرة وموسكو السلميتين، تسويق ما لا يمكن هضمه من هؤلاء الملايين الخمسة. أكثر من ذلك، كيف يمكن للنظام الأسدي استيعاب أنه “انتصر” ويكون “كريما” مع “جمهور المنهزمين”؟ هذا أيضا ما لا يمكن تخيّله!

(*) كاتب سوري




المصدر