من أوصلَ الثورة إلى هنا؟


muhammed bitar

من الطبيعي ألا يروق الحال الذي وصلنا إليه بسبب “داعمي” الثورة لأي ثائر كما لا يروق لأي سوري شريف، فقد قسّموا المجتمع السوري من خلال الدعم، كما قسموا الفصائل وزرعوا الشقاق فيما بينها، فتشكل المناخ المناسب لنمو الفصائلية التي شكلت المناخ الملائم للمناطقية، مما سهل على عصابات النظام تنفيذ المخطط المرسوم لها بتقسيم البلد لمدن وقرى وتجمعات سكانية منعزلة، لقتال كل منها على حده، وهذا ما كان.

في المقابل راح العقلاء يرددون ” أُكِلت عندما أُكل الثور الأبيض”، لكنّ المصيبة أن كل الفصائل وقياداتها كانت تعي خطورة هذا تماماً، ومع ذلك كانت تكرّسه عمليّاً، فمن النادر كان حدوث مؤازرة منطقة لأخرى، قياساً بالحاجة، وساهمت هذه الحالة بتكريس قيادات الفصائل على حساب ظهور قيادة عامة للثورة تخطط على مستوى الساحة السورية، وتشرف على التنفيذ، وتشكل الواجهة الحقيقية الناطقة باسم الثورة.

تشويه

 لقد توافقت الرغبة الدولية في إطالة عمر “الأزمة” مع رغبة العصابة الحاكمة ومن خلفها ايران، إلى جانب تصرفات قيادات الفصائل الثورية، وهذا شيئ غريب! ويمكن القول أن المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وجد الثورة مناسبة لتدمير سوريا حضارة وشعباً ومقدرات، وذلك خدمةً لربيبتها إسرائيل كما هي خدمة لها في تنفيذ مخططها بالشرق الأوسط الجديد ( وقد كان هذا وارداً عام 2003 إبان اجتياحها العراق)، ووجدت في الوقت الطويل المتاح فرصة مناسبة للتنفيذ دون تدخل مباشر منها على غرار ما حصل أثناء اجتياح العراق، وبذلك تكون قد أظهرت خدمتها لكل الأطراف ومنحتهم الوقت اللازم للتدمير والقتل، وزرع الأحقاد بين كل مكونات الشعب السوري، كما أن هذا الزمن هو الكفيل بتضخيم الفصائل الإسلامية وتسلّمها سلطات إدارة المناطق التي تسيطر عليها في جو من الفوضى لتُظهر أبشع ما فيها وفي أفرادها، ويُحسب هذا الفشل المتوقع والذي ستساق إليه تلك الفصائل سوقاً على الإسلام كآلية حكم فاشله، ويحاسَبُ الإسلام عن هذه التصرفات الشاذة لأفراد تلك الجماعات أو الجماعات نفسها، ليصبح كل تصرف شاذٍ يصدر عن فصيل إسلامي أو حتى عن أحد عناصره هو الإسلام ذاته! وكل تصريح لقائد فصيل إسلامي يعبر عن فلسفة الإسلام تجاه هذه القضية أو تلك، بصرف النظر عن مؤهلات هذا الشخص، وتتناقل وسائل الإعلام الخبر مقارِنةً بين هذا التصريح وتصريح وزير في دولة ما، أو قائد عسكري (خرّيج أكاديميات). كل ذلك طبعاً في سياق التعامل المنحاز لقنوات الإعلام المؤدلجة التي جندتها أمريكا والدول التي تدور في فلكها لفضح عورات الفصائل الإسلامية أو المتأسلمة وهي الأصح، وهي كلها عورات، فقد ثبت بأكثر من دليل ان بعضها يعمل لمصلحة أجهزة مخابراتية معادية للثورة، وقد كشف العديد من قاداتها عن نفسه وحقيقته كضابط في جهاز أمن غربي. وذلك بعد قيامه بدوره التخريبي على أكمل وجه من حيث تشويه الإسلام، وفضح الفصيل الذي عمل فيه، وكشف ما لديه من معلومات عن الفصائل الأخرى.

مهام

لقد بدا واضحاً أن مهمة بعض الفصائل هي تحرير المحرر، فبدل أن تحرِّر أرضاً من يد النظام فقد وُلدت ونمت في الأرض المحررة، وتوسعت على حساب الجيش الحر، بعد أن تهزمه وتشتته وتستولي على أسلحته وعتاده، وأحيانا كان الجيش الحر يتلقى هجوماً منها على جبهة، وهجوما آخر على جبهة أخرى من قوات النظام والميليشيا الايرانية الشيعية.

أما المهمة الأخرى لتلك الفصائل فكانت تطبيق قوانين جائرة باسم الإسلام لم تطبق لا على عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولا في عهد الخلفاء الراشدين ولا باقي الدول الإسلامية. لقد طُبقت هذه القوانين لفضح فجاجتها وتسليط الضوء على الإسلام من خلالها على أنه دين يدعوا إلى القتل والكراهية!.

يضاف إلى ذلك لجوء الفصائل للانسحاب من مناطق تواجدها- وهي القرى المحررة أصلاً- بعد استعداء أمريكا وروسيا وتحريضها على قصف تلك المناطق ليُقتل أهلها وتدمر بُناها، وتركها قاعاً صفصفاً، لتنطلق الى منطقة أخرى، وهكذا حتى دُمّرت كل المناطق التي مرّت عليها تدميراً كاملاً، وكلها كانت يوماً مِعقلاً للجيش الحر.

وبهذا تكون هذه الفصائل التي سمّت نفسها إسلامية قد أضرّت بالإسلام والثورة والشعب السوري بالغ الضرر، فقد شوهت صورة الإسلام الحنيف وزرعت الفتن بين المسلمين وزادت استعداء الآخرين للإسلام واجهضت الثورة وسلّمت الأرض للعصابة الحاكمة وقدّمت لأعداء الدين والثورة والشعب ما كان مطلوباً منها بشكلٍ كامل.

من الثورة إلى الاقتتال الطائفي

كانت المناطق التي سيطرت عليها فصائل “إسلامية” تُدار برؤيا ضيقة غاب عنها مفهوم الوطن كوحدة متكاملة منسجمة، وهذا بحد ذاته سهّل على القوى الدولية تنفيذ مخططها التقسيمي وإن جاء بمسميات مختلفة كمناطق “منخفضة التوتر” أو الفدرالية أو غيرها من مسمّيات، وهو ما سمح لمتطرفي الكرد (الذين تدعمهم العصابة الحاكمة بدمشق، كما تدعمهم أمريكا وروسيا) بتنفيذ مخططاتهم.

إن هذه الحالة ساعدت الكرد المتطرفين على الظهور بمظهر السابق لعصره على حساب أقرانهم الكرد المعتدلين الذين ينظرون إلى سوريا كوحدة واحده يتوجب العمل للحفاظ عليها والإستظلال بظل راية الثورة فيها، ومع الوقت صار طرح المشروع الكردي بلانفصال أمراً عاديّاً لا يلفت انتباه المستمع.
ولكن هل كان هذا الدعم مقصوداً من الجميع كي يصل بنا إلى هذا المفترق الذي نحن فيه؟

لقد أدركت القوى الكبرى بعد استخدم النظام للقوة الأمنيّة والعسكرية في مواجهة الثوار وقتل أعداد لا يستهان به من السوريين، أن النظام ماضٍ في أسلوب الرد الأمني والعسكري على الثوار. هذا الرد الذي يعتبر التربة الخصبة للاقتتال الطائفي الذي يهيّئ بدوره لتدمير البلاد وقتل العباد وتقسيم سوريا على أسس عرقية وطائفية، وقد سهّل النظام والقوى الخارجية على الثوار الحصول على السلاح والذخيرة لتنتقل الثورة إلى مقلب آخر، فعوضاً عن أن تكون ثورة شعبية سلميّة غايتها إسقاط نظام فاسد، تنقلب الى حرب أهلية من منطلقات طائفية، وهذا ما تنشده العصابة الحاكمة والقوى الخارجية، ولكلٍ أهدافه، وهذا ما سعت إليه اسرائيل أيضاً  لأن الغايات المرادة هي أهداف إسرائيل في المنطقة من حيث التقسيم والتجزيء وإنشاء دويلات على أسس دينية وعرقية. وكان التنفيذ موكولاً لأمريكا التي جزأت المهمة وأوكلتها إلى عملائها من دولٍ وجمعياتٍ وهيئات، فتعدد المنفذون والكل يسير إلى الهدف ذاته وإن اختلفت الطرق والأساليب.

وللأسف الشديد، لقد انساق الشعب السوري بكامله موالاةٍ ومعارضة للسير في ذات المخطط، وتخندق الطرفان وكل يعتبر نفسه أنه سينتصر.

لقد حققت القوى الخارجية ما تريد من خلال “دعمها” للثورة تدميرها وتقسيم البلد من خلال تلك الفصائل المدعومة والمتأسلمة ومن خلال حماقة النظام الفاسد اللاوطني الذي قدّم مصلحة فرد أو طائفة على مصلحة الوطن والشعب. وفي نهاية المشوار سيكون الشعب السوري هو الخاسر الوحيد، وكل المكاسب التي تحققت كانت من جيب هذا الشعب المسكين.




المصدر