‘واشنطن بوست: الدولة الإسلامية (داعش) “تقاتل حتى الموت”، بينما يهرب المدنيون من الرقة’
15 آب (أغسطس - أوت)، 2017
أحمد عيشة
مقطع من شريط فيديو، نشر في 3 آب/ أغسطس، من قبل مجموعة إعلامية ناشطة كردية سورية، يظهر مقاتلًا من “قوات سورية الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة، يصوب سلاحه خلال اشتباكات مع “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش) في الرقة. (وكالة أنباء حوار/ أسوشيتد برس).
على مدى ثلاث سنواتٍ، كانت مدينة الرقة السورية، معقل “الدولة الإسلامية” الأكبر الذي برز بشكلٍ كبير في الدعاية، ويوفّر منصة انطلاقٍ للهجمات التي نُفذّت في جميع أنحاء العالم. يخوض الجانبان معركةَ استنزافٍ طاحنة، تُصنّف بين أصعب التحديات التي تواجه التحالف المناهض لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) حتى الآن.
يُعتقد أنَّ آلاف المدنيين فرّوا من الرقة في الأسابيع الأخيرة، وغالبًا مع مهربين تحت جنح الظلام. إنّه هروبٌ محفوف بالمخاطر، من خلال شوارع المدينة الضيقة، حيث يقوم المسلحون بإرسال انتحاريين بين أولئك الفارين.
“إنّ معركة الرقة مختلفةٌ تمامًا عن أيّ معركة خضناها من قبل. (داعش) الآن تدافع عن عاصمتها”، قال مصطفى بالي، وهو المتحدث باسم الميليشيات التي يسيطر عليها الأكراد، والمعروفة باسم “قوات سورية الديمقراطية”، وتدعمها واشنطن في المعركة.
انتهت الهجمات السابقة، عندما تراجع المسلحون في محاولة واضحة للحفاظ على القوى العاملة تحسبًا لمعارك أكثر أهمية. قال بالي: “هذه المرة، لن يكون هناك هروب؛ الرقة محاصرة تمامًا”. وأضاف: “إنهم يقاتلون حتى الموت”.
مقاتل من “قوات سورية الديمقراطية” يركض أمام مبنى مدمر في الرقة، في 27 تموز/ يوليو، (حسين مالا/ أسوشيتد برس).
وقال الكولونيل ريان ديلون، المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وسورية الأسبوع الماضي: بعد شهرين من القتال العنيف، لم تسيطر “قوات سورية الديمقراطية” سوى على 45 في المئة من الرقة.
بينما يصرُّ البنتاغون على أنَّ قواته بالوكالة تحرز تقدمًا يوميًا مدعومةً بالغارات الجوية الأميركية، فإنَّ “الدولة الإسلامية” تفخخ المساكن، وترسل موجاتٍ من الانتحاريين لتدفع الوحدات كلفةَ كلَّ قدمٍ من الأرض. على عكس القوات العراقية التي قامت بتطهير مدينة الموصل التي تضم عشرات الآلاف من القوات، والاحتياط كقوات دعمٍ، فإن لدى “قوات سورية الديمقراطية” عددًا أقلَّ بكثير من المقاتلين، والمعدات غير الثقيلة.
تقول التقارير الواردة إنَّ عدد الضحايا المدنيين الناجم عن تقدم “قوات سورية الديمقراطية” والتحالف، يتزايد، وتقول الأمم المتحدة، ومجموعات مراقبة غير ربحية إنَّ المئات لقوا حتفهم، ومن الصعب جدًّا معرفة عدد القتلى.
وقال بريت ماكغورك، المبعوث الأميركي الخاص للتحالف، يوم الأحد 6 آب/ أغسطس: إنّ نحو ألفي مقاتل من (داعش) ما زالوا في المدينة، “ومن المحتمل أنْ يموتوا في الرقة”.
وتتباين التقديرات حول عدد الأشخاص المتبقين في المدينة. فقد قدّرت (مبادرة ريتش) -وهي مجموعة استقصائية غير ربحية- أنَّ العدد ما بين 000 10 و000 25 شخص، ووفقًا لآخر أبحاثها؛ فإن 14 حيًا من أحياء الرقة الـ 24، معظمها على أطراف المدينة الشرقية والغربية، هي أحياء مهجورةٌ اليوم بشكلٍ تقريبي أو كليّ.
رجل وامرأة يفران من الرقة، يوم 31 تموز/ يوليو (رودي سعيد/ رويترز)
وكانت منظمة (أطباء بلا حدود) أعلنت، الأسبوع الماضي، أنَّ أطبائها عالجوا أكثر من 400 جريح من المدنيين، أصيب العديد منهم بجروحٍ نتيجة إطلاق نيران القناصة، أو الألغام الأرضية أثناء فرارهم.
يقول أطباء الأطفال العاملون في العيادات المدعومة دوليًا، ومخيمات النزوح إنهم يشهدون علامات صدمةٍ أشد من أيّ شيء خبروه في حياتهم الطبية كلّها. “لم أرَ قطّ أطفالًا بعمر السنتين، لا يقاومون الطبيب حين يفحصهم.. هؤلاء الأطفال لا يفعلون شيئًا البتة، لا يتحركون.. لا يبكون.. إنهم يتوسدون كما لو أنهم استسلموا تمامًا”. وفقًا لما ذكرته راجيا شرهان، وهي طبيبةٌ تابعة لـ (يونيسف).
وحذرّت جماعات المساعدة من أنّ ثلاث سنوات من حكم (داعش) يمكن أنْ يكون لها عواقب بعيدة المدى على الأطفال الذين نجوا. وتابعت الدكتورة شرهان: “ما تراه في عيونهم هو الصدمة. لقد نجوا من قصف الطائرات والمدافع، وقد تسمّروا على صدور أمهاتهم في رحلة الهروب، وسمعوا الصرخات تتعالى أكثر فأكثر. لقد فقدوا طفولتهم بالفعل”.
وبالنسبة لأولئك الذين ما يزالون في المدينة، فإنَّ الحصول على الطعام أمرٌ محدود بشكلٍ كبير، نتيجة لارتفاع الأسعار، والغارات الجوية اليومية التي تجعل من الذهاب إلى السوق رحلة موت.
ويقول السكان إنَّ رفوف مطابخهم تُملأ فقط عندما يهرب الجيران تاركين ما وراءهم. وقال أحد الناشطين الإعلاميين الذي ينتحل اسم تيم رمضان: إنَّ الأسرة المجاورة سلّمته مفتاح منزلها كهدية وداع، وطلبت منه أنْ يأخذ ما تبقى من الطعام. في الداخل، وجد خبزًا متعفنًا، وزيتونًا، وزعترًا، ومعكرونة. وقال: “منذ أيام، ما تذوقت الطعام”.
ويقدر مسؤولو وزارة الخارجية أنَّ الأمر سيستغرق شهورًا -إنْ لم يكنْ سنوات- لتخليص الرقة من الذخائر غير المنفجرة، والمفخخات المتفجرة بعد طرد (داعش). وكما فعلت في الموصل على الأرجح، فإنَّ المجموعة الإرهابية قد طوّرت قدرتها على إخفاء الألغام المزروعة، وغيرها من الأجهزة التي ستشوه الناس، وتقتلهم بعد فترةٍ طويلة من انتهاء المعركة. وقد تم إخفاء المتفجرات داخل الممرات والمولدات وحتى الجثث.
وقال ديلون، المتحدث باسم التحالف: إنَّ 80 في المئة من الهجمات على “قوات سورية الديمقراطية” أتت من أجهزة متفجرة متنقلة، بعضها مجهزة لتدمير منازل كاملة، بعد دخول المقاتلين.
وقد كثف الهجوم ضغوطه على (داعش) في الوقت الذي تدافع فيه عما تبقى من خلافتها المزعومة. في العراق، فقدت المجموعة السيطرة على الموصل في الشهر الماضي، بعد معركةٍ استمرت تسعة أشهر، وتركت مساحاتٍ واسعة من المدينة مدمّرةً خلفها.
في مناطق سيطرتها السورية، يبدو أنَّ المسلحين يواجهون مشكلات متزايدة في القوى العاملة، وقد أظهرت الصور التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، بيانَ “الدولة الإسلامية” الذي يعلن التجنيد الإلزامي للرجال الذين تراوح أعمارهم، بين 20 و30 عامًا، في مدينة دير الزور الشرقية وحولها.
وهذا يثير الاحتمال بأنَّ عشرات الآلاف من المدنيين في المناطق المتبقية يمكن أنْ يصبحوا -مكرَهين- أهدافًا عسكرية لـ “قوات سورية الديمقراطية”، وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
وفي رسالة عبر (واتساب)، وجهها السبت الماضي، قال شابٌ يبلغ من العمر 25 عامًا: إنّه خائف مما سيأتي. وأضاف: “لدينا أقلٌّ من أسبوعٍ للهرب من هنا، وإلا سنؤخذ بالقوة”.
اسم المقال الأصلي
The Islamic State is ‘fighting to the death’ as civilians flee Raqqa
الكاتب
لويزا لافلك وتوماس جيبونز-نيف، Louisa Loveluck and Thomas Gibbons-Neff
مكان النشر وتاريخه
واشنطن بوست، The Washington Post، 8/8
ترجمة
أحمد عيشة