التفكير النقدي في التجربة المضنية للثورة السورية
16 آب (أغسطس - أوت)، 2017
ماجد كيالي
[ad_1]
لا يمكن نقد الثورة السورية بالتركيز على بعض جوانبها السلبية الثانوية، أو العارضة فحسب، دون التركيز على الجوانب الأساسية التي تحكّمت بمساراتها، أو التي طبعت هذه التجربة بطابعها، علمًا أن أي ثورة تفترض بداهة النقد والمساءلة والترشيد، باعتبارها ظاهرة سياسية واجتماعية، ولا يقلل ذلك من مشروعيتها وعدالتها وضرورتها، ولا سيما في الواقع السوري، حيث سدّ النظام كل أبواب التغيير بالوسائل الديمقراطية أو الطبيعية، لقرابة نصف قرن.
هكذا يستمرئ كثير من المعارضين، من سياسيين ومثقفين، في نقاشهم لأسباب تردي حال الثورة السورية، وفي انتقاداتهم لمظاهرها، إلقاءَ اللوم أو المسؤولية على ظواهر عدة، من مثل ضعف هذا المكوّن أو ذاك، أو تدنّي أهلية هذه الشخصية أو تلك، أو فساد هنا أو هناك، وعلى تشتّت قوى المعارضة، وتخبّط خطابتها، وافتقادها لأجندة واضحة؛ إلا أن كل هذه الانتقادات -على أهميتها- لا تضع يدها على الجرح، أو لا تركّز على مكامن الخطر التي أوصلت السوريين، وثورتهم، إلى ما وصلت إليه.
في هذا الإطار، يمكن الحديث عن ثلاثة جوانب أساسية، طبعت الثورة السورية بطابعها، بحيث بات التحرر من إسارها ضرورة لا بد منها؛ لفتح أفق جديد أمام السوريين، بما في ذلك استعادة ثورتهم، وإعادة الاعتبار للمقاصد الأساسية التي انطلقت من أجلها، وهي الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية.
الجانب الأول، وهو يتعلق بتطييف طابع الثورة، مع العلم أننا هنا نفرق بين الطوائف، كمعطى اجتماعي تاريخي ديني، وبين الطائفية التي هي معطى هوياتي وسياسي، يتمظهر بسبب الصراعات على المكانة والسلطة والموارد، أي بتوظيف جماعةٍ أو عصبةٍ ما، للبعد الديني/ الطائفي في الصراع السياسي. وهذا حصل مع إنشاء الفصائل، ولا سيما العسكرية، التي تغطت بالدين، وبات لها أعلامها وخطاباتها المستقلة التي أزاحت خطابات الثورة الأساسية، لصالح خطابات طائفية، تتغطى بالدين، ضمن مفهوم قاصر وضيق. والفكرة هنا لا تتعلق بالموقف من الدين، بقدر ما تتعلق باستخدام الدين في الصراع السياسي، وتوظيفه وتكييفه، بما يخدم التصورات الذاتية الضحلة والضيقة لأصحاب الأمر، علمًا أن هذا المسار قوض الثقة بين السوريين، وأثار المخاوف المتبادلة بين مكوناتهم، وحدّ من الاستقطاب لصالح الثورة؛ الأمر الذي أفاد النظام، وسهل عليه الترويج لوصم الثورة بالطائفية، والتقليل من بعدها السياسي.
الجانب الثاني يتمثل بحصر الصراع مع النظام في البعد المسلح، بحيث تمت إزاحة الشعب، أو أغلبية الشعب مرتين: الأولى تمثلت بإزاحته من الثورة، بحصرها في جماعات منعزلة ومشتّتة من المقاتلين. والثانية، بتشريد الملايين، باقتلاعهم من بيوتهم وبيئاتهم وتحولهم إلى نازحين أو لاجئين. زد على ذلك أن هذا الشكل من العمل جعل الثورة السورية بحاجة إلى دعم خارجي مستمر، أي ذات تعويل على الخارج، متعدد الأنظمة ومختلف السياسات. فوق كل ذلك، فإن حصر الصراع مع النظام في البعد العسكري في ظروف غياب الشعب أو أغلبيته، والارتهان للخارج؛ حمّل الثورة السورية فوق ما تحتمل، إن في حرق المراحل، أو في قصة “تحرير” مناطق واسعة، يصعب الدفاع عنها أو تأمين متطلبات سكانها، كما أنه أدخل الثورة في مواجهات أكبر من قدرتها، وقدرة شعبها. هذا إلى جانب أن تجربة المناطق المحرّرة لم تكن ناجحة، لا إزاء السوريين الذين وجدوا أنفسهم في ظل سلطات استبدادية وتعسّفية أخرى، ولا إزاء النظام الذي لم تظهر هذه السلطات أنها تشكل نموذجًا أفضل من سلطته، مع علمنا أن المعارضة لم تستطع فتح مكتب لها في المناطق “المحررة”، بل إن المهيمنين في السلطات المحلية العسكرية ناهضوا أي نشاط ثوري، ونكّلوا بكثير من المعارضين الذين اضطرّوا إلى الخروج من “المناطق المحررة”.
الجانب الثالث، يتعلق بالارتهان، وبالتبعية للخارج، فكما قدمنا فإن حصر الصراع ضد النظام بالعمل المسلح أضعفَ الثورة السورية بدل أن يقويها، إذ أخرج الشعب من دائرة الصراع، وزاد من توظيفات الخارج أو تلاعباته بأجندة الثورة السورية، ومن تأثيره في خطاباتها. وكما بينت التجربة، فإن العمل العسكري يتطلب المال والسلاح والتسهيلات اللوجستية التي لا تتوفر إلا لدول مقتدرة، ونافذة، فإذا علمنا أن الدول لا تشتغل كجمعيات خيرية، وأن معظمها لا يحابي تطلعات السوريين بالتخلص من نظام الاستبداد، ونيل الحرية والتحول نحو الديمقراطية؛ فإن ذلك يعني أن “الدعم” الخارجي يجري لتوظيفات معينة تخدم الدولة المعنية، أكثر مما تخدم الشعب السوري، أو أنه يعني التحكم في مسارات الثورة السورية، وتطويع خطاباتها، والسيطرة على تداعياتها. هكذا وصلنا إلى وضع بات فيه السوريون أضعف قدرة على تقرير مصيرهم من أي يوم آخر، في وضع باتت فيه القوى الدولية والإقليمية هي التي تتحكم بمصير الثورة السورية، ومصير سورية أرضًا وشعبًا ونظامًا.
لا يمكن استعادة الثورة السورية، وتاليًا استعادة الشعب السوري، واستنهاضه، من دون التحرر من الأخطار والمراهنات التي ذكرناها، هذا كان في السابق صحيحًا، رغم تبرم البعض منه، لكننا اليوم إزاء تجربةٍ أثبت صحة ذلك، ولكن -يا للأسف- بثمن باهظ جدًا.
[ad_1] [ad_2] [sociallocker]
[/sociallocker]