“خفض التصعيد” بين التسارع والتعثّر.. والنظام “يلعب” في الوقت الضائع


muhammed bitar

بخطى متفاوتة السرعة والفاعلية، تتواصل التطورات في أنحاء شتى من البلاد باتجاه رسم وتثبيت “مناطق خفض التصعيد” سواء عبر الآليات المتفق عليها مع الجانب الروسي، أم من خلال خطوات أحاديّة تقوم بها قوات النظام لكسب مزيد من المواقع على الأرض وتوسيع مناطق سيطرتها في الوقت الضائع دون أن تواجه أي حساب أو عقاب على خرقها المتواصل للاتفاقيات الموقعة مع المعارضة برعاية روسيّة أميركية كما هو حال اتفاق الجنوب، أو روسيّة صرفة على نحو ما حصل في الغوطة وريف حمص الشمالي، بينما ما زال مصير محافظة إدلب مطروحاً على طاولة التفاوض الدولي.

وفي هذا الإطار جاء الانسحاب المفاجئ لفصيل “جيش العشائر”  المدعوم من الأردن من المنطقة الحدودية مع سوريا وتسليم مواقعه لقوات النظام، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات حول مغزى هذه الخطوة، ومدى ارتباطها بتطبيق اتفاق “خفض التصعيد” في الجنوب السوري، أو بالتنسيق الأردني مع نظام الأسد، وهل سيتبعها خطوات أخرى مثل فتح معبر جديد مع الأردن في المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام يكون بديلاً عن معبر “نصيب” الذي تسيطر عليه قوات المعارضة منذ أكثر من عامين؟.

وما يزيد من غموض الموقف (وربما وضوحه) أن الانسحاب جاء دون تنسيق مع الفصائل العسكرية العاملة في المنطقة، وأهمها فصيلا “جيش أسود الشرقية” وقوات “الشهيد أحمد العبدو”، وعلى نحو يوحي بوجود تنسيق مع قوات نظام الأسد التي سارعت إلى التواجد مكان القوات المنسحبة، وسيطرت على مواقع هامة من الشريط  الحدودي بين السويداء والأردن، مثل تل الحربية و”المخفر 30″، ومعبر  أبو شرشوح، إلى جانب “المخفر 154 والمخفر 143، بمساحة تقدر بنحو 100 كم2‌‌.

ورغم أن قوات المعارضة التي تفاجأت بهذه التطورات، حاولت التقدم والسيطرة على بعض المواقع إلا أن قوات النظام كانت هي الأسرع والأكثر جهوزية لملء الفراغ، بل إنها سعت إلى التمدد أكثر باتجاه الشريط الحدودي الصاعد شمالاً إلى محاذاة نقطة التنف، بغية السيطرة على كامل الشريط الحدودي مع الأردن، حيث بقيت كيلومترات قليلة لتصل نقاط سيطرتها شرقي السويداء، بتلك التي تقدمت إليها في عمق البادية، وتحديدًا بين الزلف وأم رمم.

والواقع أن جيش العشائر الذي تأسس قبل حوالي عامين لم يكن يتبع للجبهة الجنوبية، بل للسلطات الأردنية التي شكّلته وسلّحته ووجّهته لقتال تنظيم “داعش ” في منطقة اللجاة، والأهم حراسة الحدود الأردنية من الجهة الجنوبية الشرقية لدرعا. ولهذا الفصيل الذي يصل عدد عناصره إلى نحو ثلاثة آلاف مقاتل أجندة اردنية، ولم يقاتل نظام الأسد أبداً، بل تكررت انسحاباته منذ مطلع هذا العام إلى أن سلّم آخر مواقعه للنظام، الأمر الذي يثير الشكوك حول وظيفته التي تمثلت  كما يرى بعض المراقبين في تفويت الفرصة على فصائل المعارضة للسيطرة على مساحات واسعة من الحدود، ومن ثم تسليم هذه المساحات لنظام الأسد دون أي قتال بدل تسليمها لقوات المعارضة.

صراع المعابر

ولا يستبعد مراقبون أن يكون الهدف في النهاية فتح معبر جديد مع الأردن من محافظة السويداء خاصة أن الحديث عن فتح مثل هذا المعبر قديم، وبرز حتى قبل سيطرة المعارضة على معبر نصيب، لكن تجسيده على الأرض تعرقل خلال الفترات الماضية بسبب تحفّظ السلطات الأردنية التي كانت تفضل إعادة التعامل مع معبر نصيب المجهّز بشكل أفضل، لكن رفض فصائل المعارضة تسليم المعبر حال دون ذلك حتى الآن.

وكانت المعطيات التي رَشَحت عن اتفاق خفض التصعيد الذي جرى توقيعه في العاصمة الأردنية عمان قبل حوالي الشهرين أشارت إلى أن الخلاف الأبرز الذي بقي عالقاً في الاتفاق الثلاثي الأردني- الأمريكي- الروسي بخصوص درعا هو تسليم معبر نصيب إلى نظام الأسد، وإعادة فتح المنفذ الحدودي مع الأردن، إذ رفضت فصائل المعارضة تسليم المعبر إلى قوات النظام.

وتشير بعض المعطيات إلى أن نظام الأسد نقل في أوقات سابقة الأمانة الجمركية من معبر نصيب الحدودي مع الأردن إلى معبر جديد تم تجهيزه في منطقة الرويشد بريف السويداء، ونقل معدات وأجهزة للمعبر الجديد بتوصية من أجهزة الأمن السورية وخاصة جهاز الأمن العسكري الذي يدير محافظة السويداء، الذي أراده بديلاً لمعبر نصيب، برغم وجود قناعة لدى النظام بأن المعبر الجديد في السويداء لن يحل محل معبر نصيب ولن يكون فعّالاً مثله، فمسافته أطول وتجهيزاته أبسط وأضعف، وهناك إشكاليات لوجستية كثيرة، كما أن الأردن لم يوافق بعد على فتحه، إلا أنه أكثر أماناً من القديم في نصيب لأن النظام مازال يسيطر على محافظة السويداء ويتخذ منها مقراً لقواته العسكرية والأمنية.

وما يجدر ملاحظته أخير أن انفجاراً كبيراً ضرب مركزاً لـ”جيش الإسلام” في بلدة نصيب المجاورة للمعبر بعد يومين فقط من انسحاب جيش العشائر موقعاً عشرات القتلى والجرحى، فيما اعتبره بعض المتابعين رسالة لفصائل المعارضة بأن وجودها غير مرغوب فيه في نصيب وفي معبرها الحدودي.

وبالتوازي مع هذه التطورات جاء إعلان فعاليات مدنية وسياسية في جنوبي البلاد عن تشكيل “هيئة الإدارة العليا” بهدف إدارة المناطق المحررة في ظل اتفاق “خفض التصعيد” في المنطقة.

وحسب  البيان الذي تلاه عبد الحكيم المصري، معاون وزير الاقتصاد في “الحكومة الموقتة” التابعة للمعارضة السورية، فإن المؤسسات الثورية العاملة على الأرض والمكونة من ممثلي الحكومة السورية الموقتة ومجلسي محافظتي درعا والقنيطرة، شكلت هيئة الإدارة العليا بهدف إدارة المناطق المحررة بما يتلاءم مع طموحات الشعب”.

وجاء الإعلان عن تشكيل “هيئة الإدارة العليا” بعد أيام من اتخاذ غرفة الـ”موك” قراراً بحلّ “الجبهة الجنوبية” وإعادة هيكلة الفصائل الموجودة في درعا والقنيطرة وذلك من خلال دمجها، وتتضمن الهيكلة الجديدة قيادةً مشتركة وتمثيلاً سياسياً ومكتباً إعلامياً، وتخفيض عدد قوات الفصائل العسكرية.

“الثقب الأسود”

وبينما تسير الأمور في “الجبهة الجنوبية” على هذا النحو، فإن الأوضاع في محيط العاصمة ظلّت أكثر صخباً حيث تواصل قوات النظام والميليشيات التي تقاتل معها محاولاتها اقتحام حي جوبر شرقي دمشق والذي يحلو للنظام استثناؤه من اتفاق الهدنة بزعم أنه ليس من مناطق الغوطة وأن فيه وجوداً لهيئة “تحرير الشام” وهذا مخالف للحقيقة حيث لا وجود للهيئة في تلك المنطقة التي يسيطر عليها “فيلق الرحمن” بالكامل.

والواقع أن القصف ومحاولات الاقتحام لا تقتصر على حي جوبر وعين ترما المجاورة له، بل تشمل مجمل مناطق الغوطة بما في ذلك مدن وبلدات “دوما، الزريقضية، وحوش الضواهرة”.

واللافت سقوط أعداد كبيرة من قوات النظام، وخاصة “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد خلال محاولات الاقتحام المستمرّة لحيّ جوبر وبلدة عين ترما، ويقول الفيلق إنه يتحضّر لجولة جديدة من محاولات قوات النظام وميليشيات إيران اجتياح حي جوبر خاصة بعد فشل المحاولات السابقة والتي تكبدت خلالها قوات النظام خسائر فادحة.

ويطلق مؤيدو الأسد على حي جوبر “الثقب الأسود” أو “مثلث برمودا”، وذلك نظراً لابتلاع المنطقة لعدد من المجموعات الاقتحامية التابعة لـ”فرق النخبة” في النظام، رغم استخدام الأخيرة لكافة الأسلحة التدميرية، حيث عجزت تلك القوات من التقدم في الحي، رغم مرور نحو شهرين على المواجهات .

ويقول الفيلق إن قوات النظام قامت خلال الأسابيع الماضية بأكثر من 50 محاولة لاقتحام المنطقة مستخدمة عدداً كبيراً من المدرعات، حتى أنه استخدم 30 مدرعة على أحد المحاور، وقد تركزت محاولات الاقتحام التي تصدى لها الثوار على ثلاثة محاور؛ جوبر من قطاع طيبة، وادي عين ترما، وزملكا .

وتأتي الحملة العسكرية كخطوة لإنهاء وجود الفصائل شرقي العاصمة دمشق عبر التقدم في حي جوبر وإجبار المعارضة على الانسحاب إلى الغوطة الشرقية، وذلك بعد سيطرة الميليشيات على حيي القابون وبرزة وبساتين حرستا الغربية من جهة اوتستراد دمشق – حلب، فالنظام يرغب بتأمين العاصمة من أي وجود للفصائل المقاتلة في محيطها، ومحاصرة المعارضة ضمن مساحة ضيقة داخل مدن الغوطة.

إعادة صياغة

تشمل المنطقة الثالثة لاتفاق خفض التصعيد “المنطقة الوسطى” أو ريف حمص الشمالي الذي أعلنت لجنة التفاوض فيه إقرار اتفاق جديد بعد اجتماعٍ مع الطرف الروسي قرب معبر الدار الكبيرة.

واجتمعت اللجنة الممثلة لمدن وبلدات وقرى شمال حمص مع وفد روسي في “خيمة” قرب معبر الدار الكبيرة، بهدف التوصل إلى اتفاق يخص المناطق المحررة في المنطقة.

وأكدت اللجنة في بيان لها أن الاتفاق السابق الذي وقّع في العاصمة المصرية القاهرة “قديم”، مشيرة إلى أن صياغة الاتفاق الجديد ألغت أدوار جميع الوسطاء في الخارج إلا مَن يملك تفويضاً رسمياً من الهيئة العامة الممثلة للمنطقة المُحَرَّرة.

وشدّد الاتفاق على التمسك بالثوابت الثورية التي وضعتها الهيئة العامة للتفاوض، وأبرزها ملف المعتقلين، بالإضافة إلى تحديد موعد لاحق لمتابعة صياغة مشروع الاتفاق الجديد وبنوده، وأعقب توقيع الاتفاق وصول قوات روسية إلى معبر الدار الكبيرة للإشراف على تنفيذه، غير أن ذلك لم يمنع قوات النظام من مواصلة خرق الاتفاق مستهدفة قرى ومناطق الريف الحمصي بالمدفعية والرشاشات الثقيلة.

ويتضمن الاتفاق انتشار الشرطة العسكرية الروسية في معبرين و3 نقاط رصد على طول خط التماس في المنطقة، وستتولى مهمة الفصل بين قوات النظام والفصائل المقاتلة.

وحسب المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، فإن الاتفاق يشمل 84 مدينة وبلدة في ريف حمص الشمالي يتجاوز تعداد سكانها 147 ألف شخص.

مصير إدلب

في غضون ذلك، ما زال الاتفاق حول منطقة خفض التصعيد في إدلب محلّ أخذ ورد بين القوى الدولية الفاعلة في المسألة السورية.

وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد لقائه نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون والتركي مولود جاويش أوغلو، إن الاتفاق حول منطقة خفض التصعيد في إدلب لن يكون سهلاً، واصفاً تلك المنطقة بالأكثر تعقيداً بين مناطق خفض التصعيد، ويعود سبب ذلك إلى هيمنة “هيئة تحرير الشام” في الأسابيع الأخيرة على مدينة إدلب ومعظم ريفها وتحديداً المناطق الحدودية مع تركيا بحسب قوله.

وفي إطار إثارة المخاوف من الوضع في ادلب، وصف المبعوث الأمريكي بالتحالف الدولي بريت ماكغورك إدلب بـ “المعقل الأكبر لتنظيم القاعدة في العالم”، أما الخارجية الأمريكية فحذرت من أنها لن تتمكن من إقناع الأطراف الدولية من اتخاذ خطوات عسكرية بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على إدلب وريفها، ومررت واشنطن رسائل تحمّل تركيا مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في مدينة إدلب عبر تسهيل مرور المقاتلين الأجانب وتمكين “الهيئة” من السيطرة على المدينة.

أما تركيا، فتبدو أكثر المعنيّين بما يجري على حدودها، سواء من جهة إدلب التي كان من المفترض أن تدخلها قوات تركية روسية ضمن خطط مناطق خفض التصعيد، أو من جهة عفرين وريف حلب، حيث يواصل الجيش التركي حشد تعزيزات عسكريّة هناك.

وتوعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جديد بإطلاق عمليات عسكرية جديدة لتوسيع مناطق درع الفرات، متهماً جهات عدة لم يسمّها بمحاولة تطويق تركيا عبر مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” في إشارة منه إلى “وحدات حماية الشعب” الكردية التي أعلنت أكثر من مرة استعدادها خوض معركة إدلب بدعم دولي، وهو ما تحذّر منه مصادر تركية مبديةً تخوّفها من تشكيل حزام كردي من إدلب حتى البحر الأبيض المتوسط.




المصدر