كُلّكم يريد الأسد إلا نحن


جيرون

كثيرًا ما سمعنا تصويبًا لتصريحات سياسيين ومسؤولين عرب ودوليين عن سورية، والمقصود تصريحات صحفية يُردّدها مسؤولون غربيون، بشأن مستقبل بشار الأسد في سورية المستقبل، فبعد أن حطّت التصريحات الفرنسية رحالها، بعدم اعتبار الأسد عدوًا لفرنسا، وبعد التلميح الأميركي بوجوب تكثيف جبهة محاربة (داعش) دون قتال الأسد؛ تأتي تصريحات عادل الجبير وزير خارجية المملكة العربية السعودية في السياق، غير بعيدة عما هو مطلوب غربيًا وأميركيًا من الأسد لتسويق ذلك عربيًا.

ممارسة الضغط على المعارضة السورية هي من الوسائل المتاحة، لتخفيف وقع المواقف المتبدلة، ويمكن تلمّس الضغوط التي تواجهها المعارضة السورية، في أكثر من نقطة، تتجلى في محاولة تقليص عزلة النظام السوري، وبعث رسائل الاطمئنان على وضعه، بعد كل الجرائم التي لم تزل مستمرة على أيدي عصاباته، بالمقابل يجري توجيه رسائل التحذير واللوم والغضب أحيانًا للمعارضة، وأحيانًا أخرى لوم الشعب السوري على ثورته، واتهامه بأنه قام “بتخريب بلده”، كما سرّب ممن يعتبر حليفًا لقوى المعارضة.

تسريب ما يجري ويُحضّر لمؤتمر المعارضة السورية في الرياض، وخلف ما ترغب به الرياض بضم منصتي القاهرة وموسكو، وإجراء تعديل جذري في الهيئة العامة للمفاوضات، هو تبنٍّ غير مقصود لخطاب النظام، ومن ثم المسعى الأميركي والعربي لمحاربة الإرهاب، وإسقاط إرهاب النظام المستمر، منذ ستة أعوام مع إشارات تأمين الحماية المستمرة له.

مع أن السوري ما يزال يحتفظ بتجدّد ثورته، فإنه يعلم أن التضحيات الكبرى يمكن أن تفضي إلى نقائضها بفضل سياسة التآمر المستمر على ثورته، وبفضل سياسة عربية يرتبط وجودها بتوازنات دولية، تُشكّل ثورة السوريين والتخلص من الطاغية مخاطر وجودية عليها، ممارسة الدول الكبرى سياسة الاحتواء للثورة والنفاذ لقلبها تخريبًا وتشكيكًا وضربًا لأهدافها، محاولات لن تنتهي عند نقطة محددة، وهي طبيعة الصراع والمواجهة المفروضة من تشعب وظيفة نظام كنظام الأسد في سورية، لذلك القتال العسكري والسياسي، لثبيت فائدة أنّ الأسد سيستمر إلى حين، وتصدّع الشعارات المناصرة لثورة السوريين ستشهد المزيد من التداعيات مستقبلًا.

قصد الجبير أم لم يقصد الموقف من الأسد، وكذا ماكرون وترامب وكل الغرب، تلك الحقائق التي يعرفها الشعب السوري أن الأسد عدو لشعبه، وليس عدوًا لمصالح الغرب وأميركا و”إسرائيل”، يتشاطرون جميعًا العداء للشعب السوري الذي يُدرك -منذ البدء- أن العمل مع المعارضة السورية ليس من منطلق الدعم بل من منطق الاحتواء، وهو يوافق تمامًا سبيل النظام العربي في محاصرة واحتواء أي تحرك للتحرر من الاستبداد.

وإذا كانت الثورة السورية، قاتلت وضحت بشكل مباشر كشعار أساس لإسقاط النظام وإجرامه وتقديمه للعدالة الدولية عن جرائم الحرب التي اقترفها وما زال، فإنها كانت تفرض المساحة الكافية لتطلعاتها في نيل الحرية والديمقراطية، وفضحت وعرّت من يريد الحفاظ على وظيفة الأسد القهرية في المجتمع السوري، وبعيدًا عن التخريب والتخدير، فإن الطموحات التي قاتل من أجلها وقدم تضحياته الجسام من أجلها، أصبحت في قبضة اليد والتاريخ، التصريحات الغائمة والمخدرة عن التمسك  بالأسد يمكن أن تؤثر تأثيرًا نسبيًا على معنويات الثورة، لكنها لن تكسرها، أو تضع اليد عليها وتخمدها، حتى لو كان الأسد مطلب العالم، فالحرية هي مطلبنا في سورية.




المصدر