هل الحرب في سورية عادلة؟


سميرة مبيض

تبحث الدول بشكل دائم عن مبرراتٍ تجعل أيّ حرب تقودها مبررةً أخلاقيًا، بحيث تكون أسباب نشأة الحرب وسيرورتها مستندةً إلى مبررات سياسية، وبحيث تتوقف الحرب حين زوال مبرراتها وموجباتها، وحين تحقق شروط السلام. وعلى الرغم من أن الاقتتال لا يحقق هدفًا إنسانيًا، في جميع وجوهه، لكن مبررات عديدة قد تُدخِل الصراع، على الصعيد الدولي، ضمنَ مفهوم “الحرب العادلة”، أولها أن يكون الهدف هو درء الخطر عن الشعب ولا سيّما المدنيين.

اليوم، وبعد دخول قوى دولية في حرب غير محددة المعالم والزمن والنتيجة في سورية، تبرر هذه القوى حربَها أخلاقيًا، أمام الرأي العام الدولي، بمبرر الحرب على إرهابٍ بلون فكري محدد. من اللافت أنه بالرغم من القوة العسكرية والسياسية لتلك الدول المشاركة في الحرب، لكنها لا تتخلى عن التبرير الأخلاقي لحربها، وإن كان لا يعدو كونه قشورًا ظاهرة.

يجعل ذلك المعنيين بالشأن السوري ملزمين بإظهار لا أخلاقية هذه الحرب في المحافل الدولية، التظاهرات الشعبية، على وسائل الإعلام وفي كل وسيلة ممكنة فهي حرب على حق الحياة للسوريين أو تبرير قتلهم.

لا أخلاقية هذه الحرب تظهر بشكل واضح وجلي، عندما تتستر بشكل علني على نظام الأسد المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتمنع أن يأخذ القانون الدولي مجراه تجاه محاكمته؛ ما دفع مؤخرًا ديل بونتي -وهي واحدة من ثلاثة أعضاء في اللجنة المكلفة من قبل الأمم المتحدة، بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سورية- إلى الانسحاب بعد أن لمست غياب أي إرادة سياسية لإحلال العدالة في سورية رغم توفر الأدلة على إجرام الأسد.

لا أخلاقية هذه الحرب تكمن أيضًا في أنها تفتح المجال لدخول مرتزقة وإرهابيين من أيديولوجيات أخرى إلى الأراضي السورية، يعيثون بها فسادًا وإجرامًا لا يقل سوءًا عن الإرهاب المذهبي الذي تسعى لمحاربته.

فالحرب في سورية هنا تقع في تناقض مع نفسها، فهي تدعو إلى منظومة قيمية لا تطبقها، وتبرر الصراع بحماية المدنيين من الإرهاب، في حين يُقتل أكثر من ثمانين بالمئة من المدنيين، بنيران نظام الأسد الذي تحميه هذه الحرب، وبنيران قصف القوات الدولية نفسها في سياق حربها على الإرهاب، ومنهم أطفال ونساء، وأطباء يؤدون مهماتهم الإنسانية والمهنية في هذه المناطق المنكوبة، بالإضافة إلى من يهجّرون بسبب هذا القصف، وهم ضحايا لا يمتّون إلى الإرهاب بصلة دون إمكانية منظورة للعودة.

يعتبر الفيلسوف مايكل وولزر -وهو من منظري مفهوم الحرب العادلة- أنّ هناك عدة عوامل تجعل الحربَ عادلةً، وجميع هذه العوامل لا تتوفر في الحرب على سورية، فهذه الحرب لا تحمل قضية محقة من المنظور الأخلاقي، فهي لا تدعم تحرير شعب من ظلم حل به طيلة خمسين عامًا ورسخ في صفوفه الجهل والتجهيل، وهي لا تهدف إلى حماية الأبرياء من بطش الإرهابيين بل تزيد من الفوضى والدمار الذي يعيشون فيه، كما أنها حرب لم تسع للقضاء على هذا الإرهاب بوسائل أخرى متاحة، مثل تجفيف منابعه التمويلية، أو إغلاق الحدود التي تورده للأرض السورية، أو عدم شراء النفط وعدم بيع السلاح لهذه التنظيمات المتشددة، أو تمكين المجتمع المحلي من تطويق الإرهابيين المتواجدين في مناطقهم بكافة الوسائل الممكنة. لم تُتح أي من هذه الوسائل للسوريين، قبل شن الحروب على أرضهم، على العكس فقد تُرك المدنيون تحت رحمة تنظيمات متطرفة تُمدُّ بالسلاح والذخيرة والسيارات الحديثة والهواتف والأجهزة الإلكترونية وبكل ما يلزم، وتتمدد بحرية لأشهر طويلة، قبل إعلان الحرب عليها.

بناء على ذلك؛ تعريف وولزر للحرب العادلة، والذي ما زال الغرب يستند عليه، لا ينطبق -في أي بند من بنوده- على الحرب في سورية؛ فالعدل يقتضي محاكمة من ارتكب جرائم ضد الإنسانية تجاوزت في غيّها محارق هتلر نفسها، والعدل يقتضي عودة المهجّرين أصحاب الأرض إلى موطنهم، والعدل يقتضي دعم أي شعب يتحرك من أجل الارتقاء بوطنه للحرية والكرامة الإنسانية، وهي شروط أساسية لاندماج الشعوب في حركة التطور الإنساني اندماجًا فاعلًا، بينما إبقاؤها مشلولة تحت نظم ديكتاتورية لن يكون أكثر من حشد قنابل موقوتة بالظلم والغضب.




المصدر