‘الغزو الإيراني: ميليشيات عندها “دول”’
17 آب (أغسطس - أوت)، 2017
مصطفى الولي
[ad_1]
وصف عدد من المفكرين النقديين في (إسرائيل) “دولتهم”، لنقل واقعهم في ظل الصهيونية، بقولهم: “نحن جيش وعنده دولة”. مشيرين بذلك إلى تحوّل كل شيء في (إسرائيل) إلى العسكرة، في الاقتصاد والتعليم والقوانين الأساسية، وفي تنافس الأحزاب على المتقاعدين من الجنرالات، والأهم في تسويق “بضاعتها” الحربية، لدى الزبائن الدوليين، ومن هنا جاءت فكرة أن (إسرائيل) “أفضل حاملة طائرات في العالم”.
إن أردنا توصيف إيران “الخمينية”، بعد أربعة عقود من صعود الملالي إلى السلطة، فلن نجد وصفًا أدق لها من أنها “أول وأكبر مُصدِّر للميليشيات في العالم”، فالنفط والسجاد ليسا من اختصاص عهد الخمينية، فهما منذ القدم، تميزت إيران بتصديرهما للخارج كأساس لاقتصادها ونموها. فقط “الميليشيات المذهبية” هي ما أضافته “ثورة الخميني” للصادرات الإيرانية للخارج، ووضعت نفط طهران وثرواتها من السجاد وسواه في خدمة نجاح تصدير الميليشيات، الذي اصطلح المحللون عليه “تصدير الثورة”، تحت راية “إقامة الجمهورية الإسلامية الكبرى”، وأهم ميزات هذه الجمهورية أنها بلا حدود ثابتة، تمامًا كما هي (إسرائيل)، وثمة تشابه آخر بين النموذجين في “الحدود البشرية” التي بلا نهاية، فـ (إسرائيل) تعتبر مشروعها يكتمل بانتماء كل يهود العالم إليها، وإيران تريد انتماء كل مسلمي العالم إلى نظامها وسلطتها “الإلهية”، وكلتاهما، رغم الفوارق الكبيرة، دولتان دينيتان.
مضت إيران، بعد مجيء الخمينية، لتستبدل ميليشيا “الحرس الثوري” بالجيش النظامي الموجود تاريخيًا، ولتجعل تلك الميليشيا مركزَ قوتها، ورأسمالها المناسب لأيديولوجيا السلطة الثيوقراطية، وراحت منذ أيامها الأولى تُصدِّر “منتجها” الذي “أبدعته”؛ ليقوم بتحقيق وهم “الجمهورية الإسلامية الكبرى”، وعلى جثة البلاد التي تسعى للامتداد إلى مساحاتها الجغرافية، ولتعيد إنتاج موجودها البشري طائفيًا، بما يظهر الواقع في تلك البلاد وكأنه أصبح في حوزتها.
نشير هنا إلى أول تجربة عنف فجّرتها الخمينية في المنطقة، حين وضعت نظام صدام حسين بمواجهة خطر الاختراق باسم “الطائفة الشيعية المغلوبة على أمرها والمضطهدة منذ موت الحسين”؛ الأمر الذي جعل نظام صدام الدكتاتوري يشن حربًا وقائية بهجوم قواته على إيران وإلحاق الهزيمة بجيشها، ومع الغزو الأميركي للعراق وسقوط صدام، وتدمير مؤسسة الجيش والدولة العراقية، وبالتنسيق مع الوجود الأميركي، أو على الأقل بالتحالف الموضوعي مع أميركا في العراق، أسست إيران ركيزة -ركائز- عنف طائفية لها هناك، اعتمادًا على ادعائها الحفاظ على مصالح الشيعة في العراق، وكانت تداعيات نشاط ركائزها الطائفية، مجيء المالكي حاكمًا للعراق، ليؤسس لما نشهده اليوم من تدمير للنسيج الاجتماعي العراقي، وما القوة الميليشياوية المسماة “الحشد الشعبي” إلا ثمرة لتلك السياسة الظلامية الطائفية التي منعت معاودة العراق بناء ذاته ديمقراطيًا ومدنيًا، بعد سقوط الدكتاتورية.
جاءت الورقة الميليشياوية، الأعز والأغلى على نظام الملالي، حين تم الإعلان عن تأسيس “حزب الله” في لبنان، الذي راح تحت غطاء مواجهة “إسرائيل” يعبث بلبنان، ويُطوِّع مؤسسات الدولة لأجندة طهران، وليبتلع لبنان بالكامل، وليجعل السلطة أداة طيّعة بين يديه، ثم ليقوم بالدور المرسوم له من خامنئي وسليماني في سورية، لتصبح أيضًا مهددة بوحدتها المجتمعية والسياسية والجغرافية، بفعله وفعل ميليشيات أخرى عراقية وأفغانية وباكستانية وسواها؛ مما جعل سلطة بشار التي دخلوا باسم الدفاع عنها، باعتبارها “سلطة ممانعة ومقاومة”، لا تملك مقدرات السيطرة والتخطيط واتخاذ القرار، لتصبح أسيرة ببقائها الهزيل لأوامر نصر الله وقاسمي، وهو ما يرسم علامات سوداء على مستقبل سورية برمتها، ويغلق الطريق على نهوض المجتمع السوري والدولة بعد انتهاء الحرب، حتى وإن لم تنتصر الثورة، فبذريعة دعم بشار يجري تقويض سورية ورسم مستقبلها ميليشياويا، وتحجيم دور الجيش ومؤسسات الأمن لتكونان في القبضة الإيرانية عبر اجتياح الميليشيات للبلد، وتأسيس “ميليشيات سورية”، تتكامل مع ميليشيات طهران، وتنفذ أجنداتها.
استطاعت طهران الملالي أيضًا النفاذ إلى اليمن، عبر الحوثيين، وبتحالفهم مع علي عبد الله صالح، بعد ثورة الحرية التي فجرها الشعب اليمني. واللافت في هذا التحالف أن الحوثيين، وهم يحاربون لتقويض الشرعية اليمنية، بالتحالف الميداني مع بقايا القوات الموالية لصالح، يقومون أيضًا بتغيير واقع القطعات والألوية الموالية لصالح، لتصبح أجندتهم المرسومة في طهران هي النافذة، ولقطع الطريق عليه من أي مناورة التفافية، تفضي إلى الانسحاب من التحالف معهم، وللوصول إلى جعل الدولة في اليمن تأتمر بأوامر ميليشيا الحوثي.
لم تتوقف محاولات ملالي طهران عن محاولات توسيع غزوها، سواء في البحرين أو في السودان، لكنها فشلت، وهي تستمر بالمواظبة على خلق الفتن الطائفية والأزمات السياسية في بقية البلاد العربية، لشل طاقات الشعوب، وإغراقها بالانقسامات العمودية التي تجعلها مهيأة للسباحة في أنهار من الدماء، وبذلك تكون عجينة رخوة بقبضة سلطة ثيوقراطية تجاوزتها البشرية في كل بقاع الأرض.
كل الغزوات الخارجية التي جاءت إلى بلادنا جلبت العديد من الأخطار، وأرهقت الشعوب ونهبت مواردها، غير أن الأدوات التي استخدمها الغزو الأوروبي -على سبيل المثال- لم تكن بتلك الدرجة من الدموية والتخلف، ولم تنتج تدميرًا لوحدة المجتمعات العربية، ولعلها بالعكس، دفعتها -كردة فعل عليه- إلى الالتحام والاندماج؛ لوضع حد لاستمرار الاستعمار، فحتى “إسرائيل” -على بشاعة غزوها العنصري الإجلائي لفلسطين- أنتجت، دون قصد، توحيدًا لشعوب البلدان العربية بوجهها توحيدًا شبه مطلق. فقط إيران الملالي بميليشياتها تُنتج تمزيقًا وتدميرًا لعلاقات أبناء الشعب الواحد، وداخل كل بلد، وبغير ذلك لا تستطيع متابعة تنفيذ أجنداتها، فالتدمير الداخلي يجرف أيضًا في طريق تحققه كل مرتكز لقيام الدولة، أو لاستعادة وحدة البلاد، وحيث هناك بلد فيه “دولة”، تقوم الميليشيات بتجويفها وتفريغها لإبقائها أداة لا تستطيع إلا القبول بإملاءاتها. هكذا تصنع طهران الملالي، طهران الظلامية الفاشية، حاضرَنا ومستقبلنا بميليشياتها؛ لتصبح في بلادنا “ميليشيات عندها دول، تشتغل مياومة وبالأجرة”، دول لا حول لها ولا قوة، حتى والدول هذه حليفة لها. لبنان والعراق نموذجان لهذه الحقيقة، والحبل على الجرار، خاصة في سورية، إذا لم يوضع حد لهذه الميليشيات ولمركز قيادتها في طهران.
عود على بدء، (إسرائيل) “جيش وعنده دولة”، إيران الملالي “ميليشيا عندها مسوخ دول”.
[ad_1] [ad_2] [sociallocker]
[/sociallocker]