الممثل والقيم التعبيرية للأداء الفني


فيصل الزعبي

تقول سونيا مور: “لا مدارس في التمثيل، التمثيل في كل العالم وعلى مختلف الفنون التي يقدم نفسه من خلالها، هو واحد”. التمثيل هو أداء يعتمد على الإقناع والإدهاش، وهو علم يمكن تعلمه، المدارس التي تختلف هي مدارس تدريب الممثل.

ثمة فرق كبير، بين تدريب الممثل على دور معين، وتعليمه التمثيل كفن وحرفة، ومن هنا نشأت المدارس والطرائق المختلفة، كي يصبح الممثل مقنعًا مدهشًا ومبررًا لفعله.

إن المسرح هو المدرسة الأولى المنضبطة للممثل. المسرح هو الذي أعطى للممثل وظيفته المثلى للتعبير الجمالي، ولوجوده الضروري على خشبة المسرح، من خلال أداء الشخصيات (التجسيد)، التعبير عن الحالة، حمل الحكاية المسرحية.

في المسرح، الممثل سيد العمل، حيث يصبح المخرج بلا حيلة، بعد أن يصبح الممثل على الخشبة، في تجسيد العرض، ومن هنا كثير من المخرجين المسرحين لا يحضرون عرضهم الأول، خوفًا من الأخطاء التي لا حيلة لهم بتلافيها.

ما الذي يفعله الممثل أثناء البروفات المضنية قبل العرض؟

أولًا: يحقق الرؤية الفنية للمخرج وللنص.

ثانيًا: يقوم بالتدريبات المضنية على مركب الشخصية الداخلي والخارجي.

ثالثا: يحقق اللغة الفنية للمخرج والعرض، من خلال الانضباط الصارم بالميزانسين ونقاط تواجده، ضمن التكوين المشهدي الشكلاني في التعبير الجمالي.

رابعًا: يلتزم بدقة احترافية، في التعبير عن سلوك وتصرفات الشخصية التي يقوم بتجسيدها.

خامسًا: يضبط الإيقاع الفني للعمل، من خلال الميزانسين وتغيرات المسار السلوكي للشخصية.

الممثل قيمة تعبيرية كالنص الأدبي الفني المسرحي، ليس خارج الانضباط الواعي للهدف العام للرؤيا الفنية، فهو سيد هذا التعبير والمسؤول الأخير عن عرضه الفني.

والممثل قيمة أخلاقية بتراكم خبرة الحياة والاحتراف التكنيكي الجسدي، وثقافة مركبة للحياة المصفاة، داخل إطار التعبير من خلال (خشبة المسرح)، لذلك يرتبط تعليم الممثل في الأكاديميات الفنية، بتعلم الفكر النظري التربوي مع الاحتراف الفني لحرفة التمثيل.

في السينما، تتغير أدوات الممثل، ليجسد الشخصية وإنتاج الحالة المفترضة للتعبير الخاص من خلاله، والتعبير العام من خلال أدوات السينما (مونتاج، ومثرات) لا حصر لها.

إن كثيرًا من جهد الممثل في التعبير، من خلال أدواته الطبيعية من الجسد والانتقال من حالة لحالة، يستعاد فيه السينما من خلال عرض ما تريد عرضه للمشهد، كاللقطات التفصيلية، حيث تستطيع السينما أن تظهر العينين أو الدمعة أو الارتجافات، بتواتر متصل من خلال العرض، بينما تكون منفصلة أثناء التصوير، فيتم إعادة بناء إنتاج المشاعر على طوالة المونتاج، كما يريد المخرج.

من هنا يصبح الممثل أداة تعبير، لا تجعله سيد العرض، بل تصبح السيادة للمخرج. لذلك هناك فارق كبير، بين أدوات الممثل في المسرح، وهي أدوات متكاملة صوتًا وصورة، وبين أدواته في السينما، للوصول إلى النتيجة ذاتها، الإقناع والإدهاش.

الممثل قيمة ثقافية في علم التمثيل، وقيمة معرفية في جميع متفرقات الحياة، والفنون الأخرى. في فن الممثل مدرستان رئيسيتان: مدرسة المشاعر التي تنتج الفعل، وتتبناها مدرسة قسطنطين ستانسلافسكي المنظر والمخرج الروسي، ومدرسة الفعل الذي ينتج المشاعر، مدرسة الروسيان أيضًا، ميخائيل تشيخوف وفيسفولد ميرخولد.

لكن المحصلة واحدة، وإن كانت الأدوات مختلفة، ولذلك قالت سونيا مور: إن التمثيل واحد، كنتيجة تعبير واحدة في إقناع المتلقي وإدهاشه.

سميت مدرسة مير خولد بالبيوميكانيك الممثل، أي التزامن التكنيكي الروحي للممثل، فاستعار طرائق مختلفة لتدريب جسد الممثل بيولوجيًا: التنفس، الحركة، الرقص، حيث أعطى لكل عضو من أعضاء الجسد قيمة تعبيرية، تعطي للمتلقي إشارة وتحدث أثرًا شعوريًا خاصًا. وقد استعار –أيضًا- مفهوم الارتجال وضبط بيولوجية الجسد المتعددة، لخلق منظومة الشعور العابرة لحس المتلقي.

بينما مدرسة ميخائيل تشخوف كانت تتكئ على الفعل المسرحي الذي بدوره ينتج المشاعر، من حزن وفرح، وغضب وغيرها من المشاعر المختلفة، من خلال الفعل وحده، دون التركيز على منظومة المشاعر الداخلية للممثل، ومن ثم بثها كأحاسيس للمشاهد، وكأن هذه المشاعر ينتجها المتلقي أكثر من الممثل ذاته، أي أن الفعل عنده هو المنظومة الحيوية للأداء.

إن ممثل السينما هو أقرب إلى مدرسة ميخائيل تشخوف أكثر من غيره، لكن النتيجة هي إنتاج المشاعر للمتلقي الذي أكد عليها ستنسلافسكي في تدريب الممثل، صاحب المدرسة الأولى للمشاعر الداخلية للممثل.




المصدر