بهجت سليمان: “شرعية الحكومة اللبنانية من (…) الجندي السوري”


حافظ قرقوط

ليس مستبعدًا، عندما يجتاز الإرهابيون التابعون لميليشيا “حزب الله” الحدودَ اللبنانية السورية، لقتل الشعب السوري دون أي اعتراض من مؤسسات الدولة اللبنانية، أن يقومَ وزراء في حكومة سعد الحريري بزيارة نظام الأسد، كما ليس مستغربًا أن يبرر الأخير أن الزيارة “قرار شخصي للوزير”.

أكّد وزير الصناعة اللبناني حسين الحاج حسن التابع لميليشيا “حزب الله” أن الحريري لم يعترض على مشاركة لبنان رسميًا بوفد كبير من الوزارة، في دورة هذا العام من معرض دمشق الدولي، وقال الحاج حسن، يوم أول أمس الثلاثاء: “سنزور دمشق، يوم الأربعاء، ونبحث ملفات عودة الترانزيت بين البلدين، ودور لبنان في إعادة إعمار ​سورية، وسنلتقي كبار المسؤولين”، بحسب موقع (جنوبية).

ينقل موقع (جنوبية) أيضًا عن ضابط الأمن السوري، وسفير نظام الأسد السابق في الأردن، بهجت سليمان قوله: “هل هناك إلا أعمى البصر والبصيرة، مَن لا يرى أن شرعية الحكومة اللبنانية -في حال وجودها- مستمدةٌ من حذاء الجندي السوري، ومقاتلي (حزب الله)”، ويضيف سليمان: “هل هناك إلا المغفلون والمأجورون من لا يرون أن حذاء الجندي السوري ومقاتلي (حزب الله) قد صنعوا معادلات عالمية جيوسياسية جديدة”.

تعددت الردود الفردية لبعض المواطنين اللبنانيين، على صفحاتهم في (فيسبوك)، على إهانة سليمان للدولة اللبنانية، وقد يختصر بعضها ما كتبه الإعلامي نديم قطيش قائلًا، باللهجة الدارجة: “مش هيدا هوّ (الحذاء) اللي كتب بالسفير يومًا باعتباره أحد مفكري ومثقفي سورية الأسد”.

بالمقابل؛ صمت لبنان الرسمي -برئاسته وحكومته وبرلمانه- عن ذلك، واستعد بعض وزرائه إلى زيارة نظام الأسد، وعلق الإعلامي علي الأمين على الحدث بقوله: “ومع ذلك الوزراء يريدون الذهاب”، فيما وضعت بعض المواقع الإلكترونية اللبنانية الخبرَ تحت إشارات أو توصيفات مختلفة، أتت من صلب الحالة منها عبارة “ربط السفير السوري السابق في عمّان، بهجت سليمان، بين شرعية الحكومة اللبنانية وبين أحذية عناصر (حزب الله) وقوات النظام السوري”. الموضوع “برسم الحكومة اللبنانية”.

يتساءل المواطن اللبناني أسامة وهبي، على صفحته: “هلق لمن بيسمع الوزير حسين الحاج حسن والوزير غازي زعيتر حديث بهجت سليمان… ما بحسّوا إنو كرامتن انهانت نوسة”، ويتابع وهبي: “إنو مصرّين يزوروا سورية بصفة رسمية كوزيرين في حكومة شرعيتها بنظر النظام السوري مستمدة من حذاء الجندي السوري، والنظام السوري مصرّ يبهدلن ويبهدل الحكومة اللي جايين يمثلوها”، وحول هذا المستوى من الخطاب علق الناشط السوري هافال بوظو بقوله: “بس لو افهم حالة العشق يلي يكنها المؤيدين والشبيحة للصرامي والكنادر”.

تلك “البذاءات” التي أطلقها سليمان ليست دليلًا على ما عاناه الشعب السوري من طغمة حكمت هذه البلاد، بعقلية تصيغ ملامح المجتمع، من خلال أمراضها الداخلية؛ فانتشرت روائحها “النتنة” في كل اتجاه بما فيه لبنان. الأسلوب له دلالات أبعد بكثير من ذلك، فالأمن السوري الذي تطاول على المواطن اللبناني، أثناء احتلال جيش الأسد للبنان، ونهب البيوت والمنشآت، وصدر حالة الرعب والترهيب، هو ذاته مارس تلك المهمات في سورية، ليكمل المشوار بارتكاب المجازر والجرائم المختلفة، وهو من اختصره رجل الأمن بهجت سليمان بتلك اللهجة.

عندما قامت الثورة السورية لتخليص الشرق من هذا البلاء؛ رجح السوريون الثائرون أن كل لبناني هو جدار صلب يحمي ظهرهم، فما عاناه لبنان من الجور والظلم لا يقل أبدًا عن معاناة السوريين. ليست الدهشة من تعبير “النأي بالنفس” الذي اعتمدته الحكومة اللبنانية أو بعض السياسيين، فهذه حالة يمكن تفهمها بالنسبة إلى بلد صغير، إنما هي -كما أثبتت الأحداث- من أن لبنان لم يكن صادقًا في سياسة “النأي بالنفس”، فقد كان شريكًا رسميًا في قتل السوريين، وملاحقتهم، والتضييق عليهم، وآيةُ ذلك ما جرى في مخيمات عرسال، تحت ذريعة (عشرات من جبهة النصرة)، حيث تمت معاقبة عشرات آلاف اللاجئين الذين لا حول لهم ولا قوة. ليست هذه الجرائم صورةً لحظية لما آلت إليه حال الحكومة اللبنانية من اضمحلال، أمام تمدد وسطوة ميليشيا (حزب الله) ومخططات إيران للمنطقة، بل هي مؤشر على دخول لبنان في حقبة تلاشي كيان الدولة.

إن إرهاب نظام الأسد وميليشيات إيران، في سورية ولبنان، ليس أقل خطورة من ممارسات (داعش) أو (النصرة) وسعيهما لتحطيم الدول وتحللها لصالح مشروعهما المأجور، ومن هنا تأتي عمليات التكامل وتبادل المصالح في هذه المشاريع التحطيمية التي من المرجح أن خلفياتها واحدة، ولكون الحكومات تعتبر من السيادة الوطنية للدول، عمد هؤلاء إلى هدم الدولة السورية لتبقى مجرد عصابات تدير آلة القتل والنهب، وهو ما يسعون لإنجازه في لبنان أيضًا، وكلام سليمان عن ذلك ليس عبثيًا، ومن المرجح أنه جاء في سياق مخطط، له خلفياته وارتباطاته ضمن سياسة متكاملة لإنهاء معالم الدولة اللبنانية بشكل نهائي، لصالح ميليشيات القتل كما جرى في سورية.




المصدر