فزغلياد: يعود الفضل في نجاحات الجيش العربي السوري إلى المستشارين الروس


سمير رمان

الصورة: Zohra Bensemra/Reuters

تمكَّن الجيش السوري والقوات الرديفة، بدعمٍ من القوات الجوية والفضائية الروسيّة، من تحرير مدينة السّخنة بشكل كامل؛ ليفتح بذلك إمكانية فك الحصار الذي يفرضه “تنظيم الدولة الإسلاميّة” منذ ثلاث سنوات، عن مدينة دير الزور التي تدافع عنها الحامية المحاصرة هناك. من حيث المبدأ، لم تعدْ نهاية التنظيم المخزية بعيدةَ المنال. من الضروري تقديم احترام خاص للمستشارين الروس الشرفاء الذين نجحوا في إعادة بناء “الجيش العربي السوري”.

“نتيجة التعاون المشترك بين القوات الجويَّة والفضائية الروسية والقوات السورية؛ تمكَّنت وحدات القوّات المسلّحة الحكوميّة والميليشيات الرديفة من تحرير مدينة السُّخنة، الواقعة شرق محافظة حمص من مقاتلي (تنظيم الدولة الإسلاميّة)”. جاء في بيان صادرٍ عن وزارة الدفاع الروسيّة أن العمليّة جرت على عدَّة مراحل: لغاية 10 آب، استولى الجيش السوري على المرتفعات الاستراتيجية القريبة، وأطبق الحصار على المدينة، وفي ليلة 13 من الشهر ذاته، تمكَّن من طرد مقاتلي التنظيم من الأحياء الغربيّة والشماليّة من المدينة.

واليوم، تمّ تطهير المدينة، وأصبح الطريق باتجاه الشرق ومدينة دير الزور مفتوحًا من الناحية النظريّة، إلا انَّه ما زال يلزم بعض الوقت لنزع الألغام من المدينة وأطرافها، وكذلك لتأمين منطقة خاليةٍ من مقاتلي التنظيم حولها؛ لمنعه من شنِّ هجماتٍ على خطوط الإمداد في مؤخِّرة القوات.

تكبَّدت القوات الحكوميّة خسائر لا يستهان بها، من جرّاء هجماتٍ شنَّها مقاتلو التنظيم، بيد أن وضع الجهاديين، في مناطق شرق محافظة حمص في المنطقة الوسطى، ليس سارًا بالنسبة إليهم. إن إنقاذهم أصبح يحتاج إلى معجزة.

بالطبع، لن يكون الطريق إلى دير الزور نزهةً سهلة، ولكنّ مقاومة الجهاديين تضعف كلّ يوم، ولم يتبقّ عمليًا أي موقع دفاعي مهم للتنظيم، يعيق تقدّم الجيش السوريّ.

سبق لوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو أن وصف مدينة دير الزور التي يحاصرها تنظيم “الدولة الإسلاميَّة”، بالنقطة المهمة للغاية على الخارطة السوريّة، وسيصبح تحريرها عاملًا حاسمًا في الحرب على التنظيم، كما أكَّد الوزير الروسي أنّ “نجاحات الجيش السورية مهمة بالفعل”.

في نهاية تموز، تحدّث ضباط في هيئة الأركان العامَّة عن سيطرة الجيش السوري على 74.2 ألف كم، بينما كانت المساحة التي يسيطر عليها في بداية العملية الروسية في سورية، نحو 19 ألف كم لا غير. وللوقوف على الوضع نقول، باستثناء الجيش السوري، وحدَهم الأكراد، تمكَّنوا من زيادة مساحة المناطق التي يسيطرون عليها بـ 340 كم مربّع، أمَّا الجهاديّون “السود” فقد خسروا، خلال الشهرين الماضيين فقط، قرابة 4336 كم مربع من الأراضي، كما فقدت المعارضة “المعتدلة” (في غالب الأحيان طواعية) نحو 2784 كم مربع.

كان الحديث عن التقدّم باتجاه دير الزور يدور على مدى العامين السابقين، ولكنَّ تنظيم الهجوم على هذا الاتجَّاه كان يفشل مرّةً تلو الأُخرى، وبالمناسبة تعود الإخفاقات إلى أسبابٍ ذاتيَّة. بعد تحرير مدينة تدمر في المرّة الأولى، اتخذت الأركان السوريّة قرارها لصالح التوجّه إلى حلب، مع الإشارة إلى أنَّ صحّة هذا القرار لم تكن واضحةً حينذاك. في ذلك الوقت، توجَّهت أفضل الوحدات إلى الشمال، وتُركت مدينة تدمر لمصيرها. في الوقت نفسه، قامت وحدات الجيش السوري بتنفيذ ما يشبه “عملية انتحارية”، وفوق ذلك سيئة التحضير، بتوجهها عبر الصحراء، إمَّا باتجاه دير الزور وإمَّا باتجاه الرقّة. وفي منتصف الطريق تقريبًا، تبيَّن فشل العمليّة، وإثر ذلك استطاع الجهاديون استعادة سيطرتهم على مدينة تدمر، من قوات الجيش السوري الذي كان وقتها بحالة نفسية متدهورة.

ونتيجة هذه العمليّة الفاشلة، بقيت حامية دير الزور تحت الحصار لسنةٍ أُخرى، مستمرةً بالمحافظة على أجزاءٍ من المدينة بأعجوبة. كانت الإمدادات تصلها، إمَّا بواسطة طائرات الهيلوكبتر، من محافظة الحسكة الواقعة تحت سيطرة الأكراد، وإمَّا بواسطة طائرات النقل الروسية التي كانت تضطر إلى التحليق على ارتفاعاتٍ كبيرة؛ لتتمكَّن من إلقاء طرود الذخائر، الغذاء والأدوية بواسطة المظلات.

كانت قاعدة الدفاع الجوي 137 ومناطق قريبة من المطار العسكري في قبضة مقاتلي “تنظيم الدولة الإسلاميّة” الذين كانوا يشنون هجماتٍ مستمرة على مواقع الجيش الحكومي. وعلى الرغم من التفوّق التكتيكي الواضح، لم يتمكَّن مقاتلو تنظيم الدولة من كسر دفاعات الحامية. أمَّا الآن، فباستطاعتنا القول إنهم، في القريب العاجل، لن يجدوا الوقت للتفكير بالهجوم.

بعد تطهير السُّخنة مباشرةً؛ بدأت تظهر قرائن تشير إلى استعداد القوات الحكوميّة للتحرّك شرقًا باتجاه دير الزور، وشمالًا باتجاه الرقّة مباشرةً. فالقوات الحكوميّة مستمرة بتقدمها، في التفافٍ حول معدان التي فرّت إليها مجموعات الجهاديين المشتتة من السخنة ومحيطها. لم تتّضح بعد الأهداف التكتيكيَّة لهذا الهجوم؛ فإذا كان الجيش السوري يخطط لتطويق معدان -كما فعل في السّخنة من قبل- فإنَّ العمليّة مشكوكٌ في نجاحها، لأنَّه سيكون بمقدور معظم مقاتلي “تنظيم الدولة الإسلامية” المتواجدين في المدينة مغادرتها، قبل أن تتمكن القوات المهاجمة حتى من نصب الرشاشات على أطرافها.

أما إذا كان هدف القوات السورية إجبار بقايا الجهاديين على الخروج من معدان، عبر الصحراء باتجاه دير الزور؛ فيمكن عندها أن يكون للعملية آفاق جيدة. خاصة أنّ القوات الحكومية قد تمكنت أخيرًا من استيعاب التكتيكات التي اقترحها المستشارون الروس قبل عامين، قبل الهجوم الأوَّل على مدينة تدمر. والآن، تجري عمليات إنزال جوي بطائرات الهيلوكبتر، خلف خطوط الخصم (خاصة على اتجاه الرقة)، بهدف التمركز في النقاط المحوريّة في الصحراء، وعلى الطرقات.

للموضوعية، يجب أن نشير إلى أن القوات الحكومية لم تكن قبل عامين تمتلك طائرات الهيلوكبتر، ولم يكن لديها قوات إنزالٍ عسكريةٍ مدرَّبة، وإن ما نشهده الآن هو نتيجة مباشرة لعملية تدريبٍ ناجحةٍ قام بها المستشارون الروس الذين استطاعوا تحويل الفصائل الدينية- العشائريَّة إلى قوات إنزال خاصة معدة تمامًا.

كما ظهر جليًا نجاح تكتيك القضاء على جيوب المقاومة المعزولة. هذا التكتيك استوعبته القوات الحكوميّة منذ الصيف الماضي تقريبًا. والمثال الأوضح حاليًّا: الغوطة الشرقيَّة، حيث يلوَّح للمقاتلين بالعصا والجزرة؛ فالأحياء التي وافقت على نظام “خفض التصعيد” حصلت على المواد الغذائية وسواها، وكذلك على حقّ إدارة شؤونها ذاتيًا (ولو بشكلٍ جزئيّ)، فلم يعد يدخلها لا عناصر الشبّيحة ولا عناصر المخابرات، بينما تتولى الشرطة العسكريّة الروسيّة مهمات حفظ الأمن فيها.

أمَّا حيّ جوبر الذي رفض المقاتلون المتواجدون فيه إلقاء السلاح؛ فأموره تزداد سوءًا. في البداية، كانت القوات الحكوميّة تهاجمه، على مبدأ الأرض المحروقة، على غرار الهجوم الفاشل عام 2015 الذي لجأت خلاله إلى استخدام القصف المدفعي والجويّ المركَّز. أصبح الحي مدمرًا بالكامل، ويتم تقدم القوات الحكومية ببطءٍ شديد، عبر ركام كتل الأبنية البيتونية. ولكن ما من أحدٍ يريد وقف تدمير حي جوبر، انطلاقًا من تصوّراتٍ عقائدية، وعلى الرغم من أنها عملية عقيمة، فهي تشغل قواتٍ ضخمة كان بالإمكان استخدامها في قطاعاتٍ مكشوفة على جبهاتٍ أُخرى، في شمال حماة وحول إدلب، على سبيل المثال، حيث تجمّدت الأمور هناك، بسبب نقص القوات. إضافةً إلى ذلك، مساحة جوبر المدمّرة (خطّ الجبهة المفترض) يفوق بكثير المعايير بالنسبة إلى القوات الحكوميّة المتواجدة في المكان.

تحتاج المخططات التي يتمّ التفكير بها حاليًّا إلى الكثير من القوات وهي غير متوفرةٍ حتى الآن. وعلى الرغم، من تفرّغ الكثير من القوات الحكومية بعد “التجميد” السهل للوضع في درعا، فقد تمكَّن “حزب الله” -بأعجوبةٍ ما- من إقناع “النصرة” المحليّة من “حجز مقاعد لهم على الحافلات المتوجّهة إلى إدلب”.

بالإضافة إلى ذلك، وبعد تراجع الاهتمام الأميركي بمنطقة التنف؛ تفرّقت فصائل المعارضة المحليّة “المعتدلة ” جزئيًّا، في حين رفع جزءٌ منها الراية السوداء. في هذه الأثناء، قامت القوات الحكومية والفرس بتنظيف كامل الحدود السورية الأردنيّة، تقريبًا.

ويبقى أكثر المناطق جدلًا المنطقة الواقعة بين الرقَّة والأكراد. وكما كان متوقَّعًا، فقد تبيَّن أنّ الادعاءات التي كانت تطلقها المعارضة المدعومة من أميركا، من يومٍ لآخر، حول عزمها على استرجاع المدينة، لم تكن سوى جزءٍ من الحرب الإعلاميَّة. ومع ذلك، يستمر البنتاغون بدفع الأكراد إلى السيطرة على أكبر مساحةٍ ممكنة من الأراضي الزراعية من محافظة الرقَّة، وحتى التحرُّك باتجاه دير الزور. حتى إنّ الأميركيين مستعدّون لتعزيز تواجدهم (إلى مستوى فرقة مدفعيّة) في هذه المنطقة (كما في الشدادي). ومن الممكن جدًّا، أنْ نرى قريبًا (في النصف الثاني من شهر آب – أيلول) محاولةً أو اثنتين لدفع خطوط المواجهة إلى هذا الاتجَّاه بالذات.

وبالعودة إلى دير الزور، فإنّ الأركان السورية أبدت تردّدًا، في وقتٍ غير مناسب البتّة، على الرغم ممّا قاله سيرغي لافروف، بخصوص الهدف الرئيس في المرحلة المقبلة. في دمشق، يرسمون بإمعانٍ الخارطة التي يُفهم منها بسهولةٍ فكرة التقدّم منها، وعبر أقصر طريقٍ، شمالًا للالتقاء بمجموعة القوات الحكوميّة جنوب الرقة، وهذا الالتقاء سيؤدي إلى تشكيل طوقٍ كبير، تتواجد في مركزه مجموعة ضخمة من مقاتلي “تنظيم الدولة الإسلاميّة” التي كانت تشكِّل احتياطي الجهاديين قرب تدمر، وحتى قرب دير الزور.

أقصر مسافة 40 كم (على قطّاعٍ آخر -41 كم بامتداد -53 كم). نظريًا، يمكن تنظيم هجومٍ على دير الزور، في غضون شهرٍ أو اثنين، والوصول بشكلٍ نهائيٍّ إلى الخاتمة الحزينة لوجود الفيروس البشري المسمَّى “الدولة الإسلاميَّة في العراق والشام”، بحلول عام 2018.

اسم المقالة الأصليّة Своими успехами сирийская армия обязана российским советникам كاتب المقالة يفغيني كروتيكوف مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد. 14 آب 2017 رابط المقالة https://www.vz.ru/world/2017/8/14/882686.html

ترجمة سمير رمان

 




المصدر