رثاء إلكتروني لأيقونة الثورة السلمية فدوى سليمان
18 آب (أغسطس - أوت)، 2017
غسان ناصر
حزن عارم ترافق مع غضب شديد اجتاح، صباحَ يوم أمس الخميس، الفضاءَ الأزرق، بعد أن نعى السوريون الأحرار الناشطة السلمية الفنانة والشاعرة الثائرة الشابة فدوى سليمان (1970 – 2017) التي رحلت صباح الخميس (17 الجاري) في باريس، بعد عناء طويل مع مرض السرطان.
“ليسَ نعشًا هذا الذي فوق كفّك، يا رفيق
ولكن، جسد صنوبرةٍ صبية
أتعبتها الريح فاتكأت،
وكانت يداكَ سريرًا لأنفاسِها
فارفق بهمستِها الأخيرة
واتبع خفقةَ القلبِ لا نداءَ المقبرة”.
بهذا المقطع من قصيدة له، رثا الشاعر الجولاني ياسر خنجر أيقونة الثورة السورية اليتيمة، الشهيدة فدوى سليمان.
ونشر الفنان فارس الحلو نعيًا لفدوى في صفحته، كتب فيه: “الزميلة والصديقة والبطلة فدوى سليمان.. ننعى إليكم وفاة الفنانة السورية التي أجبرت العالم على رؤية الحقيقة، إثر مرض عضال”.
فيما كتب صاحب (زجاج مطحون) الكاتب والروائي السوري إسلام أبو شكير، على جدار صفحته: “ترحل فدوى سليمان في منفاها.. ويبقى بشار الأسد مغتصبًا وسفاحًا.. الحياة مهزلة أكثر منها مأساة”.
وكتب صاحب (المدفن السوري واحد) الشاعر محمد علاء الدين عبد المولى، المقيم في برلين: “منذ يومين بالضبط، قالت لي صديقتي: إن فدوى سليمان معها سرطان. ولكنها ربما شفيت؛ فتفاءلتُ بذلك.. ولكن اليوم شفيت فدوى من سرطان هذا العالم. وداعًا يا وردة الموت السورية”.
فيما اكتفى صاحب (عين الشرق) الكاتب والروائي إبراهيم الجبين، بالقول: “أكرِموا الشهداء والراحلين بتحقيق أحلامهم ببلاد مزهرة خضراء جنة للناس على الأرض للأحياء وللآتين في المستقبل”. وكذلك اكتفى صاحب (قارب إلى لسبوس– مرثية بنات نعش) الشاعر نوري الجراح، بالقول: “فدوى سليمان: كان لقاء يتيمًا بيننا. ستظلين حية في ذاكرة شعبك المكافح لأجل الحرية”. ناشرًا صورة له مع الشهيدة الأيقونة.
وكتب الشاعر التونسي المنصف الوهايبي، على جدار صفحته: “الراحلة فدوى سليمان. كانت معنا في مهرجان سيت بفرنسا، منذ ثلاثة أسابيع. كان حضورها متميزًا، وكانت لطيفة جدًا ودمثة. لروحها السلام.. ولسورية التي ناضلت من أجلها السلام”.
بدوره كتب المفكر الفلسطيني السوري أحمد برقاوي: “فدوى سليمان تلك المرأة الراية، وجه سورية المشرق الذي طل من الساحات، ذلك الصوت الذي خرج من أعمق الأعماق يهتف للحرية، الضمير الذي صرخ في وجه الطغاة دون وجل، القلب الذي أحب الوطن كريمًا بلا حدود، التراجيديا التي وحدت سيرتها بسيرة الرحلة إلى الانعتاق، ترحل بصمت كمعزوفة وصلت نغمتها الأخيرة. رحلت إلى ذاكرة الوطن التي لا تشيخ”.
امرأة متمردة ظلمتها الطائفية..
المترجم والقاص عدي الزعبي كتب: “صبّ النظام غضبه على فدوى سليمان، متهمًا إياها بأسوأ الاتهامات وأكثرها انحطاطًا: اتهموها في عرضها وشرفها، واستخدموا عائلتها للضغط عليها، قاطعها الأهل والجيران والمعارف من الطائفة العلوية، وهاجموها بحدة وشراسة لا مثيل لهما. لم يمض وقت طويل قبل أن يشهّر بها الطائفيون السنّة، ليتهموها بشرفها، وبأنها علوية عميلة للنظام، جاسوسة أرسلتها المخابرات لاختراق الثورة.. تموت فدوى وحيدة، فيما عائلتها، على الأغلب، تتخبّط بين مشاعر حزن على الفتاة التي هجرتهم وهجروها قبل سنوات، وبين غضب لا يهدأ ممن شقت عصا الطاعة على طائفة نجح النظام في تجنيدها خلفه. وحيدة فيما الثورة جنحت إلى طائفية فاقعة لا تشبه المرأة المتمردة، ولا تريدها. ربما هدّها الظلم المستشري على الطرفين أكثر مما يستطيع أي مرض أن يؤذي الإنسان. يبدو لي أن ما بعد الموت سيكون أقل قسوة على روحها، وأكثر عدلًا على الأقل. لن يعاديها الطرفان اللذان كانوا أهلها، الطرفان اللذان عملت لهم ومعهم بصدق وسذاجة ومحبة. بعد الموت، لا يوجد إلا طرف واحد، يجمع الطرفين، وفدوى، في أبدية لا علم لنا بما تحمله، ولكننا نعلم أنها تجمع التناقضات في جوفها، ليتفكّروا طويلًا في ما فعلوه، قبل وصول يد الموت إليهم..”.
وقال الكاتب جورج كدر: “لن تكفيك دموعنا أيتها الغالية.. بصمت صارعتِ المرض.. بصمت رحلتِ.. وأنت التي ظل صوتك مدويًا نابضًا بالحياة. فدوى سليمان، يا عروس ثورة الكرامة والحرية.. لروحك السمو.. كل الجميلين يرحلون باكرًا”.
فيما كتبت الإعلامية ديمة سعد الله ونوس، صاحبة (الخائفون): “فدوى النبيلة رحلت بصمت، وحيدة.. لم تصرخ، ولم تبك، ولم تشأ أن يكون مرضها قصة في قلب القصص التي يعيشها السوريون في الداخل.. فدوى التي وقفت وصرخت من حمص، وصوتها كان يصدح شجاعًا قويًا لا يمكن لأي خوف أن يسكته، وصلت إلى باريس هشة، رقيقة، قلقة.. النظام قتلها خارج وطنها..”.
فيما قال المخرج السينمائي زياد كلثوم من منفاه الألماني: “الجميلة التي هزت أرض حمص بصوتها الشجاع.. فدوى سليمان لروحك السلام”.
في سجل الخلود..
تنتمي الشهيدة الثائرة فدوى سليمان التي انضمت للثورة السورية، منذ أيامها الأولى، إلى الطائفة العلوية، وهي من مواليد عام 1970، وقد كانت واحدة من رموز ثورة السوريين في فترتها السلمية، تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وشاركت في العديد من الأعمال التمثيلية.
كتبت نصًا مسرحيًا بعنوان (العبور) تمت ترجمته إلى الفرنسية، وطبع في دار “لانسمان” الفرنسية عام 2012.
وفي التلفزيون لها مجموعة من المسلسلات منها: (الشقيقات)، (آخر أوراق العيد)، (هوى بحري)، (الطويبي)، (الحصاد)، (أنشودة المطر)، (نساء صغيرات)، (رمح النار)، وغيرها من الأعمال الدرامية السورية.
وفي السينما، شاركت الراحلة في فيلم (نسيم الروح) للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد.
كما كتبت فدوى ديوان شعر بعنوان (كلما بلغ القمر)، وتم نشره من قبل دار “الغاوون” بالعربية عام 2013، وترجمه إلى لغة “موليير” الشاعر والمسرحي اللبناني نبيل الأظن، وقامت بنشره دار “سوبراي” الفرنسية في 2014.
شاركت فدوى في العديد من المهرجانات الدولية والعالمية المسرحية كمهرجان “أفنيون” ومهرجان “ليموج” في فرنسا بمسرحية (العبور)، ومهرجان “ربيع الشعراء” في باريس عام 2013، ومهرجان “أصوات حية” في مدينة “سيت” الفرنسية، الشهر الماضي.
خرجت فدوى سليمان في تظاهرات دمشق الأولى، وألهبت الجماهير بهتافاتها زمنَ الثورة السلمية: “واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد”، ولم تتراجع رغم كل التهديدات والتخويف الذي بدأ النظام يروج له عن الطائفية، والتطرف والإرهاب. كما كانت حاضرة في بيوت العزاء السورية في دوما وبرزة والقابون. وزاد من مكانتها شعبيًا أن تصدرت العديد من التظاهرات في عدد من المدن السورية، أشهرها تلك التي كانت في مدينة حمص، برفقة الناشط عبد الباسط الساروت.
فدوى سليمان، السَّلام لروحكَ، والخلاص لسورية التي تشبهك.
[sociallocker] [/sociallocker]