فدوى سليمان


غسان الجباعي

كتبت المخرجة السينمائية هالة العبد الله على صفحتها، ساخرة: “احترمْ رهبة الموت، أيها الصحفي المحشو نبلًا وإحساسًا، أنت يا من كتبت مقالك اللئيم عن فدوى سليمان، وجثمانها لم ينزل تحت التراب بعد، لماذا لم توقعه باسمك حتى نذكرك بمقالك المُشرِّف هذا، عندما تموت؟”. الحديث يدور حول مقال نُشر في صحيفة (الأخبار) الإلكترونية، لكاتب لم يذكر اسمه، نعى فيه الفنانة الثائرة فدوى سليمان، معتبرًا أن شهرتها جاءت ليس بسبب موهبتها الفنية، بل بسبب موقفها السياسي وتصدرها للمظاهرات في دمشق وحمص!

هذه حقيقة مليئة بالخبث والافتراء؛ فالسيد الكاتب المثقف الغُفل، المحتفل بالموت! يعلم جيدًا أن فدوى واحدة من مئات الفنانات والفنانين السوريين الموهوبين الذين هُمشوا لصالح أشباه الفنانين والمثقفين الذين احتلوا مبنى التلفزيون وطوقوه بمشارطهم “الإبداعية”، كما احتلوا وطوقوا مؤسسة السينما ومديرية المسارح واتحاد الكتاب والمعهد العالي للفنون المسرحية، وغيرها من المؤسسات والنقابات الفنية والثقافية في سورية. تلك الدمى المتحركة بخيوط لم تعد خفية على أحد، وأولئك المقعدون الجالسون على كراسي الاستبداد المتحركة، الذين لا يتحركون إلا بأمر منه، وحسب أهدافه وإرادته!

لقد نشأ التشبيح، منذ حركة تشرين التصحيحية عام 1970، وتم تقسيم المجتمع السوري، عندما قرر نظام الفساد تقريب الموالين له، كائنًا من كانوا، وإبعاد المعارضين، حتى المستقلين، أينما وجدوا، وفي جميع مجالات الحياة، ولا سيّما مجالي الثقافة والفن. فقد عوم نجومًا مزيفة لا بريق لها، وأطفأ شعلة من كان قادرًا على حمل مشعل الفن والثقافة الوطنية الأصيلة. فدوى سليمان كانت واحدة من هؤلاء، تمتلك موهبة حقيقية، ويشهد على ذلك زملاؤها في المعهد العالي العالي للفنون المسرحية، ومن عمل معها، سواء في المسرح أو التلفزيون أو السينما أو “الدوبلاج” الذي كان ملاذها الأخير، كي تتمكن من كسب عيشها، بعد أن تمت محاصرتها -كما الكثيرين غيرها- من قبل الوسط الفني والأمني المريب والمعيب الذي لا يقبل سوى المرتزقين، والنكرات من الكتّاب والنقّاد الذين يقيّمون الفنان، حسب ولائه أو معارضته للنظام، تمامًا كما تفعل أجهزة الأمن ومخبروها الصغار من المثقفين والفنانين.

فطن النظام السوري -وبخاصة في العقود الأخيرة- إلى أمر لم يفطن إليه أحد سوى سدنة “هوليوود” الذين كانت لهم الريادة في اختراع فن الدعاية وصناعة النجم السينمائي. وكان الهدف الأساس اقتصاديًا واستثماريًا لصالح “شباك التذاكر”، حيث يتم من خلاله الحصول على أكبر قدر ممكن من الربح، فالتقط النظام السوري هذه الظاهرة، وقرر الاستثمار فيها سياسيًا وإعلاميًا، ناهيك عن الاستثمار المادي. والمطلوب من هذا النجم المصنوع الذي أصبح مشهورًا حتى على المستوى العربي، أن يكون بوقًا للدعاية التي يروجها النظام؛ فيخرج في المناسبات الوطنية والقومية التي يقيمها، ويظهر على وسائل إعلامه وسرادق مهرجاناته القومية، للردح والمدح بالقائد وعظمته وأهمية نظامه الوطني والتقدمي المعادي للإمبريالية والصهيونية، ويشارك في الاحتفالات والأعمال المسرحية والتلفزيونية والشعبية التي تشيد بسورية الأسد وبالمقاومة الفلسطينية واللبنانية…

لم تكن فدوى صالحةً لهذا الدور، لم تكن قادرة على تأجير صوتها أو جسدها والوقوف مع الظلم والفساد والتفاهة. ومثلها مثل المئات من الفنانات والفنانين الأحرار، وقفت مع الحرية، وضحّت بكل شيء من أجل ثورة شعبها.




المصدر