ماذا بعد داعش؟


muhammed bitar

يقف تنظيم الدولة الإسلامية اليوم على حافة هزيمة مزدوجة؛ ذلك أن أكبر المدن الخاضعة لسيطرته – الموصل- قد أفلتت من قبضته بصورة كاملة تقريباً، بالإضافة إلى أن القوات التي يقودها الأكراد تتقدم باتجاه عاصمته الفعلية في مدينة الرقة. والآن يأتي الجزء الأصعب كما يقول المثل؛ فقد طرحت النكسات الإقليمية، التي تعرّض لها تنظيم الدولة، أسئلة جديدة فيما يخص المستقبل الأساسي للشرق الأوسط، وقد قامت الفورين بوليسي بجمع فريق من صنّاع السياسة والخبراء الإقليميين للإجابة عنها.
———————————-

لا يمكن للولايات المتحدة الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط
بقلم “إليوت أبرامز”

إن هزيمة تنظيم الدولة كـ “دولة” سيطرح سؤالين جادين أمام الولايات المتحدة؛ أولهما: من سيملأ المساحات التي تقودها الجماعة الجهادية؟ كما أن هناك جهوداً واضحة يبذلها التحالف الجديد بين إيران وحزب الله والشيعة من جهة وروسيا والميليشيات المسلحة من جهة أخرى للرد بـ: “نحن سنفعل”.
وهذا جواب ينبغي للولايات المتحدة رفضه؛ إذ أن تطوراً من هذا النوع من شأنه أن يعزز تحالفاً معادياً لأمريكا يهدد أمن الأردن وإسرائيل ويفسح المجال أمام إيران لتبقى القوة المهيمنة في معظم أجزاء المنطقة. كما أن رفض هذا التحدي بمجرد الكلام سيكون مهزلة، ولا بد من مقاومته على الأرض من خلال استخدام القوة من طرف تحالفٍ يجب على الولايات المتحدة تولّي مهمة إنشائه وقيادته.
ولا ينبغي لنا أن ننسى أن هذا الصراع قد قضى على أي احتمال للتوصّل إلى صيغة سهلة للم شعث البلاد من جديد، لكن على المدى المتوسط يستطيع المرء أن يتصور نقاشاً مع روسيا حول كيفية التوفيق بين مصالحنا ومصالحها مع التقليل من مستوى العنف إلى حد يسمح للعديد من اللاجئين بالعودة إلى الديار. إلا أن ذاك النقاش لن يحقق شيئاً ما لم تحظَ القوة الأمريكية بالاحترام الروسي وما لم يدرك الروس أن الحل الوسط ضروري للغاية.
وحتى في أفضل السيناريوهات، فإن تنظيم الدولة الإسلامية بالرغم من هزيمته وفقدانه السيطرة على “دولة ما”، قد يستمر على أنه مجموعة إرهابية. كما أن تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الجهادية لن تختفي من الوجود على أية حال. لذا، يكون السؤال الثاني كالتالي: كيف نستمر في الكفاح ضد الجهاديين من السنة الذين يواصلون التآمر على الولايات المتحدة؟ يجب أن يكون من الواضح أن سيطرة الشيعة على المنطقة سيسهم في تغذية وجود هذه المجموعات السنية ومساعدتهم في التجنيد في البلاد وفي غيرها من الأراضي السنية البعيدة. كما أن تصوّر الموافقة الأمريكية على ذلك أو تواطؤها في تحقيق تلك الهيمنة سيجعل من الولايات المتحدة هدفاً أكبر.

هذا وإن هزيمة تنظيم الدولة لن يوقف مشاركتنا في الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، بل قد يؤدي إلى زيادتها في الواقع.
وكل ذلك يؤدي إلى نتيجة غير مرغوب فيها، نتيجة لا يرحب فيها البيت الأبيض ولا العديد من الأمريكيين بكل تأكيد. وهي أن هزيمة تنظيم الدولة لن يوقف مشاركتنا في الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، بل قد يؤدي إلى زيادتها في الواقع. إذ لن يكون هناك تكرار لحروب العراق، من خلال وجود جيوش أمريكية كبيرة على الأرض، وإنما ستكون هناك حاجة إلى استمرار مطوّل لنوعٍ من الالتزام الذي نراه اليوم: ربما سيوجد 5 آلاف جندي في العراق وألف في سوريا ومن بين 1000 إلى 2000 في الأردن، بالإضافة إلى وجود المزيد في الأسطول السادس والقواعد في المنطقة التي نستطيع من خلالها ممارسة النفوذ والسلطة.
وطالما أن إيران تحاول السيطرة على المنطقة، وطالما أن الجماعات السنية الجهادية تستهدف الولايات المتحدة، فإن هزيمة تنظيم الدولة ستغيّر من حصة أمريكا في سياسة القوة في الشرق الأوسط، لكنها لن تقضي عليها.

————————–
الحرب بعد الحرب
بقلم “روبرت مالي”

بالنسبة لمعظم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لم تكن الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامي شغلهم الشاغل. وحتى مع إعلان الدول الغربية أن هذا الصراع له أولوية عالمية، إلا أن هذه الدول التي قد تودّدت إلى واشنطن بدرجة كبيرة وردّدت انزعاجها وانضمّت إلى تحالفها الدولي تجاهلت أخطاءها عمداً. ومنذ البداية تقريباً، كانت أنظار تلك الدول مثبّتة على الحروب التي ستلي الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
فبالنسبة لتركيا، كان الصراع ضد الأكراد هو ما يهمها فعلاً، وبالنسبة للأكراد كان الكفاح من أجل تحديد المصير له الأولوية. أما السعودية وإيران، فقد كان لصراعهما الإقليمي الأولوية: ذلك أنه داخل العالم العربي السني، كان يُنظَر إلى التنافس بين الدول الإسلامية إلى حد كبير (قطر وتركيا) والأقل درجة (مصر والإمارات العربية المتحدة) على أنه تنافس وجودي؛ أما بين العراقيين، فقد كان سباقاً طائفياً عرقياً لغنائم ما بعد الصراع. إذ لطالما كانت الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية غطاءً غير مكتمل للنزاعات والتناقضات الإقليمية. ومع تراجع دور تنظيم الدولة ، فإن هذا كله ستتم تعريته.
وعندما ينقشع الغبار، ستواجه واشنطن كفاح الشرق الأوسط مع شياطين معروفة. وستواجه كذلك معضلة مألوفة بالنسبة لها: إلى أي حد ستورّط نفسها؟ ذلك أن الحلفاء سيوجّهون لها النداءات لتقفز إلى المعركة، وهم يعلمون بميول واشنطن الحالية ويعلمون أنها ستلبيهم. بالإضافة إلى ذلك فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب منشغلة بمكافحة الإرهاب ومحاربة إيران، وما لا يقل أهمية عن ذلك، القيام بأي شيء لم يقم به الرئيس السابق باراك أوباما. وهذه هي الطريقة التي سيؤطّر بها حلفاء أمريكا أهدافهم المتلاحقة.
وهناك أدلة على ذلك بالفعل؛ إذ قدّمت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حربهما في اليمن كرد على طهران ومحاولتها في تقريب قطر منها، وذلك لمعارضة إيران ومكافحة الإرهاب. ويدافع الأكراد السوريون عن أنفسهم، الخائفون من أن تتخلص منهم واشنطن حالما تستنفد فائدتهم في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، يدافعون عن أنفسهم على أنهم حصون طويلة الأمد ضد النفوذ الإيراني والإسلام المستوحى من تركيا. بينما تصوّر أنقرة هؤلاء الأكراد أنفسهم على أنهم إرهابيون. كما تنكر مصر تعصبها العشوائي لجميع الإسلامويين في معركة مقدسة ضد الإرهاب.
وجميعهم يؤكد أن العلامة الخاصة بالنشاط الأمريكي الذي يتوقون إليه تتناقض مع تقاعس أوباما المزعوم والذي كانوا يرحبون به. إنهم يعرفون جمهورهم المستهدف، ويمارسون الألاعيب للوصول إليه.
ستنحاز إدارة ترامب إلى أحد الجانبين وستتّخذ زمام المبادرة، إلا أن ذلك سيكون رهاناً خاسراً
سوف تميل إدارة ترامب إلى أحد الجانبين وستخاطر، إلا أن ذلك سيكون رهاناً خاسراً. كما أن الوسيلة المثلى لضمان مصالح الولايات المتحدة في عالم ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية ليست في المشاركة في الصراعات التي لا تتمتع فيها أمريكا بالقوة المطلقة ولا حتى تعزيزها. فمن شأن ذلك أن يطلق العنان للفوضى العارمة والطائفية التي ولّدت هذه الجماعة الإرهابية والتي ما تزال الأخيرة تزدهر بها. بل إن الطريقة الأنسب تكون من خلال تهدئة الحروب بالوكالة والتوسط لاتفاقٍ سعودي قطري والضغط لوضع حد للحرب في اليمن والالتزام بموقف مدروس من الإسلام السياسي والتقليل من حدة التوتر بين السعودية وإيران، وبالتالي التخفيف من حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.
وليس هذا ما يريده حلفاء أمريكا الإقليميّون، غير أنهم إن كانوا تواقين بحق للقيادة، فمن الأفضل أن توجههم تلك القيادة بالاتجاه الذي تعتقد الولايات المتحدة أنه ينبغي لهم سلوكه بدلاً من وجهتهم التي ذهبوا فيها بعناد وتهور.

————————————
تنظيم الدولة الإسلامية سينجو
بقلم كول بونزيل

كيف ستؤثر خسائر تنظيم الدولة الإسلامية الإقليمية في مشهد الجهاد السني العابر للدول؟ يشير الكثيرون إلى أن ذلك قد يبشّر بتحول جذري: ربما سيكون الضرر الذي سيلحق بشعار تنظيم الدولة الإسلامية شديداً لدرجة يعيد فيها تنظيم القاعدة تأكيد نفسه على أنه زعيم الحركة الجهادية بلا منازع. أو ربما ستضع المجموعتان خلافاتهما جانباً وتسعيان لتحقيق نوع من التقارب بغية إبقاء شعلة الجهاد متقدة.
وقد تشكّلت هذه التنبؤات – من انتصار القاعدة أو الاندماج الجهادي- بصورة متكررة على امتداد العام الماضي في ضوء ما يبدو أنه انهيار نهائي لتنظيم الدولة الإسلامية. إلا أن أياً من بين هذين التنظيمين لم يبدأ بالتحرك، كما توجد هناك أسباب وراء بقائنا متشككين من كليهما.
وأول هذه التوقعات قائم على افتراض أن تنظيم القاعدة يتمتع بالقوة والمرونة ويسترشد باستراتيجية حكيمة تستند إلى التفوق على السكان وتخريب الصراعات الداخلية لمصالحه. لكن ما مدى دقة هذه الصورة بالضبط؟ من المؤكد أن التنظيم ما يزال يمارس بعض السيطرة على شبكة من التابعين له من شمال إفريقيا وحتى الهند، إلا أنه خسر مؤخراً أقوى أتباعه وأكثرهم نجاحاً؛ وهو جبهة النصرة (المعروفة حالياً بهيئة تحرير الشام)، والتي كانت تُعَد مثالاً على استراتيجية القلب والعقل.
وعندما قطعت جبهة النصرة علاقاتها مع المنظمة الأم في شهر يوليو/ تموز 2016، بدا الأمر بالنسبة للكثيرين على أنه حيلة. لكن في وقت لاحق اتّضح أن زعيم القاعدة “أيمن الظواهري” لم يُستَشر في الأمر ولم يوافق على ما حصل. وقد تلى ذلك خسارة تنظيم القاعدة، قبل ذلك بعامين، لأحد أتباعه السابقين في العراق “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق” الذي استمر في إعادة تسمية نفسه وإعلان خلافته، ولكن هذا كله لا ينمُّ على استراتيجية جيدة على المدى الطويل.
ومن ثم هناك القدرات الإرهابية المتراجعة لتنظيم القاعدة؛ إذ يصرّ الظواهري حتى اليوم في تصريحاته الكثيرة على أن مهاجمة الغرب ما تزال في قائمة أولوياته. لكن متى كانت آخر مرة نفّذ فيها تنظيم القاعدة هجوماً كبيراً في الغرب أو حتى أي شيء على نطاق الهجمات في مانشستر أو لندن؟ لقد كان ذلك منذ أعوام، وما يزال تنظيم الدولة الإسلامية هو الأقدر في هذا الصدد.
كما أن فكرة المصالحة الجهادية تستعصي على الفهم أكثر من فكرة انتصار القاعدة. ولا يمكن كذلك المبالغة في مستوى العدائية المتبادلة بين تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة؛ ذلك أن هاتين المجموعتين وأتباع كل منهما ينعش بعضهم بعضاً. لكن أتباع القاعدة يصفون أنصار تنظيم الدولة بـ “المتطرفين” و”الخوارج” و”التكفيريين”، بينما يطلق تنظيم الدولة في المقابل على المنتسبين للقاعدة اسم “يهود الجهاد” والموالين للقائد “الصوفي” لطالبان المنافقة. وهذا صدع لا يمكن تجاوزه، وقد يبدو حديث العهد لكنه في واقع الأمر متأصّل في الخلافات المذهبية والاستراتيجية في عالم الجهاد والتي تعود إلى عقود سلفت.
وخلاصة القول، سيظل الجهاد مقسماً، ومن شبه المؤكد أن تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان موجوداً بشكل أو بآخر منذ العام 2006، سيستمر. وكذلك الأمر بالنسبة للقاعدة؛ إذ لن يبتلع أحدهما الآخر ولن يقوما بإصلاحات أيضاً.

———————————
أكراد سوريا يراهنون على قوة واشنطن المتبقية
بقلم نوا بونسي

بوصفك زائراً أمريكياً في الشمال السوري، فإنك ستواجه السؤال التالي طوال الوقت: هل ستتخلى الولايات المتحدة في نهاية المطاف عن أصدقائها الأكراد؟ قد تتوقف الإجابة عن هذا السؤال على الطريقة التي ستزن فيها إدارة الرئيس ترامب أموراً أربعة، وهي؛ التقليل من الالتزامات الخارجية المفتوحة في الخارج، وإصلاح تحالفها المتوتر مع تركيا، والوقاية ضد البعث الجهادي، ومواجهة النفوذ الإيراني.
كما ترتكز الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية على شريك غير محتمل في سوريا: وحدات الحماية الشعبية “YPG”، وهي تشكيل عسكري يحظى بعلاقات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني “PKK”؛ وهو مجموعة متمردة في حرب مع تركيا حليفة الناتو. كما تسيطر وحدات الحماية الشعبية على قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أمريكا، وتحكم معظم الشمال السوري بالإضافة إلى أنها شريك لا غنى عنه في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.
وبالنسبة لوحدات الحماية الشعبية، فإن أهمية الدعم الأمريكي تتجاوز الحرب ضد الجهاديين؟ ذلك أن وجود الأمريكيين يمنع الهجمات الكبرى التي قد ينفذها الجيش التركي ويحميهم من القوات الموالية للنظام التي تتنافس معها للسيطرة على الأراضي. وفي حال انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، ستشكل تلك القوى مخاطر وجودية؛ لذا تراهن وحدات الحماية الشعبية على أن واشنطن ستوسّع في نهاية المطاف من حمايتها لها عن طريق “ضمانات” سياسية وعسكرية من شأنها أن تساعد في ضمان درجة كبيرة من الحكم الذاتي في المناطق الخاضعة لسيطرتها والتي تروج لها على أنها نموذج لترتيب فيدرالي مستقبلي في سوريا.
وقد أقنعت هذه المقامرة المحفوفة بالمخاطر وحدات حماية الشعب بإثبات فائدتها للولايات المتحدة عن طريق القتال في الرقة وربما خارجها لتبتعد تدريجياً عن قاعدتها الكردية الشعبية. بيد أنه على النقيض من ذلك، ستمكّن هزيمة تنظيم الدولة في سوريا الولايات المتحدة من النظر في تقليل دورها هناك، ما يترك وحدات الحماية الشعبية عرضة للخطر إلى حد كبير. وقد يروق ذلك الخيار لإدارة ترامب الحريصة على الحد من النفقات وتجنب المزيد من الأضرار التي قد تصيب تحالفها مع تركيا.
يعتمد الكثير من ذلك على ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لتمديد دورها بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في محاولة لمنع عودة الجهاديين. وبما أن سلف داعش، القاعدة في العراق، قد أثبت ذلك جذرياً، فباستطاعة المتطرفين الانتعاش بسرعة في حال لم يتم التصدي لهذه المخاطر الأساسية التي تهدد الاستقرار. إذ سيتطلب الحد من الخطر في سوريا مشاركة أمريكية مستمرة تركّز على تجنب التصعيد بين تركيا ووحدات الحماية الشعبية وعلى تعزيز الحوكمة المستدامة في المناطق التي حررتها الأخيرة من تنظيم الدولة. ومن جانبها، قد تطوّر وحدات الحماية الشعبية من دورها كشريك في إحلال الاستقرار من خلال إجراء تغييرات ضرورية لنموذجها في الحكم.
علاوةً على ذلك، فإن إيران تعد عاملاً آخر قد يحفّز تعاوناً مستمراً. إذ تعتمد وحدات الحماية الشعبية على روابط النقل التي يسيطر عليها وكلاء طهران ودمشق ومن المرجح أن تنجذب أكثر نحو هذا المحور، ونحو روسيا أيضاّ في حال سحبت الولايات المتحدة دعمها. إلا أن وحدات YPG ترى كذلك في القوة الإيرانية المتنامية في الشمال السوري تهديداً وتسعى إلى الحد من أثر النظام السوري هناك. وإذا كانت واشنطن تهدف إلى الحفاظ على النفوذ في سوريا مقابل طهران مع تجنب مواجهة مباشرة، قد ترى بعض الفائدة في مواصلة استثمارها في وحدات الحماية الشعبية .

——————————–
جراح سوريا الملتهبة ستؤجج مقاومة جهادية
بقلم “عمرو العظم”
مع فقدان تنظيم الدولة لسيطرته على الأراضي، من المحتمل أن توجّه كل من الولايات المتحدة والقوات المتحالفة مع إيران أسلحتها نحو ما يرونه الخطر الأكبر المتبقي؛ أي بعضهم البعض.
وقد دأبت قوات سوريا الديمقراطية “SDF” التي تدعمها الولايات المتحدة والتي يسيطر عليها الأكراد، على إعادة المجموعة الإرهابية في الرقة. وتشير الأمثلة السابقة إلى أن الأكراد سيسمحون للنظام ومؤسساته الحكومية بالعودة تدريجياً إلى المدينة والبدء بتقديم الخدمات الأساسية، وستقدّم قوات SDF بدورها الأمن اللازم للمنطقة. إن تسليم المدينة الجزئي للنظام، يعد اقتراناً مؤقتاً بالراحة.
وستكون المرحلة التالية الحرجة هي استعادة مدينة دير الزور ذات الأهمية الاستراتيجية، وهي آخر مركز حضري كبير تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وقد كان النظام السوري وحلفاؤه يهيئون أنفسهم للتحرك ضد المدينة واستعادتها من تنظيم داعش، ما سيقرّب النظام أيضاً من الحدود العراقية؛ وهذا هدف مهم بالنسبة لإيران، حليفته الأساسية.
ولا يمكن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق السوري إلا عن طريق استعادة دير الزور.
إلا أنه من غير المرجح أن يروق ذلك للإدارة الأمريكية، التي تسعى الآن إلى الحد من نفوذ إيران بصورة فاعلة. لكن، ليس هناك سوى بعض الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة، كما أن القضاء على وجود تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق السوري لن يتحقق إلا باستعادة مدينة دير الزور، ومن غير المحتمل أن تكون قوات سوريا الديمقراطية راغبة في التحرك ضد المدينة. بالإضافة إلى أن فصائل الجيش السوري الحر المدعومة من أمريكا في الجنوب السوري ضعيفة للغاية وليست قادرة على شن هجوم كبير من هذا النوع، ما يجعل من النظام وحلفائه الخيار الوحيد القابل للتطبيق. علاوةً على ذلك، كان الإيرانيون محقين عندما افترضوا أن الولايات المتحدة لن تشارك في مواجهة شاملة مع قوات النظام من أجل هذه المسألة.
لذلك، وفي الأعقاب المباشرة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية شرق سوريا، سيكون النظام السوري وحليفه الإيراني هم الفائزون. أضف إلى أن الترتيبات القائمة حالياً مع الأكراد في مدن مثل الرقة ومنبج مؤقتة وستتفكك في نهاية الأمر، ما سيسبب استمراراً في زعزعة الاستقرار وعدم اليقين في المنطقة.
وفي حين أنه من غير المحتمل أن يمتلك تنظيم الدولة أية قدرات تشغيلية في سوريا في الأعقاب المباشرة للحملة الراهنة، فإن التحديات الجارية للتقسيم والديناميكيات الإقليمية تضمن استمرار التوترات العرقية والطائفية المتأزمة في تغذية التطرف، ما يسمح في نهاية المطاف بإعادة تجسيد النسخة القادمة من تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق.

————————————

الصراعات العراقية من أجل القوة ليست إلا البداية
بقلم “ريناد منصور”

بالنسبة للعديد من العراقيين، فإن دمار مئذنة “الحدباء” الشهيرة في الموصل يرمز إلى هزيمة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق. ذلك أن “أبا بكر البغدادي” قد أعلن خلافته تحتها في جامع “النوري”، والآن قد دمرها هذا التنظيم الجهادي في مواجهة تقدم قوات الأمن العراقية. إلا أن شكل هذه الهزيمة، والمسار المحتمل للعراق “ما بعد تنظيم داعش”، ما يزال غير واضح المعالم.
وعلى الرغم من أن مهمته في بناء دولة قد انتهت، سيستمر تنظيم داعش في الوجود. إذ سيكون منظمة أعيد تشكيلها، منظمة لا تسيطر على أراضٍ وتشكّل تهديدات جديدة. من الناحية العسكرية، سيلجأ التنظيم إلى حرب العصابات، بما في ذلك الاعتداء على المدنيين في المناطق المكتظة بالسكان في العراق. وخلافاً للماضي، فإنه يمتلك الكثير من الموارد بالإضافة إلى تحوّله إلى أساليب المافيا في غسيل احتياطاته النقدية الضخمة من خلال الأعمال التجارية التي تبدو مشروعة؛ ومن بينها تصريف العملات والتجارة في المستحضرات الطبية. وحتى وقت قريب، اشتمل ذلك على تبادل الدينار العراقي بالدولار الأمريكي من خلال مزادات العملة في بنك العراق المركزي.
كما أن الصراعات الكامنة بين الكثير من القوى السياسية العراقية ستظهر في المقدمة مع تراجع القضية المشتركة لهزيمة تنظيم داعش. ومن المتوقع أن تشتعل النزاعات المتصاعدة حول الأراضي في الشمال العراقي؛ إذ ستتنافس قيادة كردستان العراق والجماعات شبه العسكرية العربية والتركمانية الشيعية التابعة لقوات الحشد الشعبي “PMF”، والقادة السياسيون المحليون ومقاتلو القبائل العربية السنية والأطراف الإقليمية للحصول على النفوذ الأكبر في المناطق الساخنة المهمة مثل كركوك وشمال نينوى ومنطقة الحدود العراقية السورية.
ومن المقرر أن يندلع صراع بين الشيعة على السلطة في بغداد بين رئيس الوزراء “حيدر العبادي” ورئيس الوزراء السابق “نوري المالكي” ورجل الدين الشيعي البارز “مقتدى الصدر”. وهنا ستكون السياسات الأمريكية والإيرانية على مفترق طرق: إذ ستعمل طهران على تقوية حلفائها الموثوقين ومن بينهم المالكي وكبار القادة في قوات الحشد الشعبي مثل “هادي العامري” و”قيس خزالي” و”عبد المهدي المهندس”. وفي الوقت نفسه، ستركّز واشنطن على تقوية قبضة العبادي. والأهم من ذلك، هو أن النزاع بين العبادي والمالكي والصدر تغذّيه مجموعة متزايدة من الأشخاص الذين يعتقدون الآن أن الفساد، وليس الطائفية، هو السبب الرئيس لظهور تنظيم الدولة الإسلامية.
وكي يتمكّن العراق من التصدي لهذه التحديات، لا بد له من تعزيز المؤسسات الحكومية المحلية والاتحادية لمواجهة قوة الأطراف العنيفة وغير الحكومية والوصول إلى فهم جديد لتقاسم السلطة المحلية. وعندها فقط تستطيع الدولة معالجة الأسباب الجذرية لظهور تنظيم داعش والعمل من أجل ترجمة الانتصارات العسكرية الحالية إلى إصلاحات سياسية طويلة الأجل، وبالتالي تضمن عدم توجّه العراق نحو جولة جديدة من الصراع.

رابط المادة الاصلي: هنا.




المصدر