انقسام غير مسبوق في المجتمع الأميركي


روشان بوظو

تشهد الولايات المتحدة الأميركية، منذ عدة سنوات انقسامًا حادًا على عدة مستويات، انقسام عرقي بين البيض من جهة، والأميركيين من أصول إفريقية ولاتينية من جهة أخرى، وخصوصًا مع الارتفاع المضطرد في أعداد المهاجرين للولايات المتحدة.

في عام 1950، كان البيض يشكلون 89.5 بالمئة من عدد السكان، وانخفضت نسبتهم إلى 72.4 بالمئة عام 2010، والنسبة اليوم أقل من ذلك، ومن المتوقع أن يكون البيض دون 50 بالمئة من عدد السكان عام 2050، وهناك انقسام آخر أكثر أهمية، وهو الانقسام على أساس
اقتصادي، أو حسب مستوى الدخل، حيث شهدت الولايات المتحدة منذ الثمانينات زيادةً في تمركز رأس المال عند فئة صغيرة من السكان، حتى إن المرشح البارز في الانتخابات الأميركية الأخيرة بيرني ساندرز أشار إلى هذا الأمر، إذ قال: “إن 1 بالمئة من سكان الولايات المتحدة الأميركية يستحوذون على ثروة تفوق ثروة 90 بالمئة من بقية الشعب مجتمعين، وترافق ذلك مع تراجع كبير في الطبقة الوسطى، ووضوح للفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين مكونات المجتمع”.

انعكست كل هذه العوامل مجتمعة على شكل انقسام سياسي حاد، أخذ في كثير من حالاته طابعًا عنفيًا واشتباكات بين ممثلي التيارات السياسية المختلفة، وقد تجلى على نحو واضح، خلال الحملة الانتخابية الأخيرة بين المرشحين دونالد ترامب، وبيرني ساندرز، تنافس المرشحان على أصوات الشريحة ذاتها، وهي الأميركيين البيض متوسطي الدخل، والذين تدهور وضعهم المعيشي، خلال السنوات السابقة، فقد وعدهم ترامب بتحسين وضعهم عبر تشجيع الاستثمار داخل أميركا، من خلال تخفيض الضرائب على الشركات وإعادة الشركات الأميركية المهاجرة للصين والمكسيك وغيرها، بينما كانت وعود بيرني ساندرز في تحسين وضعهم تعتمد على رفع الضرائب على الأغنياء، على نمط شمال أوروبا، ومجابهة سيطرة البنوك أو رؤوس الأموال على الحياة السياسية والإعلام في الولايات المتحدة.

صحيح أن الخلافات السياسية ظاهرة صحية في المجتمعات، ولكنها في أميركا بدأت تأخذ أشكالًا عنيفة في مناسبات كثيرة، وخاصة على المستوى العرقي؛ حيث وثقت كاميرات المراقبة والهواتف النقالة كثيرًا من حالات إطلاق النار من قبل الشرطة الأميركية على مواطنين من أصول أفريقية، في عدة ولايات، في مشاهد بدت وكأنها عنف غير مبرر من الشرطة؛ أدى إلى مقتل عدد من الأميركيين من أصول أفريقية، كان الاشتباه بهم مبني على أساس اللون، وهذا ما أدى إلى نشوء حركة اسمها (حياة السود مهمة)، حيث قامت ببعض عمليات إطلاق النار الانتقامية على رجال الشرطة، أدت إلى وقوع ضحايا، وفي حادثة أخرى نادرة في الحياة السياسية الأميركية، أطلق شخص أبيض في السادسة والستين من العمر النارَ على أعضاء كونغرس جمهوريين، في ملعب بيسبول؛ ما أدى إلى إصابة نائب جمهوري بارز وموظفين آخرين وعنصرَي أمن، وقُتل المهاجم الذي قيل إنه من أتباع المرشح الرئاسي اليساري بيرني ساندرز. وصل الشحن السياسي إلى قمته قبل عدة أيام، عندما اندلعت اشتباكات بين تجمع لمجموعة منظمات يمينية متطرفة، تعترض على إزالة تمثال لأحد جنرالات الحرب الأهلية الأميركية كان من مناهضي تحرير العبيد، وبين متظاهرين من الليبراليين والأقليات العرقية والطائفية، حيث قام أحد المتطرفين البيض حينها بدهس مجموعة من الطرف الآخر؛ ما أدى إلى وقوع قتيلة و19 جريحًا.

تشكل ظاهرة انتشار السلاح بيد الأمريكيين عاملًا معززًا لهذه الحوادث، حيث يعدّ امتلاك السلاح جزءًا من التقاليد في المجتمع الأميركي، ولم تفلح كل الدعوات لحصر السلاح وفرض رقابة أكبر على إمكانية اقتناء السلاح في الولايات المتحدة.

لعب موضوع اقتناء السلاح دورًا كبيرًا في خسارة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عندما دعت إلى وضع حد لهذه الظاهرة. يشكل انتشار السلاح في الولايات المتحدة الأميركية مخاطر جدية، ولكن الكثير من السياسيين في واشنطن لم يدركوا خطورة ذلك بعد.




المصدر