‘فزغلياد: اصطياد ترامب يثير حربًا أهلية في الولايات المتحدة الأميركية’

19 آب (أغسطس - أوت)، 2017
12 minutes

سمير رمان

الصورة: جوشوا روبرتس / رويتر

اجتازت الأزمة الداخلية الأميركية حدًا فاصلًا جديدًا، وأظهر خصوم ترامب أنهم مستعدون، في سبيل تحقيق هدفهم في زعزعة صدقية الرئيس ومن ثمّ عزله، للمراهنة على إحداث انقسامٍ في المجتمع، وحتى إثارة حرب أهلية. كما بينت تصريحات ترامب الجوابية، كم هي قويةٌ شخصية الرئيس الأميركي الحالي.

اندلعت الاضطرابات، يوم السبت الماضي 12 آب/ أغسطس، في مدينة شارلوتسفيل. غير أن ردات الفعل عليها كانت قوية إلى درجةٍ، يبدو معها أننا أمام حدَثِ العام، أقله على مستوى الولايات المتحدة الأميركية.

ثارت الاضطرابات بين أنصار ومعارضي إزالة نُصبِ الجنرال إدوارد لي، الذي كان يحارب إلى جانب الجنوبيين في الحرب الأهلية الأميركية 1861- 1865. وأدت الاضطرابات إلى مقتل شخصٍ واحد، حيث أقدم أحد المتطرفين المدافعين عن بقاء التمثال على قيادة سيارته، وسط حشدٍ من مؤيدي إزالته. مع الوقت، يمكن أنْ يسمى القتيل هيتر هاير، أول ضحايا الحرب الأهلية الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية. الرهانات -الآن- تنصب على وقوع هذا الأمر.

الولايات المتحدة تقف على حافة الحرب الأهلية، منذ 8 تشرين أول 2016، عندما كشف انتخاب ترامب عمق الشرخ في المجتمع الأميركي.

بعد كانون الثاني 2017، أي بعد تقلد ترامب منصبه رسميًا، اتضح أن النخبة الأميركية غير مستعدةٍ للتسليم بسهولة بنتائج الانتخابات. راح جزء من الإدارة الحكومية، ومن السلطة التشريعية وكذلك غالبية وسائل الإعلام، يخربون، بكل ما للكلمة من معنى، عملَ رئيس الدولة الجديد. ولإفشال عمل إدارة ترامب؛ تم اختلاق وتأجيج قصة الرئيس الجديد المسماة بـ “العلاقات الروسية”، وهي قصةٌ كاذبة ومفبركة بالكامل. أما الآن، فنحن نقف أمام مرحلةٍ جديدة، فالآن يجب التخلص من ترامب لأنه “فاشي” و”عنصري”، وهذا الموضوع بالذات هو الذي يكتسب دفعًا متناميًا بعد أحداث شارلوتسفيل. أما ترامب فمستعد للمعركة ويقوم بالرد المباشر على هجمات خصومه.

الشعارات ليست بالجديدة؛ فمنذ بداية الحملة الانتخابية، راح خصوم ترامب يطلقون عليه هذه الصفات. فما كاد يعلن نيته بإقامة جدارٍ بين بلاده والمكسيك أو الحد من الهجرة من البلدان الإسلامية، حتى انبرى الليبراليون لوصفه بـ “الشوفيني”. ولكن، بعد أنْ أصبح ترامب رئيسًا، بدؤوا يقولون إنه “غير متسامح”، مع المسلمين، اليهود، السود واللاتينيين، وإنه عين مستشاره بينون “كبير أيديولوجي اليمين المتطرف”، وأنه لم يؤيد “الكوكلوكس- كلان”. ولكن “المسألة الروسية” كانت القضية الأنسب للمهاترة؛ إذ تداولت وسائل الإعلام، على مدى شهورٍ، تفاصيل تصرفات هذه الشخصية أو تلك من محيط ترامب، موردةً كافة لقاءاتهم المحتملة مع الروس. دافع ترامب واصفًا هذه الأنباء بالمفبركة، أما أحداث السبت الماضي، فقد أعطت خصومه مبررًا ليأخذوا بيدهم من جديد السلاحَ الذي كانوا قد وُضعوه جانبًا بحال مؤقتة، وهو “التصدي لعنصرية ترامب”.

بدأ كل شيءٍ مع ردة فعل ترامب على أحداث تشارلوتسفيل؛ فقد وقف ضد إثارة الأحقاد، داعيًا إلى الوحدة الوطنية وشجب الاضطرابات، موجهًا إدانته إلى الجانبين. وبالفعل، هذا ما جرى، إذ ساهم المتطرفون من اليسار ومن اليمين بإثارة الصدامات.

بالإضافة إلى ذلك، شكّل إزالة تمثال الجنرال لي، وكامل عملية التخلص من تماثيل ممثلي الطرف الخاسر في الحرب الأهلية “الجنوب” التي بدأت أواخر فصل ربيع العام، عمليةً استفزازية كبيرة واحدة؛ فالدفاع عن التماثيل يستفز كل المواطنين العاديين المسالمين وأيضًا أولئك المستعدين لحمل السلاح.

وهكذا، يمكن القول إن دعوة ترامب، يوم السبت، كانت في محلها بالفعل، ولكن ليس في أميركا الحالية. سارعت وسائل الإعلام والطبقة السياسية إلى القول إن إدانة الرئيس لم تكن كافية، وإنه “ليس هناك طرفان”، ولماذا لم يلق باللوم على اليمينيين، ولماذا لم يصفهم بالفاشيين والعنصريين؟ أجل، لأنه، هو نفسه، كذلك، لقد سبق أن أخبرناكم بذلك!

استمرت الهستيريا يومين متتاليين، وفي يوم الإثنين صرح ترامب بأن العنصرية شرّ، وأن من يدعون إلى العنف العنصري “هم مجرمون وقطاع طرق، بما فيهم منظمة كوك لوكس كلان، وهم نازيون جدد، وأن اليمينيين المتطرفين وسواهم من المجموعات المشابهة، يحتقرون القيم الأميركية”. مع أن الرئيس أضاف أن مسؤولية العنف تقع على عاتق المشاركين في الاضطرابات، فقد أصبح واضحًا أن البيت الأبيض قد قرر التراجع، في محاولةٍ منه لكسر حدة موجة الانتقاد ضده.

اليوم، تحدث ترامب من نيويورك، وهناك سألته الصحافة للمرة الأولى عن أحداث السبت؛ فأجاب الرئيس الأميركي، بما يمكن أن يقوله أي رئيس أميركي قوي جدًا: “لديكم مجموعة من هذا الطرف، وأخرى من الطرف الآخر، وقد هاجمتا بعضهما البعض. كان الأمر قاسيًا ومرعبًا، وكان من المخيف النظر إليهما. أعتقد أن الطرفين مذنبٌ فيما حدث. لديكم مجموعة سيئة من الطرف الأول، ومن الطرف الآخر كانت مجموعة أشخاصٍ عدوانيين للغاية، ولا يريد أحد قول هذا، أما أنا فأقوله لكم الآن. لم يكن جميع أفراد المجموعة نازيين جددًا، وصدقوني لم يكن جميعهم من أنصار نظرية تفوق العرق الأبيض بشكلٍ من الأشكال. وفي الوقت نفسه، المجموعة الأُخرى التي يمكن وصفها باليسارية، كانت المجموعة التي بدأت بمهاجمة المجموعة الثانية. قولوا ما تريدون، ولكن هذا ما كان فعلًا”.

أعلن ترامب أن وسائل الإعلام لم تكن جميعها موضوعية في تعاملها مع الحدث، وكذلك كان الأمر بالنسبة إلى نقل المطالب المتعلقة بإزالة النُصُب التذكارية أي أنه -فعليًا- اتهم الإعلام بالوقوف إلى جانب طرفٍ واحد على حساب الطرف الآخر. وتساءل ترامب: “اليوم يزيلون تمثال ستوينويل جاكسون، وغدًا سيكون تمثال جورج واشنطن أو توماس جيفرسون؟ في عهد جورج واشنطن، كان العبيد موجودين، فهل يفقد اليوم مركزه ويكون علينا إزالة تمثاله؟ وماذا عن توماس جيفرسون؟ ماذا تعتقدون؟ أعلينا تحطيم تماثيله! فقد كان من أكبر مقتني العبيد. علينا أن نتساءل: متى سينتهي كل هذا. أنتم تغيرون التاريخ والثقافة”.

أما التصريح الثاني لترامب، فقد أصبح حدثًا بحد ذاته؛ ففي أميركا السياسية، يُمنع اتهام اليمين باقتراف الذنوب، ويمنع وصف اليساريين بالأصوليين. أي أن العمل بالسياسة ممنوع، إذ يتم تحطيم الشخص على الفور. بالإضافة إلى ذلك، يمنع القول إن الإعلام ليس موضوعيًا وغير نزيهٍ. أما ترامب ففعل ذلك، وغيره دفعة واحدة.

لهذا السبب؛ كتبت الصحافة إنه “إذا كان خطاب ترامب الأول للصحافة قد أشعل الحريق، فإنه يوم الإثنين قد سكب عليه برميلًا من البنزين، وراح يرقص حول النار”. ولكن ترامب سياسي غير عادي، وحتى ليس برئيسٍ عادي. إنه “رئيسٌ محارب”، فهو رئيسٌ أصبح انتخابه، بحد ذاته، مؤشرًا على عمق الانقسام الذي يعيشه المجتمع الأميركي. وترامب ليس سبب الانقسام، بل على العكس، فقد جاء انتخابه رئيسًا نتيجة التناقضات المتزايدة في أميركا.

يمكن القول بشكلٍ فج إن انتخاب ترامب كان بمثابة ردة فعل أميركا البيضاء الريفية على تحويل الأمة الأميركية من “بيضاء، بمشاركة الأقليات الملونة”، إلى أمةٍ متعددة الأعراق، وبشكلٍ أدق إلى أمةٍ بلا عرق. وهنا، ليس المهم سواء كانت العملية جيدة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية أم لا. المهم أن جزءًا مهمًا من المجتمع الأميركي لا تعجبه هذه العملية على الإطلاق. هؤلاء لا يعجبهم خسارة القومية الأميركية، وضياع الصبغة الدينية ولاحقًا الهوية الجنسية للولايات المتحدة الأميركية. وهذا الجزء من المجتمع الأميركي يحتج على هذه الأزمنة، وجاء الرد على موقف هذا الجزء من المواطنين، بوصفهم بالمتخلفين، المتطرفين، العنصريين، الفاشيين. وكاستعراضٍ، يقومون بإزالة تماثيل أبطال الجنوب: الجنرالات والسياسيين الكونفيديراليين الذين واجهوا الشمال، وخسروا الحرب، ولكنهم أصبحوا جزءًا من الهوية الوطنية على مدى 150 عامًا، حتى قرر أحدهم أن الأوان قد آنَ لتشكيل رمزٍ جديد لعقيدة الأمة الأميركية، أي أمة أميركية جديدة. فمن يمكن أنْ يكون أولئك الذين يلعبون على تفتت الولايات المتحدة الأميركية؟

إن إزالة تماثيل الكونفدراليين -في هذه الظروف- هو إثارةٌ بالفعل للفوضى الأهلية؛ حيث إن هناك من يستدعي روح الحرب الأهلية. “هل تتحرك الولايات المتحدة الأميركية صوب نوعٍ جديد من الحرب الأهلية”؛ ليس هذا الكلام تنبؤًا صحفيًا تحذيريًا، إنه عنوان مقالةٍ في صحيفة New Yorker ، التي يحاول فيها روبين بايت، من خلال أحاديثه مع علماء تاريخٍ واجتماع، أنْ يضع توقعات للمجتمع الأميركي. ويركز بايت، على نحو خاص، على تقييم الخبير العامل لدى وزارة الخارجية الأميركية كيت ماينس، الذي يَعتبر أن نسبة احتمال بدء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأميركية، خلال 10-15 القادمة، تقارب 60 بالمئة، وقد أورد ماينس خمسة شروطٍ تؤكد توقعاته:

الاستقطاب القومي الكبير في ظل غياب نقطة التقاء لحل المشكلات.
إضاءة وسائل الإعلام المثيرة لخلافاتٍ أوسع.
ضعف الأدوات، وخاصةً الكونغرس والنظام القضائي.
خيانة القادة السياسيين للمسؤولية أو ابتعادهم عنها.
تشريع العنف بصفته الأسلوب “العصري” للنقاش، ولحل الخلافات.

بالإضافة إلى ذلك، يرى ماينس أن الرئيس ترامب “اختط نموذجًا للعنف كوسيلةٍ للتقدم في العلاقات السياسية، وأنه عزز إمكانية اللجوء للتخويف قبل الحملة الانتخابية وبعدها”. ولكن ماينس يشير إلى أنه “إذا حكمنا من خلال الأحداث الأخيرة، نرى اليساريين أيضًا يستخدمون مثل هذه الأساليب بشكلٍ غير منقوص. وهذا يشابه ما حدث عام 1859 (قبيل الحرب الأهلية)، عندما كان الجميع يفقد صوابه لأي سببٍ، وكان الجميع يحمل السلاح”.

من غير المفهوم، أي عنفٍ اختط ترامب -اللهم- باستثناء الألفاظ الشفهية. أما خصومه، فإنهم في صراعهم معه، لم يتركوا وسيلةً إلا واستخدموها. بدءًا من التهديد الكلامي، وصولًا إلى العبث بإشعال الجبهة مع نظام الدولة الأميركية نفسه. في البداية، تخريب عمل المؤسسات (التسريبات من البيت الأبيض ومن أجهزة الاستخبارات، المماطلة في تعيين الموظفين من قبل الكونغرس) ومحاولة إعاقة أنشطة رأس الدولة، ومن ثم اللعب على التناقضات الموجودة في المجتمع، ومن ضمنها التناقضات العرقية. عندما يطلبون من ترامب إدانة طرف بعينه من بين طرفين مذنبين، فهل هم بالفعل لا يدركون أن موقفًا كهذا، من قبل رئيس الدولة، يكرس انقسام المجتمع، وسيزيد اعتقاد البيض أن السلطة تعمل ضدهم وتدافع عن الأقليات فقط؟

تلعب النخبة الليبرالية الكوزمو-بوليتيكية الأميركية بالنار قرب برميلٍ من البارود، وينحصر تفكيرها بكيفية إيذاء ترامب الذي يقلقه الحفاظ على الولايات المتحدة الأميركية كدولةٍ موحدةٍ وقوية. أخيرًا، لا يحتاج المرء أن يكون منجمًا ليعرف من هو الذي يمثل الوطني الأميركي بحق.

 

اسم المقالة الأصلية
Охота на Трампа провоцирует гражданскую войну в США

كاتب المقالة
بينر آكوبوف

مكان وتاريخ النشر
صحيفة فزغلياد. 17 آب 2017

رابط المقالة
https://www.vz.ru/politics/2017/8/17/882984.html

ترجمة
سمير رمان

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]