“الرياض 2” المبررات والهدف


عقاب يحيى

تُرى هل كان مؤتمر الرياض 1 مبادرة عفوية، أم هو نتاج موقف دولي، فرض نفسه ضمن القرار الأممي 2254، حين تكلم عن معارضات، وليست واحدة، وكان ذلك بناء على ضغط روسي لإقحام ما يسمى بـ “المنصات” ضمن وفد المعارضة، وقد أوكل للمملكة العربية السعودية أمر التحضير للمؤتمر وعقده في الرياض، والإشراف عليه حضورًا، وانتقاء للمشاركين، وإعدادًا للبيان الختامي.. بما يشبه حالة تشكيل الائتلاف بالدوحة وترأس وزير الشؤون الخارجية للمؤتمر، وتجهيز النظام الأساسي للائتلاف الذي صيغ هناك، وشكّل واحدة من الإشكالات التأسيسية لإصلاح وتطوير الائتلاف على مدار السنوات، إن كان لجهة توزيع الصلاحيات، أو تعديل المواد.

تشكيل الائتلاف جاء بناء على قرار دولي بديلًا للمجلس الوطني، بعد حدثين مهمين:

الأول: رفض المجلس الوطني لبيان جنيف 1 الصادر أواخر حزيران/ يونيو 2012، والذي بات غاية المنى، وحجر الزاوية في تمسك المعارضة به كطريق للحل السياسي.

الثاني: بعدها بفترة وجيزة تولت الجامعة العربية الدعوة إلى لقاء موسع للمعارضة في القاهرة، فيما وصف لدى أغلبية قيادة المجلس الوطني بأنه سيكون على أنقاض المجلس الوطني فحاولت معارضته، وتجلى الأمر في رفض تشكيل “لجنة متابعة” تتولى تنفيذ مخرجات مؤتمر القاهرة، وبمهمة أساس لتوحيد عمل المعارضة.

هنا يجب تسجيل حقيقة إيجابية أن وثائق مؤتمر القاهرة أوائل تموز/ يوليو 2012، كانت صناعة سورية خالصة، عبر لجنة تحضيرية تولت دعوة الوفود المشاركة (وإن حدثت تجاوزات كثيرة للأرقام والجهات المدعوة)، وهي التي أنجزت وثيقة العهد، ووثائق المرحلة الانتقالية، في حين أن ذلك لم يحدث في قيام الائتلاف، أو مؤتمر الرياض.

تضافر هذين السببين أنتج قرارًا دوليًا بدفن المجلس الوطني رغمًا عن رغبة وإرادة أعضائه.

يمكن القول أيضًا إن تمسّك الائتلاف بالثوابت التي أقرها حول العملية السياسية والتي تصرّ على إبعاد رأس النظام وكبار رموزه من الملوثة أيديهم بالدم السوري من العملية السياسية حال تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية، ورفضه الطلب الأميركي بالمشاركة بالتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب تحت دعوى محاربة النظام أولًا، ووجود اختلاطات وصراعات داخله حول الموقف من النصرة، وعدم التعاطي الإيجابي مع مقترحات دي ميستورا بتقسيم المسار إلى أربع مجموعات.. كان عاملًا رئيسًا في انعقاد مؤتمر الرياض كجسم يمكن أن يكون بديلًا، وبشعار: توسيع المشاركة وإدخال عدد مهم من الفصائل العسكرية كأعضاء فيه. وكان واضحًا التدخلات المتعددة في تشكيل أعضاء مؤتمر الرياض، وتكرار ما جرى في الدوحة، حين تشكيل الائتلاف من حيث المشاركين، وترأس الاجتماعات، وإعداد البيان الذي اعتمد كوثيقة رئيسة.

على الرغم من أن الهيئة العليا للمفاوضات وُصفت على أنها مؤسسة ذات وظيفة خاصة بالمفاوضات، وليست بديلًا عن الائتلاف، ولا الهيئات الأخرى المحسوبة على المعارضة، إلا أنها أخذت الكثير من صلاحيات ودور الائتلاف، وبشكل واضح على صعيد المفاوضات والعلاقات الدولية وحتى الداخلية، وظهرت في الأشهر الأولى كبديل، وقد تراجع دور الائتلاف من ممثل شرعي للثورة السورية، واعتراف عشرات الدول به، إلى مشارك جزئي في المفاوضات، والاتصالات والعلاقات مع الحلفاء والأصدقاء.

لكن تعثر الحل السياسي، ووصوله إلى الباب المسدود بفعل رفض النظام القبول بأي خطوة جدّية فيه، مدعومًا بمواقف روسية مستمرة، وغياب أميركي عن الفعل الحقيقي، ووجود ما يشبه التفاهمات بتفويض روسيا بالملف السوري، ومواصلة اتفاقات “خفض التصعيد” ترافق مع فرض التصورات الروسية للحل السياسي، ووفد المعارضة، واللجوء إلى بنود القرار 2254 الذي ذكر وجود معارضات أخرى، حددها بمنصتي القاهرة وموسكو، ثم بدء الحوار مع هاتين المنصتين، ودعوتهما للقاء الهيئة العليا في الرياض.

فكرة توسيع التمثيل، وإدخال مندوبين عن المنصتين، وما عرفته الهيئة العليا من استقالة وفصل البعض تقف خلف الدعوة لمؤتمر رياض 2، والشعار الرئيس: وحدة وفد المعارضة، ومشاركته وفدًا واحدًا.

شكّلت الهيئة العليا للمفاوضات، بعد لقائها بوزير الخارجية السعودي، لجنة برئاسة جورج صبرا لدراسة أوضاع الهيئة ضمن أفقين، كما عبّر عن ذلك الأخ جورج في اجتماع، وعدد من مندوبي الائتلاف في الهيئة العليا، مع الهيئة السياسية، بأنهم يدرسون احتمالين:

الأول: توسعة الهيئة بشخصيات فاعلة يمكن أن يصل العدد إلى 45، أي بإضافة 18 عضوًا جديدًا.

الثاني: بحث إمكانية عقد لقاء (الرياض 2)، وما زالت الأمور غامضة حول العدد والتمثيل، وهل سيكون، مثلًا، بحضور أعضاء (الرياض 1) وإضافة عدد آخر؟ أم سيعاد النظر بتشكيله من الأساس وفقًا لشروط جديدة؟

في حين يؤكّد صبرا أن هذه العملية ذاتية لا علاقة لها بأي ضغوط خارجية، فمن الواضح أنها تستجيب للتطورات، وإن كان التأكيد مكررًا على التمسك ببيان الرياض سقفًا لا يمكن التنازل عنه.

لكن، ولو من خلف ذلك كله، تقف جملة المتغيرات التي حصلت في العامين الأخيرين، والدور الروسي وما يحمله من سيناريوهات للحل السياسي بسقوف مختلفة لما قررته هيئات المعارضة في الائتلاف والهيئة العليا، خاصة تلك المتعلقة بالموقف من بقاء النظام ومصير رأسه، ومضمون وزمن ومراحل العملية الانتقالية.

هذه التطورات القسرية والنتائجية ستفرض على هيئات المعارضة التكيّف معها بطريقة ما، وقد وُضعت أمام خيارات صعبة: إما التعاطي الإيجابي معها، وإما الرفض بتكلفة غالية قد تؤدي إلى استبعاد هذه الهيئات من العملية السياسية، وتهميشها، وربما تعرّضها لانقسامات وصراعات داخلية، وتهيّئة أطراف سورية محسوبة على المعارضة، لتكون واجهة الطرف المقابل للنظام.

بيان (الرياض 1) كان واضح التحديد لجهة الموقف من النظام ورأسه، لكنه قد يحتاج إلى إعادة صياغة جديدة باستخدام تعابير مرنة، مثلًا، وتقبل أكثر من تفسير، كالإبقاء شكلًا على روح بيان الرياض لجهة الموقف من رأس النظام وكبار رموزه، ومنح مسافة من المرونة في التعاطي مع المرحلة الانتقالية التي سيكون رأس النظام باقيًا فيها لزمن لم يحدد بعد.. ولا شكّ أن التوصل لتفاهمات مع منصتي القاهرة وموسكو، وقبولهما المشاركة في الهيئة العليا، أو مؤتمر الرياض سيكون بإجراء نوع من التطوير لبيان الرياض بكيفية ما.




المصدر