معرض دمشق الدولي…لم يبق في الكرم ما يُعتصر


صفاء مهنا

“شآم أهلوك أحبابي، وموعدنا أواخر الصيف آن الكرم يعتصر”..

بهذه الكلمات، صدحت (فيروز)، ذات صيف، في معرض دمشق الدولي الذي كان للسوريين عمومًا والدمشقيين خاصة موعد معه بشغف وتوق لما يحمله ذلك المهرجان السنوي من طقوس تميزه، وتترك انطباعات جميلة لدى زواره.

أقيم المعرض الأول عام 1954 في مدينة دمشق على كتف نهر بردى، بجوار المتحف الحربي والمتحف الوطني امتدادًا لساحة الأمويين، وكان لانطلاقته الأولى أهمية كبيرة على المستوى الدولي، كحدث اقتصادي وتجاري، كما كان له أهمية سياحية كبيرة. كذلك أصبح له في ذاكرة السوريين مساحة من الجمال والبهجة، حتى بات انتظار قدومه أشبه بانتظار العيد.

أحمد الذي كان فتى في السنوات الأولى من عمر معرض دمشق الدولي، يقول لـ (جيرون): “كان المعرض فرصة للقاء الناس وقضاء أوقات جميلة، خاصة أننا نحن -الدمشقيين- معتادون على النزهة الأسبوعية والسيران، فكيف وقد أتيح لنا ذلك السيران اليومي لمدة تقارب الشهر”.

فيما تقول ميرفت: “كنا ننتظر قدوم المعرض بشوق ولهفة، خاصة عندما كان لفيروز حضور فيه، فليس أمرًا عاديًا، بالنسبة إلينا، رؤية مطربة اعتدنا سماع أغنياتها في صباحاتنا، كما كنا في كل مرة نستذكر الدول المشاركة في المعرض، وكأن هذا واجب مطلوب منا أن نتلوه أمام الآخرين”.

ربما كان بعض زوار المعرض، أثناء تجوالهم في أجنحة الدول المختلفة خاصة تلك الأجنبية منها، وخلال استعراضهم وتفحصهم لمنتجاتها، يظنون أنهم قد زاروا تلك الدول فعلًا. وربما كانوا في السنة نفسها يعودون إلى زيارة المعرض أكثر من مرة، وهذا ما أكده نزار الذي قال: “كنت في الجولة الواحدة أعاود الكرة بزيارة بعض الأجنحة، وفي كل مرة أظن أنني سأجد شيئًا جديدًا”.

كان لموقع المعرض، على مدى سنوات كثيرة، في وسط مدينة دمشق أهمية كبيرة، وهو المكان الذي كان أهل الشام يستهوونه ويقضون أمسيات صيفية جميلة فيه، على ضفتي نهر بردى بدءًا من ساحة المرجة حتى ساحة الأمويين ومنطقة الربوة، وذلك قبل أن ينتشر فيه رجال الأمن وبعض العسكر وأكشاك الباعة التي انتشرت على الأرصفة ممهورة بخاتم الأمن حتى عكف الناس عن تلك الفسحة.

لم يكن الموقع القديم للمعرض مهمًا فقط لسكان الشام، فمن أراد زيارة المعرض من القرى المحيطة فإنه سيصل إلى مركز المدينة، أما بعد نقله -منذ بضع سنوات- إلى خارج دمشق، فقد بات من الصعب على الكثيرين زيارته كالمعتاد، خاصة مع سوء التنظيم الذي يميز السلطات المسؤولة، سواء بإتاحة الفرصة للناس للوصول دون عناء للموقع الجديد، أو لتسيير حركة المواصلات بسهولة ويسر.

تذكر نوال أنها لم تزر المعرض في موقعه الجديد إلا مرة واحدة، ولم تجد لديها الرغبة في معاودة الزيارة في السنوات اللاحقة: “أحسست أثناء تجوالي في المعرض أني أقوم بواجب وأريد الانتهاء منه على عجل، فيما كنا في مدينة المعرض القديمة، وبعد تجوالنا في الأجنحة، نجلس في الفناء مستمتعين بحركة المارة وشغب الأطفال”.

كانت الأقسام السورية مميزة بمنتجاتها المحلية، وكان بعض تلك المنتجات يُصنع أمام نظر المتفرجين ودهشتهم، كصناعة الزجاج والفخار، بأيدي عمال مهرة تعمل بخفة وبراعة وإبداع.

كما كانت المنتجات الزراعية تمتع النظر والقلب، أما السؤال المهم حول ما سيعرضه الجناح الزراعي في المعرض، فهل لتفاح الزبداني ومضايا مكان فيه، وباسم أي مزارعين سيعرض. بعد أن رويت تلك الأشجار بعرق أهلها، مات الكثير منهم جوعًا تحت حصار قوات الأسد، وهل سيمتع الزوار نظرهم بعنب داريا التي أصبحت أثرًا، وأخرج أهلها منها بعد صمود أسطوري، ولم يبق من كرومهم إلا بقايا حطب أكلت نيران الحرب معظمه، ومن أي تربة سيحضر صانعو الفخار مادتهم، بعد أن شرب كل التراب السوري الكثير من دماء السوريين ضحايا من يعتبر هذا المعرض اليوم نصرًا عليهم.

وفيما ينتظر السوريون صحوة دولية لتحقيق بعض من عدالة تجبر القليل من الضرر الذي حل بهم، تشارك العديد من الدول والشركات وتعرض نماذج من بضاعتها على أمل أن تشارك في إعادة إعمار سورية، وربما يعاد إعمار سورية وتتسابق حتى الدول التي كانت تشارك بالعقوبات على النظام، بينما تبقى أرواح السوريين ونفوسهم تنتظر بعضًا من إنسانية يبدو أن معارض صور الجثث التي قضى أصحابها تحت التعذيب لم تحرك فيهم ما تحركه الدولارات.




المصدر