نيو يورك تايمز: في ملجأ من سورية، يمارس المتطرفون سيطرة أكبر


أحمد عيشة

حافلات حكومية سورية تخلي السكان من شرق حلب، في كانون الأول/ ديسمبر. وكالة الأنباء العربية السورية، عبر أسوشيتد برس.

بعد أنْ نجا من حصار القوات السورية، نُقل فراس الرحيم، وأسرته من منطقةٍ يسيطر عليها المتمردون في محافظة حمص، وسط سورية، إلى منطقةٍ فقيرة في الشمال الغربي.

ولكن منذ وصول السيد رحيم، وزوجته، وأطفالهما الأربعة إلى محافظة إدلب، في أيار/ مايو، بدأت رحلة الكفاح من أجل العثور على الغذاء والمأوى، وكانت الجماعة السورية التابعة لـ (تنظيم القاعدة) قد أصبحت هي التي تهيمن على المحافظة، مما أثار مخاوف من أنَّ القنابل التي تستهدف الجهاديين، يمكن أنْ تقع عليهم.

وقال السيد رحيم، وهو مدرس، عبر الهاتف من محافظة إدلب: “نحن -المدنيين- عالقون بين منظمةٍ ذات أيديولوجية متطرفة، ومجتمعٍ دولي على استعداد لمكافحتها بأيّ ثمن”.

بعد ست سنوات من الحرب، تم تدمير وتمزيق سورية إلى مناطق غير متساويةٍ مقسمة بخطوط جبهاتٍ متقاتلة، تم الحفاظ عليها بمساعدة من القوى الأجنبية، ومناطق نفوذها: تركيا، وإيران، وروسيا، والولايات المتحدة كلها جلبت القوات على الأرض لمساعدة حلفائهم.

في ذلك التدافع للسيطرة من قبل الرئيس بشار الأسد، ومن قبل المتمردين، وداعميهم الدوليين، والجهاديين الراديكاليين؛ أصبحت إدلب الملاذ الأخير للمدنيين الهاربين، وأكبر معقلٍ للفرع المحلي من عناصر (تنظيم القاعدة) المدججين بالسلاح.

القوى الغربية مثل الولايات المتحدة التي ترغب في محاربة المتطرفين في إدلب هي التي تهدّد المدنيين، وتستثمر بكثافة في الجماعات المحلية التي تعارض الجهاديين. غير أنَّ الحكومة السورية وحلفاءها يقولون إنَّ إدلب ليست سوى ملاذ للإرهابيين، حيث فرض الجهاديون سيطرتهم، وهو رأيٌّ يتشارك بعض المسؤولين الأميركيين معه.

وقال بريت ماكغورك، مبعوث الولايات المتحدة إلى التحالف الذي يقاتل “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش)، الشهر الماضي: “إنَّ محافظة إدلب هي أكبر ملاذٍ آمن لتنظيم القاعدة، منذ 11 أيلول/ سبتمبر. إدلب الآن مشكلة كبيرة”.

ويقول عمال الإغاثة، والسكان: إنَّ الوضع هناك أكثرُ تعقيدًا، مع خليطٍ من المجموعات التي تكافح من أجل توفير الخدمات اللازمة للمدنيين، من جميع أنحاء سورية، الذين تم نقلهم إلى إدلب هربًا من الحرب. وعلى الرغم من أنَّ الجماعات المتطرفة قويةٌ عسكريًا، واحتج المدنيون على وجودهم، لكنَّ المسلحين لم يتدخلوا على نحو منهجي في المساعدات، على الأقل حتى الآن.

وقال نور عواد، المنسق الإعلامي لمنظمة (بنفسج) التي تعمل في إدلب: “معظم الناس يفكرون في المستقبل، وقلقون بخصوصه، ولكن حتى لو كانوا خائفين، إلى أين يمكنهم أن يذهبوا؟”.

السوريون في مطعم صغير في مدينة إدلب الشمالية التي يسيطر عليها المتمردون، الشهر الماضي. عمر حاج قدور/ وكالة الصحافة الفرنسية- صور جيتي.

انضم الكثير من سكان إدلب -وهي محافظةٌ فقيرة، ومعظمها مناطق ريفية على طول الحدود مع تركيا- إلى الانتفاضة ضد الأسد في عام 2011، وسرعان ما تشكلّت جماعاتٌ متمردة مسلحة، وميليشياتٌ إسلامية.

على مدى سنوات، أرسلت الولايات المتحدة، وحلفاؤها مساعداتٍ سرية للمتمردين، بما في ذلك الكثيرين في الشمال، لمحاربة القوات الحكومية السورية، وهو برنامجٌ أنهاه الرئيس ترامب مؤخرًا. ويقول النقاد إنّه على الرغم من وصول المساعدات إلى ما يسمى بالمتمردين المعتدلين، فقد استفاد منها الجهاديون أيضًا، لأنهم قاتلوا إلى جانب المتمردين، وأحيانًا اشتروا أسلحتهم.

وفي أماكن أخرى من سورية، ظلَّتْ الحكومة تحاصر جماعات المعارضة حتى استسلمت، حيث كان يُنقل آخر المتمردين والمدنيين غالبًا إلى إدلب. هذا الشهر، تم إرسال بضعة آلافٍ من اللاجئين من لبنان إلى إدلب في صفقةٍ بين “حزب الله”، الميليشيا الشيعية التي تدعم حكومة الأسد، و”هيئة تحرير الشام”، التابعة لـ (تنظيم القاعدة)، والمعروفة سابقًا باسم “جبهة النصرة”.

وذكرت الأمم المتحدة أنَّ عدد سكان المحافظة قد تضخم إلى مليوني شخص، نصفهم نازحون من مكانٍ آخر. وقد أدى وجود العديد من المحتاجين في مكانٍ واحد إلى عملية مساعدة كبيرة، حيث أرسلت عشرات المجموعات إمداداتٍ غذائية، وإمداداتٍ أخرى عبر الحدود من تركيا، وأنشأت مرافق طبية، ومشاريع أخرى في إدلب.

وكان مستقبل هذه المشاريع قد أثار شكوكًا، الشهر الماضي، عندما أوصلت الاشتباكات، بين الجماعات المسلحة في المحافظة، “هيئة تحرير الشام” كقوةٍ مهيمنة. وعلى الرغم من تغيير الجماعة لاسمها العام الماضي، وقالت إنَّها قطعت علاقاتها مع القاعدة، رفض المسؤولون الأميركيون الادعاء باعتباره دعاية.

وما زالوا يعتبرون الجماعة منظمةً إرهابية خطرة، كما تعتبرها تركيا أيضًا، إذ فرضت قيودًا على مرور البضائع التجارية عبر حدودها، خوفًا من أنْ تعود بالفائدة على الجهاديين. المعبر الحدودي، حيث تمر معظم المساعدات للمحافظة، والسلع التجارية، أصبح منذ فترةٍ طويلة مصدر ثروةٍ لمن يسيطر عليه، ويبدو أنَّ الجهاديين في وضعٍ يسمح لهم بذلك الآن.

وتقول جماعات الإغاثة إنهم لم يُجبروا على الدفع، وذلك لأنَّ الجهاديين يعرفون أنَّ مثل هذه المطالب ستوقف المساعدات التي يحتاجها الناس. وقال الجهاديون إنّهم سيشكلون هيئةً مدنية تحكم المحافظة، غيرَ أنَّه ما زال من غير الواضح متى يمكن أنْ يحدث ذلك، أو ما ستبدو عليه هذه الهيئة.

ويستمر العنف داخل المحافظة. وفي يوم السبت 12 آب/ أغسطس، قالت الجماعة على موقع (تويتر): إنَّ سبعة من عناصر الدفاع المدني السوري، وهي مجموعة تعرف أيضًا باسم

أظهرت صورة نشرتها وسائل الإعلام العسكرية المركزية السورية التي تسيطر عليها الحكومة، هذا الشهر، مسلحين مرتبطين بتنظيم القاعدة، يتم إخلاؤهم من لبنان إلى محافظة إدلب. غير موثق/ الإعلام العسكرية المركزية السورية، عبر أسوشيتد برس.

(الخوذ البيضاء)، مهمتهم أن ينتشلوا الناس من تحت الأنقاض بعد الغارات الجوية، قُتلوا بالرصاص في مكتبهم في إدلب، على يد مهاجمين مجهولين.

وقد هدد الاقتتال الأخير بين الجماعات المسلحة في إدلب اقتصاد المحافظة الذي قال السكان إنَّه كان يتحسن. وعلى الرغم من عدم وجود وقفٍ رسمي لإطلاق النار يغطي المحافظة، لكنها نجتْ من الضربات الجوية السورية، والروسية في الأشهر الأخيرة.

خلال فترة الراحة النسبية، انطلقت الأعمال التجارية، مع بناء السكان المحليين المباني الجديدة، وفتح معارض بيع السيارات، والمصانع الصغيرة. كما فتحت مجموعة مساعداتٍ تركية مركزًا تجاريًا، حيث تتسوق الأسر المحتاجة بالقسائم.

ويرى بعض السكان أنَّ إدلب هي آخرُ محطةٍ من الانتفاضة ضد الأسد، وبدايةُ مجتمعٍ سوري جديد. فقد شارك الآلاف من الناس في بلدة واحدة، سراقب، في الانتخابات المحلية، الشهر الماضي، وأزيل رئيس جامعة إدلب عن منصبه مؤخرًا، وهو أمرٌ اعتبرت الكليّة أنّه لم يحدث قط بالنسبة لرئيس سورية.

وقال وسام الزرقا، وهو مدرس اللغة الإنجليزية: “إنه مثل الرهاب”. وأضاف “لا نريد أنْ يبقى أحدٌ رئيسًا لفترة طويلة”.

ولكن بما أنَّ الداعمين الخارجيين للمتمردين، بمن فيهم الولايات المتحدة، قد قطعوا دعمهم، فإن حكومة الأسد، المدعومة من روسيا وإيران، توسّع سيطرتها. في مرحلةٍ ما، يتوقع الغالبية، ستأتي المعركة إلى إدلب.

وقال محمد يافا، وهو مهندسٌ يساعد في إعادة استقرار النازحين: “نحن ننتقل من مأساةٍ إلى مأساةٍ أكبر”. وأضاف: “إنَّهم يرسلون الجميع إلى هنا، ولا نعرف ما سيحدث لهم في النهاية”.

وفي حالة اندلاع أعمال عنفٍ جديدة، فإنَّ خيارات المدنيين قليلة. ويخشى الكثيرون من الاعتقال، أو التجنيد الإجباري إذا عادوا إلى المناطق الحكومية، حيث أغلقت تركيا حدودها، والحراس يطلقون النار -وأحيانا يقتلون- على الناس الذين يتسللون.

وقال علي الجمعة، وهو طبيبٌ هرب إلى إدلب من منزله في الجنوب، إنَّه يشعر مرة أخرى بالحبس. وأضاف: “إنّه يعيش الآن على حافةٍ حقل ألغام آخر”.

اسم المقالة الأصلي In a Syria Refuge, Extremists Exert Greater Control الكاتب بين هبارد، Ben Hubbard مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times، 13/8 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2017/08/13/world/middleeast/idlib-syria-displaced-militants.html ترجمة أحمد عيشة


المصدر