الجمهورية الـ “بسطارية”


مشعل العدوي

أصبحت ظاهرة “البسطار” ظاهرةً لافتة للنظر، على أكثر من صعيد، و”البسطار” كلمة تركية تعني المداس أو الخف أو الحذاء الكبير الذي يلبسه أهل القرى والجنود في أقدامهم، أما في اللغة الفارسية، فإن كلمة “بسطار” تعني الضعيف المتقلب.

من الملاحظ أن هذه المفردة بدأت تطبع حقبةً زمنية كاملة من تاريخ سورية، فمن تونس تحضر الإعلامية التونسية كوثر البشرواي إلى دمشق، لتظهر على قناة حلب التلفزيونية، وقد أحضرت معها إلى الأستوديو “بسطارًا” لتُخرجه من حقيبتها وتُقبّله على الهواء مباشرةً، ولكن الجمهور عبّر عن غضبه، واتهم الإعلامية التونسية بممارسة الغش، لكون الحذاء صاحب القبلة السعيدة جديدًا وغير مستخدم، ودعوها إلى تقبيل أحذية حقيقية، في المرات القادمة.

أما الفنان السوري زهير عبد الكريم الذي قام بتقبيل حذاء أحد الجنود؛ فقد أزعجه أن البعض قد أنكر أن تكون الصورة حقيقية، وخرج بتصريح صحفي، يؤكد فيه حقيقة الصورة وحقيقة تقبيله للحذاء، معبرًا عن عميق انتمائه إلى هذه الحقبة “البسطارية”، وأكد ذلك فيما بعد في أكثر من لقاء تلفزيوني.

أبعد من ذلك، نشرت (فيوز إف إم) موضوعًا بعنوان (من حذاء جيشنا العظيم، ستزدهر البلاد)، حول “فنان سوري من أشرفية صحنايا يُحوّل البوط العسكري إلى آلة موسيقية، يا مَن بلحن أوتارك تخط رسالةً سيسمعها العالم أجمع، أننا من حذاء جيشنا العظيم ستزهر البلاد، الفنان غالب بدران، شكرًا لك”.

ثم يأتي مسؤول رفيع في حزب البعث، كان قد شغل مناصب مهمة وما زال، من منصب وزير وسفير إلى عضو في القيادة القطرية، وينادي بإعلاء شأن “البسطار” وجعله قِبلةً “للتائبين”، عليهم تقبيله بحضور وسائل الإعلام. وقد علق الدبلوماسي والشاعر السوري نور الدين اللباد، على هذا المسؤول، بقصيده يقول فيها:

هذا حذاءٌ أمْ عَلَمْ/ يا أيُّها البغلُ البجمْ

هل هذي رايتُكَ التي/ تهتزُّ في أعلى القمَمْ

هذا هو الجيشُ الذي/ صان البلادَ ولم يَنَمْ

هذا هو جيشُ الخنا/ جيشُ الحظائر والغنمْ

جيشٌ إذا نظرَ العِدا/ تركَ البنادقَ وانهزمْ

جيشٌ عقيدتهُ هوَىً/ يجثو ويركعُ للصنمْ

إنْ كانَ هذا المستوى/ جُلَّ اعتذاري للغنمْ.

لا نعلم على وجه الدقة، لماذا اختار كل هؤلاء الحذاءَ لتقديسه؟ لماذا لم يختاروا تقبيل يد الجندي مثلًا أو جبينه أو خوذته؟ لماذا اختاروا من الجندي أكثر أشيائه اتساخًا؟! ألم يروا في الجندي المسكين أكثر من حذائه، ليتخذوه رمزًا لأمجادهم الشخصية؟!

وصل الأمر إلى حدود أصبحت بحاجة إلى باحثين من فلاسفة وعلماء نفس واجتماع، لنستطيع فهم ما يحصل، فساحات الوطن بات يزينها النصب التذكارية التي تُجسّد “البسطار”، ويتفنن النحاتون بالشكل والحجم والمواد المستخدمة، وربما هم في طور إنشاء بوابات للمدن على شكل قطعتي حذاء عسكري، على يمين المدخل وشماله، يرتفع فوقهما صورة لـ “البسطار” الأكبر.

ولربما بعد عقود من الزمن، ستشهد الأجيال القادمة جامعات ومعاهد بحث، تتحدث عن الحقبة “البسطارية” من تاريخ سورية، فمن إيبلا وأوغاريت وتل ماري وحضارة زنوبيا، من الأنباط والغساسنة وصلاح الدين وبنو أمية يمتد تاريخ سورية وصولًا إلى جمهورية البسطار والحقبة “البسطارية” ومع امتداد وانتشار الفكر “البسطاري”، وربما سنشهد عولمة للبسطار، ففي أميركا، وجد المحققون في الأحداث العنصرية أن بعض العنصريين المشاركين هم من مؤيدي بشار الأسد، وبالأمس تُصرّح الشرطة الإسبانية أن “أوكبير” سفاح برشلونة أيضًا من مؤيدي بشار الأسد، ومن المنتمين للفكر “البسطاري”، هذا علاوةً على أن من يحكم سورية هو حلف بين البسطار الروسي والبسطار الإيراني، لتبقى مهمة الرئيس السوري هي “بويجي” لتلميع البسطارين آنفي الذكر، ولتكريم الهاتفين بحياة البسطار والمروجين له فكرًا وانتماءً.




المصدر