ما مصير فتيات “داعش” بعد سقوط التنظيم؟


muhammed bitar

الحرب على تنظيم “داعش” الإرهابي الذي تمكّن منذ 2010 من مدّ شبكاته ومجنديه عبر العالم، وأبقى دولا كبرى في حال طوارئ، هي أكبر من مجرد دكّ معاقله وملاحقة مقاتليه، لأنها في جانب منها حرب على عائلات انتمت إليه بنسائها وأطفالها، حرب على مراهقين ومراهقات أجبرهم التنظيم أو غرر بهم، فالتحقوا به أو بخلاياه المنتشرة لنصرته.
وبعيدا عن الدخول في متاهة تأسيس وتمويل وتسهيل نمو التنظيم عبر القارات، بدا جليا أن المجتمعات الغربية والعربية على السواء لم تكن محصنة ضد التطرف، فهل ستكون مستعدة لمرحلة ما بعد “داعش”؟

فتيات “داعش”، أو كتائب “الخنساء” مع ما تعرضن له من أهوال الخطف والحبس والاغتصاب والجلد العلني والبيع والتزويج بالإكراه والتعذيب بأنواعه والتجويع، عدا التحقير والإذلال، نموذج “داعشي” نحاول استطلاع واقعه المرتقب مع تداعي التنظيم. سواء عادت الفتيات إلى ديارهن أو لم تعُد، فإن النتائج المريرة والمدمرة لبعضهن ستظهر علاماتها نفسيا واجتماعيا عليهن كأفراد، وعلى محيطهن الأسري والمجتمعي.

لنعرف مصير هؤلاء الفتيات، وكشف الدوافع والأسباب الكامنة خلف انسياقهن وراء فكر التنظيم المتطرف، وسبل منع وقوعهن بمسارات متطرفة أخرى لاحقا، تحدثنا إلى الأستاذ في الجامعة اللبنانية والباحث في علم النفس الاجتماعي، الدكتور مأمون طربيه.
لماذا اختارت الفتيات الالتحاق بتنظيم “داعش”؟

التحليلات التي ناقشت أسباب ظاهرة التحاق الفتيات الغربيات بتنظيم “داعش”، وتناولها الإعلام الغربي، اعتبرت أن الفضول والبحث عن الهوية وعن الحرية وطلب الحماية بعيدا عن الغرب الذي ترتفع فيه معدلات الجريمة والمخدرات والبطالة، من أبرز الدوافع.
ويتعمق الدكتور مأمون طربيه في تحليله لـ”العربي الجديد”: “إذا نظرنا للفتيات اللواتي اخترن الانضمام إلى داعش من الناحية السوسيولوجية، نجد أنهن يعانين من أزمة فراغ وافتقاد للدعم النفسي، ونرى لديهن نقصا في مهارات الحياة، وبناء على ذلك اخترن ملء هذا الفراغ بالانتقال إلى واقع غريب وغير مألوف لديهن”.

ويعتبر طربيه أن “هؤلاء الفتيات بحثن عن واقع جديد يقلب واقعهن المعاش، ويعطيهن معنى آخر لوجودهن ويعيد الاعتبار لذواتهن. فهن يتطلعن إلى عيش حالة من الشغف بشيء جديد لا يشبه حياتهن مطلقا، وربما يبحثن عن النقيض”، مركزا على “نشاط الفتيات، وأكثرهن من المراهقات، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سهّل إمكانيات وصول التنظيم إليهن، والتغرير بهن بوعود وأحلام، منها المال والعمل والزوج والأسرة والفردوس”.

ويوضح أن “الصور الذهنية التي رسخت في عقول أولئك الفتيات كانت نتيجة سوء تقدير لما سيكون عليه الحال في الواقع، فاقتناعهن بالكلام والأفكار التي سمعنها وتلقّينها عن حمل السلاح مثلا وعن الزواج وعن واقع المرأة لدى التنظيم يعود إلى فقرهن المعرفي، فالفقر أنواع وهو ليس مادياً بالضرورة”.

ويبيّن أن “هؤلاء الفتيات لديهن معاناة وأزمة يمكن أن تكون مالية أو عاطفية أو نفسية وأزمة هوية وغيرها، وشدة الأزمة والفراغ يدفعانهن إلى سلوك اتجاه متطرف في الحياة”، مشيرا إلى “حالات أخرى يعانين من الأزمات ذاتها نجدهن يتجهن نحو البغاء مثلا، أو إلى امتهان مجالات خارجة عن المألوف، أو ينتظمن في جمعيات أو تنظيمات متطرفة فكرها أصولي، كما هو الحال مع فتيات داعش”.

ويصف أولئك الفتيات بأنهن “في حالة هروب من واقعهن نحو مكان يعتقدن أنه سيعيد الاعتبار لكيانهن وذواتهن”، ويتساءل: “لكن ماذا وجدن عند اختبار التجربة، واكتشافهن أن الوعود كانت واهية؟ إنها أزمة وجود تصيبهن، يعشن صدمة من الواقع الجديد، ويبدأ صراعهن الداخلي، ويترجم بالإحباط الذي يصل ببعضهن إلى الانتحار”.

ما هو مصيرهن بعد فشل التجربة؟

الوعود الواهية التي أعطتها “كتيبة الخنساء” للفتيات، التي تصيدت ضحاياها منذ تأسيسها عام 2014 في الرقة السورية، ما لبثت أن بانت حقائقها وخلفياتها مع اعتقال “أم سياف”، زوجة القيادي بتنظيم “داعش” الإرهابي أبو سياف، في مايو/أيار 2015، التي كشفت عمليات تجنيد النساء، وفرض “زيجات” أشبه بالعبودية الجنسية داخل تنظيم “داعش” وغيرها.

ومع انحسار رقعة تواجد التنظيم وضرب معاقله عسكريا، وتكشّف مراحل فشل مشروعه، يشير طربيه إلى مصير الفتيات “الداعشيات” اللواتي أجبرن على الانضمام للتنظيم، أو ذهبن طوعا إلى معاقله، على المستوى النفسي والاجتماعي.

ويوضح أنه “من الضروري توفير المساعدة التي تمكنهنّ من إعادة النظر بالمواقف التي اتخذنها، وكانت حاسمة يوما ما في حياتهن، مثل اختيار المواجهة عن طريق السلاح، أو اختيار طريقة العيش تبعا للفكر الجهادي، فتغيير النظرة تجاه الأمور هي الخطوة الأساس التي تمكن المعالج من مساعدتهن على إيجاد البدائل”.

ويرى طربيه أن “إيجاد الحلول للمشكلات مسألة يجهلها الكثير من الناس، والأمر لا يقتصر على هؤلاء الفتيات بالطبع”، لذلك يعتبر أن “المطلوب وجود مؤسسات رعاية وعلاج، لأن هؤلاء يعانين بعد تلك التجربة من القهر والإقصاء الاجتماعي، ولا شك أن لديهن ما نسميه في علم النفس الاجتماعي المشكلة التي تولّد مشكلة، لأن اختيار سلوك غير مألوف سيترك آثاره وأزماته بعد الفشل، وبقاياه تستمر لديهن شهورا وربما سنوات تبعا لشخصية الفتاة وتعاملها مع الصدمة”.

ويعتبر أن لدى الغرب استعدادا أكبر لمعالجة تبعات القضية أكثر من الدول العربية، مع وجود مراكز تأهيل تتابع وتقيّم وتتدخل اجتماعيا مع الظاهرة عموما وليس فرديا فقط.




المصدر