نجوم عسلٍ وأعراسُ دم


حسان عزت

كنت أحلق في سماوات علا

عندما قصّوا جناحيّ بصاروخ ليزري

كان في دمي هتافُ شعبي

وكنتُ مثخنًا بالجراح

ولم أسقُط

وعندما ضربوا بالسّارين قلبي

تحطّمت عشرة آلاف نجمة

وكوشة عرس منصوب

تهدّمت مصاطبُ الموسيقا

وهوى ألفان من طيور الحبقِ إبّان صدحِها

وعلى خشبة المسرح

لم يسقط قلبي

ولم يسقُط ظلّي عن الجدارْ

كانتْ غاشيةُ الصرخات

وأنا في ليل العاصفةِ والرّيح

وكان جسدي المصاب لولب يهوي

أما روحي فكانتْ

تكزّ على الحياة بآخرِ النّفَس والذِّماء

الرغبة القصوى تصعد بي

والعالم يتساقط

وسمادير الصور تنوء

كان العالم يتزاحم بالأخْبار

وكانَ طوفانٌ وأعاصيرُ وسماءٌ بأفلاكها

تهوي تهوي

وأنا أحاولُ ألا أنْحَني

ولا أسقطُ من روح

كانَ وترُ الكمانِ مشدودًا إلى رمقه الأخيرْ

بكلّ مثارِ الرّعشةِ

وأنا بين فلٍّ وبنفسجٍ ونار

كانَ البنفسجُ يتفتّحُ بين ثلجٍ وأملٍ

وكانَ يتطاولُ ليعانقَ سماوات

ويهمسَ بأسرارٍ

كانتِ الريحُ تعصفُ تشدُّ

ولم أكن لأهوي

ولم أكن أسلم الروح للخيانات

الصّرخةُ على أشدّها

ولم أفْتح شفتيَّ بالألم

وكانتِ السّماء تحفلُ بطيوفٍ من بجعٍ

وبوازيّ وعقبان

تحومُ دائراتٍ حَولي وتدهشُ لهذا

الطائر الدّامي الغريب

يعاندُ يتكور ينوء يغشى ولا يسقط

وكانت تمرُّ طيورٌ بأزمان تزعقُ وتجرُّ

الغيومَ من أردانها

وأنا بقلبي وقد أصيب بمقتله

ألهث بالذّماء وآخرِ الرؤى

أهبطُ مع العاصفةِ والحمّى

أهبطُ ولا أصعدُ أرتفعُ ولا أموت

وعلى شفتيَّ صداحُ فجرٍ أخير

يا لشعبي الذي أشعلَ الأعراسَ وضفرها

بالمجْد

يا لسومرَ البكاراتِ تنهضُ في شاميرام

في كلِّ جُرحٍ من جراحي

في كلّ طعنةٍ كنت أرتَفِعُ

في كلّ خيبةٍ وميتةٍ وحطام

وكان لي هناكَ في سماءِ النّجوم مأوى

لكواكبَ وأحلام

وكانَ لي عيدٌ لكوكبٍ وقارّات

يتفتّحُ ولا ينطفئ

غريبٌ أنتَ يا جُرحي إلى متى تنزفُ

وتتفتّحُ بكَ الورود

إلى متى غماماتُ المطر

وفراشاتُ الأغنيةِ

وفجرُ المواعيد ولا تَهوي

ألا ما أشدَّ دهشتي وهي تحلّقُ باشتعالِ

المرارات

وتتحوّل إلى موسيقى أرجوانٍ ورايات

كيفَ وقدْ راهنَ الكذبةُ والقتلةُ والأفّاكونَ

على ذبْحي

وقد راهنَ المكاريّون والسّفلةُ على نطاحِ

أثواري

ووعولِ سُهولي وقدْ أثخَنتْها الطّعناتُ

وها نُجومي التي تحتَرقُ ولا تسقُطُ

وها جراحاتُ شعبي بشموسٍ

كأنها في أديم الريح

كأنّها في غابات الغاشية والسّديم

أيُّها المسرحُ الحاشدُ بالأزمان والأوطان

وأمم الحكايا

لا تنتظرْ نهايةَ المسرحيّة ولا فَصْلَها الأخير

فالأبطالُ هنا من أضواء وصور وظلال

والديكور المضفورُ بالرّوح يوشّحُ نفْسَهُ

وخشبة العنفوان تُشارك النّظارةَ بمسيرة

الآلام

ودروبِ الأشواكِ والدّم

فانتظرْ تراجيديا بسطوةِ الأبد

تفتتح الصّالة العُظمى بِعرضها الجديد

وانتظرْها

هللويا.




المصدر