نيزافيسيمايا غازيتا: الوحدة العربية محل شك


سمير رمان

الصورة: Getty images

غيّر التدخل الغربي، في شؤون دول الشرق الأوسط، الذي ظهر جليًا في العراق وليبيا وسورية، المظهرَ السياسي للمنطقة تغييرًا جذريًا؛ وكانت النتيجة الرئيسية لهذا التدخل زيادةً غير مسبوقةٍ في عدد التنظيمات الإرهابية. من بين كل هذه التنظيمات، يعدّ “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام/ (داعش)”، واحدًا من أكثر هذه المجموعات كرهًا للبشر، فقد وصل به الأمر إلى إقامة ما يشبه الدولة (بعدد سكانٍ يقارب 8 مليون إنسان).

وقد كلف عبث الدول الغربية مع القوى المتطرفة غاليًا، ليس فقط في الدول المذكورة آنفًا (سورية، العراق، ليبيا)، إنما في عدد آخر من الدول كتونس، ومصر، والجزائر أيضًا. في الـ 11 من شهر آب، تحدث وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن هذا الأمر، عندما قال: “النتائج ماثلةٌ أمام أعيننا: أزماتٌ، نزاعاتٌ، دولٌ تنهار. مؤسسة الدولة في العراق وليبيا في خطرٍ محدقٍ، وفي الوقت نفسه، زُرعت الفوضى في عددٍ آخر من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد فتح التدخل في العراق وليبيا البابَ أمام الإرهابيين في الجزء الأكثر تخلفًا في القارة الأفريقية، بما في ذلك، كافة دول وسط أفريقيا، بالإضافة إلى آسيا الجنوبية- الشرقية….. ومن ثم فُتح الطريق أمام المتطرفين والإرهابيين إلى أوروبا أيضًا”.

بدأ الوضع في الشرق الأوسط يتغير على نحو حاد، بعد 30 أيلول 2015، عندما بدأت القوات العسكرية الجوية الفضائية الروسية، بناءً على طلبٍ من الحكومة السورية، بالقيام بعمليات جويةٍ نشطة على أراضي الجمهورية العربية السورية؛ وقد حال هذا التدخل دون استيلاء الإرهابيين الإسلاميين على دمشق، وغيّر ميزان القوى في المنطقة. تلقى الإرهابيون ضربة حاسمة، كانت نتيجتها تقلص أعدادهم وانحسار نفوذهم، بالإضافة إلى تحرير مدينة الموصل العراقية من قبضة “تنظيم الدولة الإسلامية”.

في واقع الأمر، أصبح خريف عام 2015 نقطة تحولٍ مفصلية في تاريخ المنطقة السياسي كله، وأدت العمليات الإيجابية، المرتبطة بتحطيم أكثر المجموعات الإسلامية شراسةً، إلى تنشيط جهود التسوية السياسية للأزمة السورية.

ومن المناسب هنا أن نشيرَ إلى حقيقة بروزٍ متميزٍ لاتجاهين جديدين في المنطقة: أولهما الضعف النسبي الذي أصاب النفوذ الغربي في المنطقة، وقبل كل شيءٍ نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، وثانيهما ازدياد دور اللاعبين الإقليميين، ولا سيّما إيران، وتركيا، وكذلك المملكة العربية السعودية ومصر.

يجب أن نشير، في هذا الخصوص، إلى منحًى مهم مرتبطٍ بتأثير نتائج ما يسمى بالربيع العربي، وبالتحديد: ارتفاع نشاط الجماهير الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط، وتنامي دور المجتمع المدني، هذا الدور الذي سيكون -بالتأكيد- أكثر وضوحًا في المرحلة القريبة المقبلة.

أبعدت أحداث المنطقة الأخيرة فكرةَ الوحدة العربية عن جدول الأعمال اليومي؛ فقد أصبحت الدول العربية متفرقةٍ إلى درجة غير مسبوقة، وتعمقت الخلافات بينها أكثر من قبل بكثير. على التوازي، بدأت تتشكل في المنطقة تجمعات وأحلافٌ، لم يكن أحدٌ ليتصورها قبل فترةٍ من الزمن، لأنها كانت تبدو غير معقولةٍ البتة. وفي الوقت نفسه، فإن هذه التجمعات تتشكل، من جهةٍ، فيما بين الدول العربية نفسها، وبين دولٍ عربية وإقليمية من جهةٍ أُخرى، كتحالف العرب مع أنقرة وطهران، على سبيل المثال.

مجلس تعاون دول الخليج (الفارسي) مجمدٌ الآن تقريبًا، ويرى بعض المحللين السياسيين أنه لن يتجدد من جديد في المستقبل القريب المنظور. وفي الآونة الأخيرة، وبسبب الخلاف مع سياسة قطر، تشكل تجمعٌ جديد يضم المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين ومصر، حيث تنسق الدول الأعضاء في هذه الرباعية خطواتها، وخصوصًا في ما يتعلق بالضغط على القيادة القَطرية.

إضافةً إلى ذلك، يومًا بعد يومٍ، يتبلور أكثر فأكثر محور تركيا – قطر؛ إذ لم تكتف أنقرة بإرسال عددٍ من وحداتها العسكرية إلى الدوحة، بل أعلنت أيضًا عن استعدادها لتأمين كل ما هو ضروري من احتياجات الإمارة. يستند هذا التحالف إلى وحدة مواقف الدولتين في دعم تنظيم “الإخوان المسلمين” الذي تعدّه دول مجلس التعاون الخليجي منظمةً خارج القانون (وهو تنظيم محظور في روسيا أيضًا). كما أصبح التعاون واضحًا جدًا بين تركيا وقطر في ليبيا، بالإضافة إلى تزايد هذا التعاون في ما يخص النزاع السوري.

على التوازي مع هذا، يتشكل حاليًا محور (طهران-بغداد-دمشق)؛ حيث يحاول أعضاء هذا التحالف جاهدين جر لبنان إلى نشاطاته، آخذين بالحسبان تنامي تأثير تنظيم “حزب الله” الشيعي على الساحة اللبنانية. يلاحظ المراقبون وجود تنافس معين بين هذه التجمعات، وسعيها إلى ضم دولٍ عربية جديدة إليها.

في غضون ذلك، يطرح موضوع مصير الأكراد في المنطقة نفسه بقوة، وهو الموضوع الأكثر إثارةٍ وإيلامًا. فاليوم، يحلم هذا الشعب الذي يبلغ تعداده نحو 30 مليون إنسان، بالحصول على دولته الخاصة، إلا أن تلك الدول التي يعيش الأكراد على أراضيها الأكراد (تركيا، إيران، العراق وسورية) تنظر إلى هذه التطلعات بحذرٍ شديد.

العامل المهم والجديد مبدئيًا، في هذا الوضع، أصبح تنسيق الأعمال بين روسيا، تركيا وإيران في ملف الأزمة السورية، بما في ذلك، أن المنصة التي أنشأتها هذه الدول في أستانا للتباحث بشأن الأزمة، بدأت تحمل نتائج محددة في مجال وقف إطلاق النار، وفي التوصل إلى تهدئة الأوضاع في الجمهورية العربية السورية عمومًا.

يربط الكثير من المحللين العرب هذه الإنجازات بتنامي هيبة ونشاط روسيا الاتحادية في منطقة الشرق الأوسط، مؤكدين أنه لا يمكن -الآن- حلّ أي نزاعٍ في المنطقة من دون مشاركة موسكو. وبشكلٍ عام، تزداد القناعة في العالم العربي أن دور روسيا الاتحادية، في الشرق الأوسط والشرق الأدنى، سيزداد في المدى المنظور، سواء كان الأمر يتعلق بالنزاع الليبي، العراقي، السوري أو اليمني.

اسم المقالة الأصلية Арабское единство под вопросом كاتب المقالة بنيامين بوبوف مكان وتاريخ النشر  صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا. 18 آب 2017 رابط المقالة http://www.ng.ru/kartblansh/2017-08-18/3_7054_kartblansh.html ترجمة سمير رمان




المصدر