‘نيو يورك تايمز: هل يمكن لأحد أن يمنع إيران من السيطرة على العراق؟’
21 آب (أغسطس - أوت)، 2017
أحمد عيشة
تعود الموصل إلى سيطرة الحكومة العراقية، ويبدو أنَّ الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) تقترب من نهايتها. هذه هي الأخبار الجيّدة؛ ولكن إحدى النتائج الثانوية للحملة هي أنّ انتشار إيران يتوسع الآن بعمقٍ أكبر في جميع أنحاء العراق، ويبدو من غير المرجّح أنْ يختفي في الوقت القريب.
وفرت الجماعاتُ شبه العسكرية التي تتلقى الإمدادات والدعم من إيران قوةً قتالية حاسمة في معركة الموصل، وغيرها من المناطق المحررة من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) من قبل، كونها تعبرُ الحدود بين إيران والعراق متى تشاء. وقد وافقت الحكومة العراقية، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، على تلك الأمور، وشكلّتْ جزءًا من قوات “الحشد الشعبي”، وهي تحالفٌ من الجماعات شبه العسكرية، بعضها له ولاءات متعددة.
أعلن أبو مهدي المهندس -وهو قائد شبه عسكري، يُعدّ أحد أقرب حلفاء إيران في العراق- في 4 تموز/ يوليو، أنَّ قوات “الحشد الشعبي” لن تختفي، حتى لو أمرتْ الحكومة بحلّها. وجاء تصريح السيد المهندس مؤيدًا أساسًا لإيران، قائلًا إنّها تخطط لحماية مصالحها في العراق لسنواتٍ قادمة. وتعتزم هذه الوحدات، والقوى السياسية المرتبطة بها، منع العراق من وضع سياسته الأمنية المستقلة التي يمكن أنْ تحدَّ من قدرة إيران على دعم حلفائها في سورية، وفي أماكن أخرى.
لكنَّ العديد من العراقيين ليسوا سعداءَ لرؤية إيران تعمل في بلادهم، من خلال الجماعات المسلحة المحلية، وليست هذه مجرّد قضيةً طائفية؛ إذ يريد كثيرٌ من الشيعة أنْ يتقلصَ نفوذ إيران. وبالإضافة إلى العداوات التاريخية والاختلافات اللاهوتية مع إيران، فإنَّ معظم العراقيين -السنّة والشيعة على السواء- قد أرهقوا لعقودٍ من الصراع، والقلق من أنَّ تدّخل إيران سيعزز المواجهة.
قبل الانتخابات العامة في العام المقبل، تسعى غالبية كبيرة من القوى السياسية العراقية إلى تعزيز استقلالها عن إيران. رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يمكن أنْ يستثمر الانتصارات الأخيرة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، قد توترت علاقاته منذ فترةٍ طويلة مع إيران، وأصبح الآن ناقدًا للسلوك غير القانوني لبعض عناصر قوات الأمن، بما في ذلك الجماعات المدعومة من إيران. وكان موقف حكومته هو تعزيز مؤسسات الدولة، وتدعيم القيادة.
صورة آية الله العظمى علي السيستاني، الزعيم الروحي الشيعي في العراق. يمكن أن تشكل أعماله تحديًا حقيقيًا للهيمنة الإيرانية. حيدر حمداني/ وكالة الصحافة الفرنسية- صور جيتي.
وفي الوقت نفسه، أعلن عمار الحكيم، أحد كبار السياسيين العراقيين، وسليل إحدى العائلات الشيعية الأبرز في البلاد، في أواخر تموز/ يوليو، أنّه سيغادر المجلس الإسلامي العراقي الأعلى، وهو حزبٌ سياسي أسسته عائلته في طهران بمساعدةٍ إيرانية في الثمانينيات، وقد شكّل أيضًا حزبه الخاص الذي يواصل من خلاله استقلاله عن إيران.
كما أنَّ الحركة الصدرية التي تمثل ملايين المسلمين الشيعة الفقراء في بغداد، وجنوبي العراق، اصطفتْ أيضًا علنًا في المعسكر المناهض لإيران. وقد قام زعيم الحركة الشعبية مقتدى الصدر، بزيارةٍ هذا الصيف إلى السعودية التي تعدّ أكبر منافسٍ إقليمي لإيران، كما زار دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي دولةٌ سنيّة أخرى تعارض إيران. وكانت هذه الرحلات تهدف إلى المساعدة في تطوير العلاقات الثنائية؛ وبالتالي استقلال العراق عن إيران.
الائتلاف السياسي الرئيسي الوحيد الذي اعتمد رسميًا نهجًا مواليًا لإيران، هو الذي يقوده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ومنذ مغادرة منصبه في عام 2014، كان السيد المالكي ملوثًا بالهزيمة المهينة للقوات المسلحة من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث يتحمل مسؤولية ذلك، مما أثر على شعبيته. وقد سعى منذ ذلك الحين إلى إعادة تقديم نفسه كنصيرٍ عراقي مؤيد لإيران في مواجهة قائمةٍ متزايدة باستمرار من المتآمرين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، و”إسرائيل”، والأكراد، والولايات المتحدة، من بين آخرين.
ومع اصطفاف جميع القوى السياسية العراقية تقريبًا ضد إيران في عام 2018، يبدو من المرجح أنَّ القوى الموالية للإيرانيين ستلقى هزيمةً شنيعة في الانتخابات، ومع ذلك يبدو من المرجح أنَّ هذا لن يكون له أي تأثير يُذكر على نفوذ إيران في العراق.
في النظام الانتخابي العراقي، من الصعب جدًا على أيّ تحالفٍ واحد أن يأخذ أكثر من 20 في المئة من الأصوات. وهذا يعني أنَّ التحالفات المختلفة يجب أنْ تشارك في تفاهماتٍ مفيدة للجميع، وتبني ائتلافًا لتشكيل حكومة. وبينما تحاول الأطراف تأمين وزاراتٍ ثرية ومربحة، ستغيب عن أذهانها الأهداف التي انطلقت منها، مثل الاستقلال العراقي. ومثل كل حكومةٍ شُكلّت منذ الغزو عام 2003، سوف تتكون الحكومة التالية من الأحزاب التي تجرُّ البلاد نحو اتجاهاتٍ مختلفة. إنَّها وصفةٌ للتقاعس عن العمل، وإيران ستستغل ذلك.
لا يمكن للولايات المتحدة، ولا المملكة العربية السعودية، ولا لأيّ بلد آخر أنْ يكون له تأثير حاسم. وقد فشلت البلدان الخارجية على الدوام في التأثير إيجابًا على السياسة العراقية. وإذا كانت هذه الأطراف تريد حقًا منع النفوذ الإيراني، فينبغي لها أنْ تقدم المساعدة إلى الوحدات الأمنية، مثل دائرة مكافحة الإرهاب التي كانت إلى حدٍّ بعيد القوة الأكثر فاعلية ضد “الدولة الإسلامية”. إنَّ النجاح المستمر لوحدات الأمن المهنية، بدلًا من الجماعات شبه العسكرية المدعومة من إيران، سيسمح للعراق بضمان أمنه.
وفي ظلّ هذه الخلفية، ما تزال هناك ورقةً واحدة يمكن أنْ تشكلَّ تحديًّا حقيقيًا للهيمنة الإيرانية: تدخل آية الله العظمى علي السيستاني، الزعيم الروحي الشيعي في العراق.
في عام 2014، أصدر آية الله السيستاني فتوى دعت العراقيين للدفاع عن الدولة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”؛ وتجاوبًا مع ذلك، انضم عشرات الآلاف من الشيعة إلى الجيش، والجماعات الأخرى، بما في ذلك القوات شبه العسكرية المؤيدة لإيران. وكان تأثير الفتوى غير المقصود هو إعطاء هذه الجماعات شكلًا من أشكال الشرعية الدينية، وقد تكهن العديد من المعلقين بأنّ آية الله السيستاني قد يكون الآن على أعتاب إلغاء فتواه؛ الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى إجبار قوات “الحشد الشعبي” على حلّ ذاتها.
في الوقت الحالي، يبدو ذلك مستبعدًا؛ إذ نالت قوات “الحشد الشعبي” شرعيةً واسعة لمساهمتها في المجهود الحربي، ويريد العديد من العراقيين الحفاظ عليها كجزء من قوات الأمن الرسمية، حتى إن السيد عبادي عارض أيّ حلٍّ من هذا القبيل، لكثير من هذه الأسباب نفسها.
لكن فتوى جديدة من آية الله السيستاني، بعد التحرير الكامل للأراضي العراقية من تنظيم “الدولة الإسلامية”، يمكن أنْ تعيد تحديد التزامات أولئك العراقيين الذين تطوعوا في عام 2014 لدعم الجيش والشرطة في العراق، حيث يحظر على العراقيين القيام بأيّ أعمالٍ من شأنها أن تقوّض سيادة العراق الوطنية. وقد أصرَّ السيد العبادي بالفعل على أنَّ قوات “الحشد الشعبي” ممنوع عليها العمل خارج العراق. إذا دعمت المؤسسة الدينية رئيس الوزراء في هذا؛ فمن الممكن أن تدفع العراق نحو مزيدٍ من الاستقلال عن إيران.
منذ عام 2003، فشل آية الله السيستاني، والمؤسسة الدينية إلى حدٍّ كبير في السيطرة على أسوأ الاتجاهات في السياسة العراقية. الآن الرهانات عالية جدًا لأن هناك سببًا للأمل في اتخاذ إجراءاتٍ أكثر حسمًا. مستقبل العراق في أيديهم، وهامش الخطأ صغير على نحو مثير للقلق.
اسم المقال الأصلي
Can Anyone Stop Iran From Taking Over Iraq?
الكاتب*
زيد العلي، Zaid al-Ali
مكان النشر وتاريخه
نيو يورك تايمز، The New York Times، 15/8
رابط المقال
https://www.nytimes.com/2017/08/15/opinion/iran-iraq-politics.html
ترجمة
أحمد عيشة
مستشار قانوني للأمم المتحدة في العراق في الفترة من 2005 إلى 2010، وهو مؤلف “الكفاح من أجل مستقبل العراق: كيف قوض الفساد وعدم الكفاءة والطائفية الديمقراطية”.
[sociallocker] [/sociallocker]