هل سيعود اللاجئون السوريّون إلى بلادهم بعد انتهاء الحرب؟


شذى ظافر الجندي

يعيش نحو أربعة ملايين لاجئ سوري حاليًا في البلدان المجاورة لسورية، لكن الأشهر الأخيرة شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الأشخاص الذين يطلبون اللجوء إلى مناطق أبعد من ذلك، لا سيما إلى أوروبا. وصرحت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بأن السبب الرئيس يعود إلى فقدان الأمل بالعودة إلى الوطن، وإلى الظروف المعيشية التي تزداد سوءًا في البلدان التي يعيش فيها اللاجئون السوريون حاليًا.

المصدر[1]: arb.rt.com

يواجه اللاجئون ظروفًا معيشية صعبة وقيودًا في الأنظمة القانونية المتعلقة باللاجئين في البلدان التي يعيشون فيها. وعندما يعيش الأشخاص في سكن غير مناسب، وعلى دخل أقل من نصف دولار في اليوم؛ فمن البديهي أن يرغبوا في اللجوء مرة ثانية أو ثالثة إلى دول توفر لهم حياة كريمة. يضطر اللاجئون إلى اعتماد استراتيجيات سلبية للبقاء على قيد الحياة، حيث يعملون في القطاع غير النظامي، وفي مجالات لا تتوفر فيها أي حقوق في العمل، حيث يتم استغلالهم بالعمل ساعات طويلة بأجور قليلة، ومن دون أي نوع من الحماية الاجتماعية.

أظهر آخر استطلاع أجرته (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) أن 6 في المئة فقط من اللاجئين السوريين يريدون العودة إلى بلادهم في المستقبل القريب، في حين يقول 8 في المئة إنهم لن يعودوا أبدًا، كما أن نحو ثلاثة أرباع اللاجئين يترددون رسميًا.

وليس هناك شك في أن الطريقة التي تتطور بها هذه المشاعر ستعتمد على الظروف الأمنية وسرعة الانتعاش وإعادة الإعمار في سورية. ومع ذلك -كقاعدة عامة- كلما طالت فترة إقامة اللاجئين خارج بلادهم؛ انخفض احتمال عودتهم إلى بلدانهم الأصلية.

المصدر[2]: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين

رأي شباب اللاجئين حول العودة إلى سورية

تقوم بعض مراكز الدراسات والأبحاث بعقد الندوات والدارسات لاستقصاء آراء اللاجئين حول كيفيّة العودة وشكلها في سورية، وهل يُمكن الشروع فيها في الوقت الراهن؟

في دراسة (بكرامتنا: وجهات نظر اللاجئين السوريين في لبنان حول التهجير وظروف العودة والتعايش) التي أعدها المركز الدولي للعدالة الانتقالية؛ أعربَ عدد كبير من اللاجئين عن رغبتهم في العودة إلى بلدهم، ولا سيّما إلى مناطقهم ومجتمعاتهم. ففي الواقع، اختارَ الكثير من اللاجئين اللجوء حاليًّا في لبنان لقربه من سورية، ولإمكانية العودة السريعة. ومِن بين أولويات اللاجئين بخصوص العودة، “الأمن والسلام”، وهما رهنُ التوصل إلى حل سياسي من شأنه نزع السلاح، و”تأمين الاستقرار وتوفير المأوى ووسائل كسب العيش”، بالإضافة إلى “إعادة إعمار المنازل وإعادة تأهيل البنى التحتية” والتعويض عما هُدم من مُمتلكات وبُيوت، ذلك إلى جانب “توفير التعليم” وتأمين جمع شملِ العائلات التي تَفرق أفرادها.[3]

في دراسة أعدها معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف، عبّر اللاجئون عن مخاوفهم من الضغوط السياسية والعنصرية التي تمارس ضدهم، ولاسيما في لبنان الذي لم يوقّع على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وبروتوكول العام 1967 الملحق بها. ولدى اللاجئين مخاوف فعلية حول وضعهم واحتمال إجبارهم على العودة القسرية إلى بيئات غير آمنة. وعبّر أكثرهم عن رغبتهم في الهجرة إلى أوروبا أو إلى أي مكان آمن. أما الذين عبروا عن رغبتهم في العودة إلى سورية، فقد أكدوا على أهمية “الحماية الدولية” من الاعتقال والخدمة العسكرية الإلزامية وضرورة تحسن الوضع الأمني والعسكري في سورية؛ فالأمن والأمان شرطان أساسيان للعودة.

وفي استطلاع آخر لمؤسسة (أصداء بيرسون مارستيلر) القائمة على برنامج “صوت اللاجئين السوريين الشباب”، يعتقد نصف أفراد العينة المستطلعة، من اللاجئين الشباب في الأردن ولبنان، أن عودتهم محتملة جدًا في حال انتهاء الحرب. بالطبع النصف الثاني غير متيقن من هذا الاحتمال ويفضل الهجرة إلى بلد ثالث. والإنفو جراف التالي يبين أهم نتائج الدراسة:

ولكن هل عاد فعليًا بعض اللاجئين إلى سورية؟

أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن قرابة نصف مليون لاجئ ونازح سوري عادوا إلى منازلهم، منذ بداية العام الجاري. وأوضح الناطق باسم المفوضية أن الاسباب الرئيسية التي تدفع اللاجئين والنازحين للعودة هي “البحث عن ذويهم، الاطمئنان على ممتلكاتهم، وفي بعض الحالات التحسن الحقيقي في الأوضاع الأمنية في بعض مناطق البلاد”. وقال: “من المبكر الحكم إذا ما كانت العودة مرتبطة بالتراجع الملحوظ في العنف منذ الاتفاق على إنشاء أربع مناطق لخفض التوتر في سورية”.

كما أفادت المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 600 ألف سوري قد عادوا إلى ديارهم هذا العام. وقد بدأ اللاجئون السوريون يناقشون موضوع العودة أو “الإعادة” القسرية مع بدء سريان اتفاق مناطق “خفض التصعيد”. وراوحت ردات أفعال اللاجئين، بين راغب بالعودة وبين مشكك ومتخوف من الإعادة القسرية إلى مناطق مجهولة المصير، فيما تجاهل كثيرون الأمر. وقد برر اللاجئون مخاوفهم من أحد بنود اتفاق خفض التصعيد الذي يتحدث عن (عودة اللاجئين)، حيث ورد في تفاصيل نص الاتفاق “توفير ظروف مناسبة لعودة آمنة وطوعية للاجئين والأشخاص النازحين محليًا”. وبناء عليه بدأت تسري شائعات في أوساط اللاجئين عن عودة أو “إعادة” محتملة إلى تلك المناطق، حال تم رسوخ الاتفاق ونجاحه.

بالإضافة إلى ذلك هناك بعض المبادرات التي تقع في نطاق التسويات والمصالحات، أهمها عودة اللاجئين السوريين من عرسال إلى سورية. ففي شهر حزيران/ يونيو 2017 تمت إعادة أكثر من 6000 نازح سوري إلى إدلب والقلمون بسورية، ضمن اتفاق وقف إطلاق النار وخروج مسلحي (جبهة النصرة) من جرود عرسال. بالإضافة إلى ذلك تمت عودة بعض اللاجئين إلى عسال الورد، حيث شمل الاتفاق عودة 350 شخص من جرود عرسال إلى منطقة عسال الورد. كما تدعو روسيا اللاجئين إلى العودة إلى سورية و”تسوية أوضاعهم”، حيث ستقوم بـ “تسوية وضع المتخلفين عن الخدمة الاحتياطية وتسوية أوضاع الفارين”، وبحسب صحيفة (الحياة)، فقد تم وضع خطة حالية للبحث بعودة قسم من اللاجئين إلى سورية من دول الجوار، ولكن بشرط الانتساب إلى الفيلق الخامس الروسي.

واعتبرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان في بيان لها، أنها “ليست جزءًا من الاتفاق الذي تقوم عليه تحركات العودة هذه، والمفوضية لا تشارك في هذه التحركات، وهي ليست في وضع يسمح لها بالتحقق إلى أي حدّ يعود اللاجئون الذين هم مدنيون بحكم تعريفهم، عن طريق تحركات العودة هذه”. وأشارت المفوضية إلى أن “عودة اللاجئين ينبغي أن تكون مبنية على قرارات فردية، استنادًا إلى معلومات موضوعية عن الأوضاع في مكان العودة المقصودة، وخالية من الضغوط التي لا مبرر لها”.

شروط العودة الآمنة والعادلة وفق القانون الدولي؟

ولكن ما الذي يمكن للاجئين توقعه من العودة؟ هل يحق لهم أن يحصلوا على أي شيء أكثر من مجرد رحلة عشوائية إلى المنازل المدمرة، أو إلى بيوت أعيد احتلالها من قبل اشخاص آخرين؟

لا تشجع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عودة السوريين وأكّدت ممثلتها بأنه و”بسبب الوضع الأمني والإنساني في الداخل السوري لا نُشجع أو نُسهّل عملية العودة، كون الحرب قائمة، وخطوط النزاع متحركة، البنى التحتية مهدمة، وخدمات الرعاية الصحية من تعليم ومياه وكهرباء مفقودة ومعدومة في بعض المناطق، إضافة إلى أن فرص العمل محدودة”. وأضافت: “نُسهّل عودة اللاجئين عندما تكون الأوضاع مناسبة وتتوفر الظروف الملائمة وتكون العودة طوعية حيث يعيش المواطن بكرامة، وقد سهلنا عودة أكثر من 40 مليون لاجئ في نزاعات عدة خلال مسيرتنا”، في عدد من دول العالم.

وتؤكد كل الدراسات أنه لا يمكن عودة اللاجئين، قبل تحقيق السلام والأمان والاستقرار. فالأمن، والحصول على الخدمات الكافية، والإسكان، وفرص كسب العيش هي عوامل أساسية للعودة؛ ولكن تعقيدات الحرب السورية والتجارب الدولية السابقة مع نزاعات مشابهة تشيران إلى أن تحقيق السلام المستدام يتطلب تركيزًا أكبر على التحديات المتعلقة بالعودة الفعلية للاجئين والنازحين بما في ذلك تأمين الضمانات الأمنية والحماية لهم.

حق العودة إلى الوطن

حق العودة حق (غير قابل للتصرف) مستمد من القانون الدولي المعترف به عالميًا. فحق العودة مكفول بمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 13 على الآتي:

(لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده)

ويعني الحق غير القابل للتصرف أنه من الحقوق الثابتة الراسخة، مثل باقي حقوق الإنسان لا تنقضي بمرور الزمن، ولا تخضع للمفاوضة أو التنازل، ولا تسقط أو تعدل أو يتغيّر مفهومها في أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع، حتى لو وقّعت على ذلك جهات تدعى أنها تمثل اللاجئين. لأنه حق شخصي، لا يسقط أبدًا، إلا إذا وقّع كل شخص بنفسه وبملء إرادته على إسقاط هذا الحق عن نفسه فقط. وحق العودة لا يسقط بالتقادم، أي بمرور الزمن، مهما طالت المدة التي يحرم فيها اللاجئون من العودة إلى ديارهم، كما أن الملكية الخاصة لا تزول بالاحتلال أو بتغيير السيادة على البلاد.

كما تنص المادة 12-4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتنص الحقوق المدنية والسياسية أيضًا على ما يلي: “لا يجوز حرمان أحد تعسفًا من حقه في دخول بلده”.

تُعالج المبادئ والأحكام الرئيسية في القانون الدولي حق اللاجئين في العودة، فضلًا عن الحق في عدم إعادتهم قسرًا إلى حالات الاضطهاد أو الخطر الخطير. وقد ركز قانون اللاجئين في المقام الأول على الحق الأخير، المعروف باسم عدم الإعادة القسرية.

وعلى النقيض من ذلك، يحدد النظام الأساسي للمفوضية تيسير العودة إلى الوطن بوصفها إحدى المهمات الرئيسية للمنظمة، ويدعو المفوض السامي إلى “توفير الحماية للاجئين” [بواسطة] ومساعدة الجهود الحكومية والخاصة الرامية إلى تعزيز العودة الطوعية إلى الوطن أو الاستيعاب داخل المجتمعات الوطنية الجديدة. (الجمعية العامة للأمم المتحدة 1950).

وتشير الأدلة المستمدة من دراسات الحالة حول (عودة اللاجئين في دول مختلفة من العالم) إلى أن العودة غالبًا ما تكون طويلة، وقد تستغرق من 17-19 عامًا؛ ويمكن أن تكون عفوية أو عشوائية أو كما يسميها البعض (العودة التلقائية).

وتؤكد المفوضية العليا لشؤون اللاجئين على ضرورة التخطيط لعودة اللاجئين “من الأهمية بمكان أن یتم التعامل مع تخطيط عودة اللاجئين بطريقة تتمحور حول مصلحة اللاجئين، ومخاوفهم، وباختيارهم الحر والطوعي للعودة. وينبغي أن تكون العودة طوعية وتنفذ بأمان وكرامة”. كما تؤكد أن “العودة المبكرة الناجمة عن عوامل الدفع السلبية و/ أو المفاهيم الخاطئة للأمن يمكن أن يكون لها تأثير مدمر على حياة اللاجئين، بل تزيد من زعزعة استقرار سورية”. وذكرت المفوضية أن التخطيط لعودة اللاجئين سيتم في خطط المنظمة الخاصة باللاجئين السوريين، للأعوام [2017-2020]”.

وهناك ثلاث شروط أساسية، على دولة المنشأ الالتزام بها من أجل تسهيل عملة عودة اللاجئين اليها:

أولًا: توفر الحكومة ضمانات بأن العائدين لن يواجهوا مضايقة أو تمييزًا أو احتجازًا تعسفيًا أو تهديدًا جسديًا أو ملاحقة قضائية، بسبب انتماءهم الديني أو الجغرافي من منطقة كانت تخضع في السابق للسيطرة الفعلية على طرف آخر في النزاع؛ أو لأنهم غادروا سورية بشكل غير قانوني، أو لأنهم قدموا طلب لجوء في الخارج.

ثانيًا: تصدر الحكومة قرارًا بالعفو وتحدد إطارًا قانونيًا واضحًا لمعالجة أولئك الذين تهربوا من الخدمة العسكرية الإلزامية أو الخدمة المدنية في القطاع العام.

ثالثًا: تلتزم الحكومة بالاعتراف بالتغييرات في الأحوال الشخصية للعائدين التي حدثت في الخارج (مثل الولادات والوفيات والزواج والتبني والطلاق، بما في ذلك تمديد الجنسية السورية للعائدين المولودين في الخارج، والتدابير الأخرى للحد من حالات انعدام الجنسية المحتملة). وتمكن جميع العائدين من الحصول على التسجيل المدني والوثائق والتحقق من شهادات التعليم التي تم الحصول عليها في الخارج.

التعويضات للمتضررين من الحرب

يؤيد القانون الدولي حصول العائدين إلى وطنهم على التعويضات اللازمة لخسائرهم في الحرب. حيث يؤكد الخبراء أن الحق يتضمن العودة إلى المنازل الأصلية للاجئين، وليس فقط العودة إلى الوطن. ويمكن توفير التعويض المالي للعائدين الذين لا يستطيعون أو يختارون عدم العودة إلى منازلهم الأصلية. ويمكن أيضًا توسيع نطاق التعويض لتشمل النازحين وغيرهم من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، كشكل من أشكال الإنصاف من الانتهاكات الجسدية والنفسية التي تعرضوا لها. ومع ذلك، فإن معظم البلدان التي يعود إليها اللاجئون والمشردون داخليًا واللاجئون فيها ببساطة لا تستطيع تقديم تعويض مالي للنازحين واللاجئين.

فعلى سبيل المثال، لم يتقاض لاجئو البوسنة والهرسك تعويضات مالية عن الضرر الذي لحق بممتلكاتهم، على الرغم من أن اتفاق دايتون للسلام أشار بالملحق السابع “لكل اللاجئين والمشردين، بعد عودتهم إلى ديارهم الأصلية […….] الحق في أن تعاد لهم ممتلكاتهم التي حُرموا منهـا في سياق الصراع منذ عام 1991، وفي أن يُعوضوا عن أي من الممتلكات التي لا يمكن إعادتها إليهم تعويضًا مناسبًا”.

وعلى الرغم من أن اهتمام المجتمع الدولي بالعدالة الانتقالية وجبر الضرر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان (بما في ذلك العائدين) آخذ في الازدياد، فمن المهم الاعتراف بأن النظام القانوني الدولي لم يتطور بعد، بما فيه الكفاية، لضمان إتاحة سبل الإنصاف على الصعيد العالمي وعلى قدم المساواة. ومن أجل فهم حدود وصول العائدين إلى التعويضات، يحتاج الباحثون إلى دراسة أحكام اتفاقات السلام، والإرادة السياسية للقوى السياسية الوطنية، ودعم المجتمع الدولي. فاتفاق السلام الشامل السوداني، على سبيل المثال، لا يعالج بالكامل مسائل رد الممتلكات أو سياسات الأراضي. ونتيجة لذلك، يتوقع الباحثون والمحللون أن الصراعات على الأراضي بين السكان المحليين والعائدين يمكن أن تعرقل بسهولة عملية السلام.

كيف يمكن التحضير لعودة اللاجئين إلى وطنهم؟

تتوفر لدى الأمم المتحدة مجموعة برامج خاصة لدعم عودة اللاجئين، وأهمها “إطار السياسة العامة واستراتيجية التنفيذ لعودة اللاجئين” الذي يحدد دور المفوضية في دعم عودة وإعادة إدماج السكان المتضررين. وتتضمن خطط لإعادة الإدماج، تشمل برامج تهيئة تدريجية للظروف التي تمكن العائدين من استعادة وممارسة حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية.

وتركز الأمم المتحدة على أربع مراحل رئيسية للمرحلة الانتقالية وعودة اللاجئين: تشمل (الإعادة إلى الوطن) و(إعادة الإدماج) و(إعادة التأهيل) و(إعادة الإعمار). [4]4Rs

وتسترشد أنشطة المفوضية، خلال عملية الإعادة إلى الوطن، بالتزاماتها القانونية الدولية، وبنود الاتفاقات الثلاثية، والإجراءات المبينة في كتيّب (العودة الطوعية إلى الوطن)، فضلًا عن دليل أنشطة الإعادة إلى الوطن وإعادة الإدماج. وقد صمم هذا الإطار على أنه “نهج متكامل” للمرحلة الانتقالية لما بعد الحرب، ويهدف إلى “الجمع بين الجهات الفاعلة الإنسانية والإنمائية، وخلق بيئة مواتية في بلدان المنشأ لمنع تكرار التدفقات الجماعية وتسهيل العودة المستدامة إلى الوطن وإعادة الإدماج”.

ويعترف هذا النهج بأن العودة الناجحة هي أكثر بكثير من مجرد مسألة النقل والمساعدة الإنسانية. ووفقًا للتفكير الحالي بين الممارسين في المجال الإنساني، فإن العودة المستدامة تتطلب انتقالًا منسقًا من المساعدة الإنسانية إلى الصمود والتنمية الطويلة الأجل.

كما تقوم بعض المنظمات بتصميم نظام حوافز مناسب لعودة اللاجئين على المدى القصير، مع الأخذ بالحسبان أن العودة هي خيار إنساني حرّ للأشخاص المعنيين. ويجب أن يشمل هذا النظام حوافزًا مالية للبدء بأعمال ومشاريع أو إعادة إعمار الأصول المدمّرة. كما تقوم منظمات الأمم المتحدة في داخل سورية بتمكين المجتمعات المحليّة وتعزيز مقاربة التنمية من الأسفل إلى الأعلى، من خلال إطار تنموي يعطي الأولوية للاحتياجات والمشاريع التي تقترحها البلديات والمجالس المحلية. بالإضافة إلى ذلك تعمل المنظمات الأخرى، مثل منظمة العمل الدولية في لبنان والأردن، على تحسين مهارات اللاجئين للمشاركة في إعادة الإعمار. كما يمكن منح تراخيص مؤقّتة لإنشاء شركات وأعمال لتنمية الاقتصاد المحلي وخاصة في مجالات البناء والإعمار.

الحل السياسي وإدماج عودة اللاجئين شرطٌ أساس في المفاوضات

ما لم يتم الوصول إلى حل سياسي، فلن تكون هناك عودة للاجئين، وما نسمعه اليوم من مبادرات عودة للاجئين كما حصل في عرسال ما هي إلا تسويات وعودة قسرية مخالفة للقانون الدولي.

عودة اللاجئين قد تكون عملية معقدة وصعبة، ولكن (حق العودة) هو حقهم الطبيعي الذي لا يمكن التخلي عنه. ولا يمكن حله بالتسويات وتهجيرهم إلى أماكن غير بيئتهم الطبيعية، لأنها تساهم في التغيير الديموغرافي للبلد فحق العودة يتضمن العودة إلى ديارهم وبيوتهم. ولذلك على كل القوى الممثلة للشعب السوري أن تصر على أن يكون موضوع عودة اللاجئين موضوعًا أساسًا في أي حلّ أو اتّفاق سياسي.

حتى اليوم لم تتم مناقشة الموضوع بشكل جدي ورسمي، فمفاوضات جنيف لم تتطرق بشكل كامل إلى عودة اللاجئين، وفي مراجعة لوثيقة “مبادئ الحل السياسي” التي تعود إلى جولة المفاوضات السورية الأخيرة، في جنيف 2016، هناك فقرة صغيرة تتحدث بخجل عن عودة اللاجئين في البند رقم (11)، حيث تقول: “توفير الدعم للمسنين والفئات الضعيفة الأخرى، التي تشمل ذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام وضحايا الحرب ومحاربة الفقر، وإنهائه مع كفالة سلامة النازحين واللاجئين والمهجرين قسرًا وتوفير المأوى لهم، بما في ذلك كفالة حقهم في العودة إلى ديارهم”.

إن عودة اللاجئين الطوعية إلى بلادهم يجب أن تتم من خلال حل أو اتفاق سياسي يتم التوافق فيه حول التحديات الأمنية وتوفير العدالة والأمان والحقوق والخدمات؛ فالعدالة ركن أساس في أي اتفاق لعودة اللاجئين، وتشكل العدالة الاقتصادية وتوفير الدعم الاقتصادي لكافة اللاجئين أمرًا أساسيًا، وذلك من خلال تجنب التهميش الاقتصادي لفئات اجتماعية وسياسية معينة. بالإضافة إلى العدالة الاقتصادية، هناك العدالة القانونية لاسترداد الممتلكات والأراضي فكل لاجئ يتوقع -حين العودة- أن يسترد منزله وكل أملاكه؛ مما يشكل تعقيدًا كبيرًا، فحجم الدمار لا يمكن وصفه، وقد فقد الكثير من الناس حقوق ملكيتهم لبيوتهم وأراضيهم وأملاكهم، وهناك خطر من استغلال الوضع الراهن، وتعرضِ اللاجئين والنازحين لخطر كبير بفقدان ملكيتهم.

إن التوصل إلى تسوية سياسية مستدامة لن يكون ممكنًا دون التركيز الحقيقي على تحديات عودة اللاجئين، وإن تعقيدات الحرب، فضلًا عن التجارب الدولية السابقة التي تشهد نزاعات مماثلة، تؤكد أن ضمان السلام الطويل الأجل يتطلب اهتمامًا أكثر تركيزًا على التحديات التي تعترض إعادة اللاجئين والنازحين داخليًا إلى وطنهم بصورة فعالة، بما في ذلك ضمانات مهمة تتعلق بالأمن والحماية، ومن دون ذلك، وبغض النظر عن الشكل النهائي للحل السياسي؛ فإن عودتهم قد لا تكون ممكنة ولا مستدامة.

[1] http://arb.rt.com/media/pics/2015.07/original/559e5551c46188993a8b45d3.jpg

[2] المفوضية

[3] https://www.ictj.org/ar/publication/syria-refugees-lebanon-displacement-return-coexistence

[4] The 4Rs (repatriation, reintegration, rehabilitation and reconstruction) is an integrated, inter-agency ‘relief to development ‘approach for sustainable reintegration as part of transition.




المصدر