العدية تئن تحت وطأة المحتل الغريب… شهاداتٌ حيّة لهاربين من بطش الميليشيات في عاصمة الثورة




Tweet

زياد عدوان: المصدر

غابت عاصمة الثورة السورية عن الأحداث بالرغم من تواصل الثورة ومضي أكثر من ستة سنوات عليها، فبعد سيطرة قوات النظام وعناصر ميليشيا حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية على حمص العدية، واستباحة حرماتها ومقدساتها، أصبحت المدينة خاوية من ثوارها الذين قارعوا مئات الآلاف من قوات النظام والميليشيات المساندة لها بعد فرض الحصار عليها، وتكبد النظام وميليشياته مئات القتلى والجرحى بعد الصمود الأسطوري الذي أثبته مقاتلو كتائب الثوار داخل الأحياء المحاصرة وخصوصا حي بابا عمرو الذي كان مقبرة لقوات النظام وميليشياته.

ولعل الصدفة التي لم ينتبه لها الكثيرون هي إعلان النظام وميليشياته سيطرتهم على مدينة حمص باستثناء حي الوعر الذي بقي محاصرا، بتاريخ 22 أيار/مايو من العام 2015 وبعد عامين وفي نفس التاريخ غادرت آخر الحافلات التي تقل كتائب الثوار وعائلاتهم من حي الوعر إلى ريف حلب الشمالي، وما بين العامين حاول النظام والميليشيات عدة مرات اقتحام مدن وبلدات ريف حمص الشمالي بعد قصفها بمئات الغارات الجوية والصواريخ ولكن استعصت تلك المنطقة على محاولات ميليشيات النظام التي باءت كلها بالفشل.

وبعد مرور سنتين وثلاثة أشهر على سيطرة النظام وميليشياته على مدينة حمص، تحولت “حمص العدية”، إلى مستوطنة بالدرجة الأولى لميليشيا حزب الله اللبناني والتي تسيطر على مدينة القصير بريفها الجنوبي الغربي قرب الحدود اللبنانية، وغاب الإعلام عن مدينة حمص طيلة السنتين الماضيتين مقتصرا على تغطية حي الوعر الذي تعرض للقصف بشتى أنواع الأسلحة قبيل أن يتدخل الضامن الروسي ليقوم بإخراج السكان الأصليين ويقوم بتهجيرهم إلى شمال سوريا وتحديدا إلى مدينة الباب.

لقد استباحت ميليشيا حزب الله اللبناني كل شيء في مدينة حمص ولم تستثن حتى المقدسات، فقبر الصحابي الجليل خالد بن الوليد والمسجد المدفون فيه تعرضا لقصف عنيف وهما أبرز شاهد على ما حصل في مدينة حمص.

وفضل العديد من المدنيين على الخروج من منازلهم في مدينة حمص كي لا يتعرضون للأعمال الانتقامية و للإهانات من قبل ميليشيا حزب الله اللبناني التي كانت تدير المدينة عقب إعلان السيطرة عليها، وتحدثت “المصدر” إلى مدنيين من حمص يقطنون في مدينة حلب عن الأسباب التي دفعتهم لمغادرة مدينة حمص، حيث انهم غير مطلوبون للنظام ولم يحملوا السلاح ولكنهم أيدوا الثورة السورية وساعدوا كتائب الثوار في المدينة.

وقال أبو جابر وهو من سكان حي باب السباع الحمصي إن “البقاء في مدينة حمص مع وجود الميليشيات وخاصة ميليشيا حزب الله اللبناني أثناء فترة احتلالهم للمدينة أمر لم يكن بالسهل، قرار خروجي مع عائلتي اتخذته بعد توالي الانتهاكات وما فعله عناصر ميليشيا حزب الله في مدينة حمص، لقد قاموا بإحراق عشرات المنازل في حي باب السباع كم أقدموا على قتل المسنين، أما البيوت والمحلات التجارية التي لم تصب بأذية قاموا باحتلالها، تذكرت القصص والروايات التي تحدثت عن التتار والمغول وكل الغزاة الذين غزوا سوريا فلم أجد ولم أرى أبشع واسوء من غزو حزب الله لمدينة حمص، والتي اتمنى ان ادفن فيها” وختم ابو جابر حديثه والدموع تنهمر من عينيه متمنيا لمس تراب مدينته التي ولد وترعرع فيها ولو للحظات.

ومازالت مدينة حمص بالرغم من سيطرة ميليشيات النظام عليها جميلة بعيون سكانها الذين هجروا منها قسرا، فهي عاصمة الثورة السورية وهي مدينة ابن الوليد “سيف الله المسلول وقاهر الفرس والروم”، ولكن العودة إليها أصبح مثل عودة الفلسطينيين الذين خرجوا من فلسطين أثناء النكبة، هذا الحلم الذي يراود مئات الآلاف من سكانها، كثيرون منهم من ينتظر أن يتحقق ولكن يقتصر تحقيقه على سقوط النظام وخروج الميليشيات من سوريا عموما، ومن مدينة حمص خصوصا فبعد سيطرة ميليشيات النظام عليها، بدأت المرحلة الأصعب وهي تضييق الخناق على المدنيين من خلال أعمال الدهم والاعتقالات وعدم اعتراف النظام بأملاك تعود لأصحابها الأصليين وذلك بسبب انهم أيدوا الثورة السورية وتعاطفوا مع كتائب الثوار خلال سيطرتهم على مدينة حمص.

يقول “كمال” وهو اسم مستعار لشابٍ خرج من مدينة حمص بعد تضييق الخناق عليه ومحاربته من قبل النظام “كلّ أملاكي أصبحت تحت تصرف عنصر ينتمي لميليشيا حزب الله وهو حمصي من حي كرم الزيتون، فبعد خروج كتائب الثوار آثرت البقاء في مدينة حمص بالرغم من المخاطر التي تحدق بي وبعائلتي ولم أكترث لما سيحصل، وخلال الشهر التاسع من عام 2015 بعد سيطرة ميليشيات النظام على مدينة حمص، كنت في منزلي وجاء إلي عناصر يرتدون الزي العسكري، طلبوا مني إعطائهم مفاتيح محلي الذي اترزق منه وأصرف على عائلتي منه وبعد رفضي إعطائهم المفاتيح قاموا بضربي واعتقالي، حيث أمضيت قرابة الشهرين تم فيها نقلي من فرع الشرطة العسكرية وإلى سجن البالوني وإلى فرع المخابرات الجوية وأمن الدولة وخلال تنقلي بين تلك الأفرع الأمنية تعرضت للمضايقات والتعذيب مقابل تسليم محلي ومنزلي والخروج من مدينة حمص شريطة إبقائي على قيد الحياة وإذا رفضت فسيتم تصفيتي رميا بالرصاص، وبالفعل وافقت على ذلك وخرجت مع عائلتي إلى مدينة حلب، وبعد مدة علمت أن عنصر من حزب الله اللبناني استولى على محلي ومنزل اهلي الذي كنت فيه، وعلمت إن الهدف من هذا إخراج سكان مدينة حمص الأصليين منها وتوطين عناصر حزب الله، وميليشيات النظام”.

أما بالنسبة للمدنيين الذين بقوا في مدينة حمص فهم يعيشون تحت وطأة المضايقات والإهانات، ففي مدينة حمص لن يستطيع أحد من المدنيين أن يرفع رأسه بعد سيطرة ميليشيات النظام عليها، وأصبحت الحياة فيها ليست متساوية وأصبح فيها المدنيون طبقات أو درجات، وتحتل الطبقة الأولى أو ما يعرف بمواطن من الدرجة الأولى له الأولوية في كل شيء، وهم عناصر النظام، من العساكر والمخابرات والشبيحة والمستخدمين المدنيين الذين يعملون ضمن الثكنات العسكرية، و مواطنون من الطبقة او الدرجة الثانية وهم من يعملون كمخبرين للنظام، أما الطبقة أو الدرجة الثالثة فهم المدنيون الموالون الذين يعملون في الدوائر الحكومية والذين لم ينقطعوا عن دوامهم بالرغم من الحرب التي دارت رحاها في مدينة حمص، أما الطبقة أو الدرجة الرابعة فهم المدنيون الذين تعاونوا مع النظام خلال فترة سيطرة كتائب الثوار على مدينة حمص، وتبقى الطبقة او الدرجة الخامسة وهم المدنيون الذين وقفوا موقفا حياديا فلم يكونوا لا مع النظام ولا مع كتائب الثوار، وهذه الطبقة مهدورة الحقوق ولا تحظى باهتمام النظام ولا حتى سكان المدينة من الطبقات الثلاثة الأولى.

وبالعودة إلى حديثنا مع بعض المهجرين من مدينة حمص فإنهم يعيشون على أمل العودة فمدينة حمص هي قبلة الثورة السورية والبوصلة التي لم تنحرف عن مسارها بالرغم من امعان النظام وميليشياته من تدميرها بشكل ممنهج، وأردف ابو جابر “سنعود يوما ما إلى حمص، لأنها سوف تبقى عاصمة الثورة وقبلة الثوار الذين بذلوا كل جهد ممكن من أجل ألا يتمكن النظام وميليشياته من السيطرة عليها، سيبقى قلبي ينبض باسم حمص ما دامت هذه الروح فيها”.

وبعد مرور سنتين وعدة أشهر على سيطرة ميليشيات النظام على مدينة حمص تبقى عاصمة الثورة راسخة في أذهان الثوار السوريين الذين لن ولم يرضخوا لظلم نظام الأسد الذي مايزال يمعن بالتدمير والقتل مستبيحا جميع مناطق سيطرة كتائب الثوار، في ظل الصمت الدولي المطبق.

Tweet


المصدر