المعركة الكبرى لإزاحة الأسد… من بوابة النازحين


الرأي

خسر محور الولايات المتحدة وحلفائه الغربيين والعرب معركةَ قلْب «النظام في سورية» عسكرياً، إلا أن ما في جعبة هؤلاء لم يَنْفَد ليحضّروا المعركة الكبرى لإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن طريق الانتخابات وبالتحديد من باب ملايين المهجّرين السوريين خارج سورية وخارج سيطرة الحكومة المركزية. وتعتبر الأمم المتحدة أن هناك أكثر من 6 ملايين سوري من مهجّري الداخل و5.1 ملايين خارج سورية، وأكثر هؤلاء في تركيا ولبنان والأردن والعراق ونحو مليون سوري في القارة الأوروبية.
وتتدفّق الرسائل والضغوط على كل البلدان التي تأوي مهجّرين سوريين لمنْع عودتهم الى بلادهم وخصوصاً الى مناطق سيطرة النظام السوري مع إنذارٍ شديد لبعض الدول – مثل لبنان – بعدم التفريط بالنازحين وبأن المساس بهؤلاء «خط أحمر» لأن دورهم لم يأتِ بعد. وقيل علناً أن «عودة النازحين يجب أن تكون طوعية وآمنة ومن دون تهديد وطني». والسؤال هنا: كيف ستجتمع هذه النقاط الثلاث اليوم، لا سيما أن هؤلاء المهجّرين يتقاضون حيث يتواجدون أموالاً طائلة (نسبياً) بالمقارنة مع ما يستطيع أكثرهم كسْبه شهرياً في بلاده؟ ولذلك فلن تكون عودتهم طوعية. أما بالنسبة للأمن والتهديد الوطني، فهذا يتطلب انتهاء الحرب على كافة الخريطة السورية وإزاحة النظام الحالي لأن غالبية هؤلاء معادون للنظام، لتكون النتيجة: بقاء هؤلاء المهجرين حيث هم أو عودتهم الى مناطق لا تسيطر عليها حكومة دمشق. وهنا بيت القصيد.
لقد بدأتْ الحملات الدولية والاقليمية بالتحضير للانتخابات الرئاسية السورية المبكّرة لأنها الأمل الأخير لإسقاط الأسد لا سيما أن الجميع خارج حكومة دمشق سينادون بمراقبة دولية للانتخابات. أما دمشق فلن تقبل بهذه القيود والشروط وخصوصاً أن هناك تجربة مماثلة في لبنان حيث أُنفق أكثر من ملياريْ دولار لأجل انتخاباتٍ نيابية أعطت بضع مقاعد لطرفٍ على حسابٍ آخر، فكيف بسورية التي لم يبخل أحدٌ من المنطقة بإرسال المال والسلاح والرجال إليها وأنفقوا مئات المليارات لإشعال الحرب وإزاحة الأسد؟ إذاً فإن الحكومة السورية أيضاً تتحضّر للمعركة الانتخابية الكبرى لعدم السماح للدول التي ساهمت في إذكاء الحرب بأن تأخذ في صناديق الاقتراع ما خسرتْه في ساحة المعركة.
أما المعركة العسكرية الكبرى، فهي دير الزور والتسابق للوصول إليها. وتقول مصادر قيادية في سورية أن اجتماع الدول الكبرى (أميركا وروسيا) في ساحة معركةٍ مشتركة يؤدي دائماً الى تفاهمات فوق مصالح حلفائهما، تماماً كما حصل في الجنوب السوري، وهو ما يُتوقّع أن يحصل في محيط محافظة دير الزور. ولهذه المحافظة خصوصيتان:
الأولى تتمثل بالنفط والغاز السوري اللذين اكتُشفا العام 1930 إبان الانتداب الفرنسي وهما يمثلان عنصرين مهميْن جداً للاقتصاد السوري واحتياطه النفطي البالغ نحو 2.5 مليار برميل مع إنتاج يومي يقارب الـ 400 ألف برميل حتى العام 2011.
عندما احتلّ «داعش» ثلث سورية، سيطر أيضاً على 80 في المئة من آبار النفط التي أمّنت له إنتاج 65 ألف برميل في اليوم، فيما سيطرت دمشق على 8 في المئة من الانتاج (10 آلاف برميل في اليوم)، والأكراد في الشمال السوري على 12 في المئة (25 ألف برميل في اليوم، مع السيطرة على 1322 بئر نفط توقفت غالبيتها عن الانتاج، وكذلك السيطرة على 25 بئر غاز يباع إنتاجها في العراق وتركيا والاستخدام الداخلي في سورية).
وكانت سورية تُصدّر جزءاً من نفطها الذي درّ عليها 4.5 مليار دولار سنوياً، أي 30 في المئة من ميزانيتها السنوية، مع العلم أن آباراً كثيرة لم تُستثمر.
ويأتي الإنتاج الأكبر من حقول دير الزور، والبادية السورية. أما بالنسبة لدير الزور فهي تحوي أكبر الآبار قاطبة – بئر العُمر – الواقع على 45 كيلومتراً جنوب شرقي مدينة دير الزور وهو المكتشَف العام 1987 وينتج 80 ألف برميل يومياً (انخفض عبر السنوات لأخطاء تقنية انتاجية).
وكذلك هناك آبار التيم، والورد، والمالح، والقاهر، والقراطنة، ودرو، وسيجان، والازرق، التنك والجفر (الذي كان يُنتِج لوحده 60 ألف برميل يومياً) وكلها كانت تحت سيطرة «داعش» الذي أنتج بين 40 ألفاً و42 ألفاً يومياً من هذه الآبار لاستخدامه المعدات الموجودة قديماً وبسبب التكرير البدائي المحلي.
أما الخصوصية الثانية فتتمثل بتواجد قوات الجيش السوري وحلفائه داخل المدينة نفسها، وهؤلاء يقاتلون «داعش» منذ بداية تواجُده هناك.
وبالتالي فإن السباق المحموم الروسي – الأميركي إلى دير الزور يعطي الأفضلية لروسيا وحلفائها لأنها تملك القوى البشرية التي تتقدّم على 3 محاور نحو المدينة والتي أصبحتْ على بُعد عشرات الكليومترات من خطوط «داعش» التي تحاصر دير الزور ومطارها، في حين لا تملك أميركا القوات المناسبة على أرض سورية والتي تستطيع أو تريد الوصول الى دير الزور، خصوصاً ان أكراد سورية لا يرون أي أفق لاستمرارهم في هذه المدينة التي يقطنها العرب والعشائر من المنطقة الحدودية.
إن الاحتلال الأميركي في مرحلة ما بعد «داعش» لن يستطيع الصمود طويلاً في أرضٍ بلا مبرر قانوني لتواجده. وقد أعلنت أميركا، عبر خارجيتها، أن قواتها لن تبقى في سورية بعد هزيمة «داعش»، لكن خبراء الإرهاب ومكافحته على معرفةٍ تامة أن الارهاب لا يمكن أبداً هزيمته بل احتواؤه وتجفيف منابع اقتصاده ودعمه المادي، إلا أنه يُبقي على خلايا تستطيع القيام بعمليات في أي بقعة من الأرض نظراً الى قدرته على إيجاد آذان صاغية لدى فئة قليلة من الناس.
إذاً يتقدّم الجيش السوري ومعه القوات الرديفة مدعومين بالطيران الروسي نحو المعركة الكبرى في دير الزور حيث تبدأ المناطق الأخيرة لنفوذ «داعش» في سورية (عدا عن جيْب قوات خالد بن الوليد في جنوب سورية) امتداداً الى البوكمال وحتى القائم. وتؤكد المعطيات أن قوات «داعش» المنسحبة من العراق ومن سورية تتجمّع في هذه المنطقة التي تقبع على ضفاف نهر الفرات لتنخرط في آخر معاركها العسكرية حتى ولو لم تكن لديها أي آفاق استراتيجية لأنها فقدتْ الأرض والدعم الاقليمي والغطاء الدولي والبيئة الحاضنة بسبب فشل سياساتها وتجربتها.
لقد أنتج سقوط صدّام حسين في العراق العام 2003 دفعاً إضافياً لـ«داعش» (كانت حينها تدعى «أنصار الإسلام» ومن بعدها «القاعدة في العراق» الخ…) وسار الكثير خلف هؤلاء تحت عناوين مختلفة وقبِلوا بهذا الفكر المتطرف الدموي. إلا ان تجربة «داعش» ستبقى قيد التداول والدراسة لسنوات طويلة لمعرفة كامل أسباب نشْأتها وظروف نجاحها ومن ثم أسباب فشلها وسقوطها المدوي.
اقتربتْ الحروب في الشرق الأوسط من نهايتها وهي تلفظ آخر أنفاسها التي ستستمرّ هذه السنة وأشهراً قليلة من السنة المقبلة لتتحوّل التنظيمات المتعدّدة التي أنتجتْها هذه الحروب إلى جيوبٍ تعمل في السرّ وتحت الأرض من دون أن تكون هناك أهداف استراتيجية تستطيع تحقيقها بعد اليوم. إلا أن القوى العظمى ستبقى في المنطقة الشرق أوسطية وستبقى قواتها فوق الأرض تتقاسم المكتسبات وتراعي مصالح بعضها البعض، لأن الشرق الأوسط وشعوبه لم يصلوا إلى مستوى يستطيعون فيه حكم أنفسهم بأنفسهم وحلّ مشاكلهم حول طاولة واحدة بحيث يتقبّل كلٌّ منهم الآخر، من دون أن يتفق معه أو يتآمر عليه او يدفع الأموال الطائلة لإزاحته من الحكم فتكون النتيجة قتْل الشعوب ودمار الممتلكات وتشريد الأجيال.

(*) كاتب أميركي




المصدر