سوريون يعلقون على خطاب بشار: “التجانس” قرينة جديدة للإدانة ومادة للسخرية


جيرون

توالت تعليقات السوريين على كلمة بشار الأسد التي ألقاها مؤخرًا من قصره الجمهوري، بمناسبة افتتاح أعمال مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين المنعقد في دمشق. وسواء في المجالس الخاصة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في المنابر الإعلامية المختلفة، فقد اعتبر العديد من السوريين أن ما تحدث به الأسد عن “مجتمع متجانس” فضيحة على مستوى تاريخي، وأن هذه العبارة ما هي إلا قرينة قانونية جديدة، تضاف إلى سجله الإجرامي، ومن الممكن أن تودي به إلى محكمة الجنايات الدولية، وتؤكد تورطه من جديد في عمليات إبادة جماعية. كما نالت هذه العبارة نصيبها من سخرية السوريين، وصارت جزءًا من أدبيات سخريتهم على هذا الخطاب والواقع السوري بمجمله. من جهة أخرى، قلل العديد من السوريين من أهمية ما جاء على لسان بشار الأسد في خطابه، ولم يخرجوها عن سياق الإيحاء بالنصر والصلابة أمام جمهوره، ومحاولة لتأكيد انتصاره، وإن أعلن أن من المبكر الحديث عن انتصارات.

الزائد شيطان غير متجانس!!

المعارض السياسي محمد حجي درويش يرى أن الأسد، من خلال ما جاء في الخطاب، لديه إحساس واضح بأنه لن ينال العقاب، وهذا محتوى كلامه، عندما قال إن السياسات تبنى على مصالح، وليس على قيم أخلاقية، وهذا الأمر بالأساس هو ما سمح له بأن يستمر، ويلقي بخطابه بعد سنوات من جرائمه.

ويضيف درويش: إن إعلان انتصاره على المجتمع السوري والحديث عن مجتمع متجانس يذكّر بخطاب والده عام 1986، حينما أعلن وقتها انتصاره على الشعب السوري، وليس على الإخوان المسلمين، إن نظير فكرة المجتمع المتجانس التي قالها الأسد لها حالة شبيهة في كمبوديا، أيام الخمير الحمر، عندما تم الحديث عن مجتمعين، قسم أطلقوا عليه اسم مجتمع الثورة الماركسية، والقسم الآخر هو المجتمع المتخلف، وكلمة التخلف كانت معيارًا للشيطنة وقتها.. هذه حالة مشابهة لدى كل الديكتاتوريات السابقة، لم يكن الأسد الأول في ذلك، ولكنها من أخطر النظريات العنصرية التي تمهد للإبادة الجماعية، وهذه الكلمة كافية بأن تودي به إلى محكمة العدل الدولية، وأن تستخدم كقرينة قانونية لأنه أباح لنفسه التصفية على أساس طائفي؛ وبالتالي قام بالإبادات الجماعية.

تجانس دون الزائدين!!

الكاتبة والمعارضة ريما فليحان تقول: إن خطاب الأسد خطاب فاشي تصعيدي، يعلن التمسك بالحل الأمني والعسكري حتى النهاية، وقد اعتبر الأسد في خطابه أن كل المهجرين، ممن خرجوا من سورية أو قضوا كضحايا من كل الأطراف، أعدادٌ زائدة لا ضرورة لها، حيث أصبح المجتمع الآن متجانسًا من دونهم!

وتضيف فليحان لقد اعترف الأسد أن الثورة بدأت سلمية، وأن سورية السليمة كانت رؤية الثوار “مع أنه كذب -كالعادة- بأعداد الناس الذين نزلوا إلى الشوارع حيث تظاهر في مدينة حماة وحدها ما يقارب نصف مليون” وإن كلامه عن رغبة الثوار ببقاء سورية سليمة هي إقرار وتأكيد لما أعلنه النظام، منذ البداية عن سياسة “الأسد أو نحرق البلد”. وتنهي فليحان حديثها بالقول: أعتقد أن هذا الخطاب يصلح كوثيقة قانونية يجب أن توثقها المنظمات الحقوقية ضده؛ لأنه يعترف بسياسة التطهير والتهجير ضد شعبه.

تجانس بشار في المعاجم

الصحفية هلا يمليخا تقول: كالعادة، يجتهد ويقدم بشار الأسد معنى جديدًا لمفهوم تجانس الدولة، يحسب له هذا الاجتهاد وتضاف مفردته، بمعناها الجديد، إلى معجم اللغة العربية “تجانس الدولة”، والذي يعني القتلَ والتعذيب والتشريد و”سفق” أبناء الدولة بالكيماوي والبراميل المتفجرة ودك البيوت فوق رؤوس أهلها وخلق جيلٍ كاملٍ غلبه التشوه الجسدي والنفسي، كما عمد بشار إلى تعزيز هذا “التجانس” عن طريق المستورد الإيراني والروسي حصرًا، وتضيف: يثبت بشار الأسد أنه بقي القوة الأكثر تجانسًا في ابتكار “الفهلوة” الإجرامية وتبريرها بين جميع القوى المتصارعة على أرض سورية، منذ خطابه الأول، قبل أكثر من ست سنوات.

خطاب الرفيق الطليعي

المواطن السوري أحمد يوسف يرى أن الخطاب لم يخرج عن نظرية المؤامرة ورفض التبعية للهيمنة الغربية. والخطاب فيه الكثير من المقارنات الركيكة وخصوصًا حديثه عن العاصفة والشجرة، وتمييزه ما بين النظام والدولة في أميركا. ويضيف يوسف: الأسد يفضل أن يرى سورية مقاومة وإن خربت، على أن يرى سورية تابعة للغرب، وبالنسبة إليه، فإن خسارة الرجال أفضى إلى دولة ومجتمع متجانس؛ وبالتالي لا أسف ولا ندم على كل من مات ولا على الدمار والخراب، ما دامت سورية تناهض الهيمنة الغربية ولم تسقط. الخطاب ركيك في كل مقارباته ولغته التنظيرية بأسلوب المحاضرة ودروس التاريخ والتدقيق بالمصطلحات، بطريقة قاموسية مثير للضحك. وينهي أحمد حديثه بالقول: كان يتكلم كمدرس أو كموجه سياسي يخاطب تلاميذ طلائع البعث. لا تغيير ولا جدّة في خطابه.. لقد كان عبارة عن تكرار للشعارات نفسها.

تساؤلات

الطبيب والسياسي مصطفى كيالي يعلق على خطاب بشار الأسد على صفحته الشخصية في (فيسبوك) بالقول: قال بشار الأسد في كلمته: إن وزن العرب صفر في الموازين الدولية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ألم يساهم الحكم في سورية ومنذ زمن طويل في إضعاف العرب في الموازين الدولية، بدءًا من الاصطفافات مع إيران في حرب الخليج الأولى ضد العراق الدولة العربية البعثية العلمانية، ومرورًا بتقوية الدور الإيراني في لبنان، وانتهاء بالالتحاق بمشروع الهلال الفارسي (الشيعي)، وكانت كل اصطفافاته هذه طائفية، وعلى أساس مذهبي وعلى حساب العروبة؟! ويضيف كيالي في “بوست” آخر: لقد قال بشار الأسد في كلمته: “إن ما حدث في سورية كان ضمن مخطط بدأ منذ عام 2002، ولا يجب فصل ما يحدث في سورية عن ذلك”. هذا الكلام صحيح -برأيي- ولكن هناك أكثر من تساؤل: لماذا تماهى مع هذا المشروع (شرق المتوسط) بمرحلة من المراحل؟! وطالما كان مدركًا لحجم هذا المخطط؟ لماذا لم يصارح الشعب السوري مبكرا؟! ولماذا لم يقم بعملية إصلاح سياسي حقيقي ليسد الثغرات على الخارج، ويمنع تنفيذ هذا المشروع؟! أم أنه وجد وحلفاءه الإيرانيين فرصةً في هذه الفوضى؛ ليمكّن مشروع الهلال الشيعي بأرضيته الاقتصادية كنتيجة ومآل لهذا الصراع؟!




المصدر