نيو يورك تايمز: شارلوتسفيل، وداعش والولايات المتحدة


أحمد عيشة

طائرة مروحية عسكرية أميركية في كابول، أفغانستان، نيسان/ أبريل. صورة جوناثان إرنست

لقد كنتُ في الطريق، أثناء عملية القتل في مدينة شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا، في رحلةٍ إلى العالم العربي وأفغانستان، مع قائد القوات الجوية الأميركية الجنرال ديفيد غولدفين، ورئيسه المدني، سكرتير القوات الجوية هيثر ويلسون، ومساعديهم. نحن حاليًا في (قاعدة العِديد) الجوية العملاقة التي تُدار منها الحرب الجوية الأميركية بأكملها، على (داعش)، في سورية والعراق أفغانستان.

مع الأخبار الواردة من شارلوتسفيل، كنتُ أشعر بأني غير محظوظٍ في سفري؛ ثم نظرت حولي، فأصبحت العلاقة مع شارلوتسفيل واضحةً. بمجرد لمحةً واحدة إلى مجموعتنا المسافرة، وإلى الطاقم في هذه القاعدة، أدركتُ على الفور لماذا نحن أقوى دولة في العالم.

ليس لأننا نملك طائرات إف22، ومن المؤكد ليس لأننا نعتمد على سيادة وتفوق البيض، ولكنْ لأنّنا نتبنى التعددية، لأننا ما نزال نجعل من التعدد وحدةً. أنا مؤمن بتفوق وسيادة التعددية.

كيف يمكن ألا أكون؟! أنظرُ حولي، فأرى قائد سلاح الجو، وهو من أصلٍ يهودي من أوروبا الشرقية، يرفع تقاريره إلى سكرتيرة سلاح الجو التي كانت من أوائل النساء اللواتي تخرجن من أكاديمية القوات الجوية، وكبير مساعديه امرأة برتبة كولونيل، أميركيةٌ من أصلٍ أفريقي، وقائد القاعدة هنا في قطر، الذي يشرف على الحرب الجوية كلها، من أصلٍ أرمني، ونائبه الأول من أصلٍ لبناني.

في مركز القيادة، قُدّمتُ لاثنين من الجنود الأميركيين الناطقين بالروسية الذين يُطلبون يوميًا من 10 إلى 12 مرة على “الخط الساخن” المحلي للتحادث مع مركز القيادة الروسية في سورية، للتأكد من أنَّ الطائرات الروسية لا تتصادم مع طائراتنا. أحد هؤلاء الجنود مولودٌ في روسيا، والآخر، غادر كييف، أوكرانيا، قبل خمس سنواتٍ فقط، قال لي لأنه يحلم بالانضمام إلى سلاح الجو الأميركي: “هذا هو بلدُ الفرص”.

بعدئذ، قدّم لنا فريق الابتكار القتالي تقريرًا موجزًا، هو تصميم خوارزميةٍ جديدة للاستهداف الديناميكي مع الزملاء في وادي السيليكون. أسأل قائدهم عن اسمه الأخير -إيتو- فيوضح لي: “أبي من كوبا، وأمي من المكسيك”. أما التقرير فقدمه “الكابتن يانغ” من الاستخبارات.

السبب في أنّ أميركا هي القوة العليا في هذه المنطقة هو أن الجيش الأميركي يمكن أن يأخذ كل هؤلاء الأشخاص المختلفين ويوحّدهم، والسبب في أننا عالقون في هذه المنطقة ولا نستطيع الخروج منها هو وجود الكثير من الدول القومية. الناس هنا يقاتلون فقط من أجل أحلامهم المتميزة المتمثلة في التفوق: التفوق الشيعي، والتفوق السني، والتفوق العلوي، وتفوق طالبان، والتفوق التركي، والتفوق الفارسي.

باستثناءاتٍ قليلة، لا تستطيع أنْ تولّد تشاركًا مستدامًا بالسلطة قائمًا على الاكتفاء الذاتي. وهذا هو السبب في أننا نبقي على هزيمة أسوئهم، وأنهم ما يزالون يفتقدون إلى السلام، لأن الأفضل منهم لا يمكن أبدًا أن يتقاسم السلطة لفترةٍ طويلة وعميقة، بما يكفي لبناء الاستقرار الدائم.

لا يتحدث أيٌّ من العسكريين الأميركيين هنا عن السياسة الأميركية، لكني فعلت، وبصفتي مواطنًا، أقول إنّهم يستحقون قائدًا عامًا لا يحتاج إلى ثلاث محاولات ليدين على مضضٍ المتظاهرين البيض العنيفين. التعددية هي مصدر قوتنا الحقيقي في الداخل والخارج، يجب أنْ نرعاها، ونحتفل بها ونحميها من أعدائها في كلِّ مكانٍ، ودائمًا.

الآن بعد أن بحتُ بما في صدري، دعونا نتحدث استراتيجيًا. قمنا بجولة في مركز القيادة هنا، شاشاتٌ بحجم الجدار التي تأخذ البيانات من الأقمار الصناعية، والطائرات من دون طيار، والطائرات المأهولة، والحساسات الفضائية، وأجهزة الاستشعار، والاستخبارات البشرية، وناقلات التزود بالوقود الجوي، وتحولّ تلك البيانات إلى سلسلةٍ من قرارات الاستهداف الاستراتيجي. مشاهدة الخرائط لكل هذا على حدٍّ سواء أمرٌ تقشعر له الأبدان، ويخلب الألباب.

نحن نتحرك “من حروب استنزاف إلى حروب معرفة وعلم”، كما أوضح الجنرال غولدفين. “هذه النظم المتكاملة الجديدة هي حالة لا مثيل لها من التقدم المذهل، وهي -في الوقت نفسه- بطيئة جدًا بالنسبة إلى المستقبل”.

في أحد الأيام الأخيرة، يمكنك أن تنظر إلى تلك الشاشات؛ فتجد طائرةً مقاتلة سورية تستعد لإسقاط القنابل بالقرب من القوات الخاصة الأميركية في سورية. ومن المقرّر أن تقصفها من الجو طائرةٌ مقاتلة أميركية، بينما تراقب مقاتلتان روسيتان من ارتفاع عال، وتراقب طائرةُ F-22 الأميركية (الشبح)، الطائراتِ الروسية، وهم يشاهدون الطائرة الأميركية التي تراقب الطائرة السورية.

بينما يحدث هذا كله، ينير نظام أرض-جو السوري الساحلي، حيث المقاتلات التركية، والأردنية، والإسرائيلية تئز داخل وخارج المسرح. وعلى نحو يومي تقريبًا يتم توجيه طائرة من دون طيار إيرانية الصنع من قبل عناصر الحرس الثوري الإيراني، في صحراء شرق سورية، يبحثون عن القوات الخاصة الأميركية؛ وقد أسقطنا طائرتين منها أيضًا.

إذا حاولتَ بيع هذه الدراما الحقيقية إلى شركة ألعاب فيديو؛ فسيتم رفضها على أنّها غير واقعية. هناك طائرةٌ مقاتلة أميركية واحدة فوق سورية -على مدار الساعة- ويجب إعادة تزويدها بالوقود الجوي ثماني أو تسع مراتٍ، خلال مهمتها التي تستغرق ثماني ساعات. إضافة إلى طائراتٍ في العراق وأفغانستان، وفي كلِّ يوم ينسق سلاح الجو حركة ما يصل إلى 60 ناقلةً من طراز ك.س-135 (محطات الغاز الجوي) التي تعمل فوق هذه البلدان الثلاثة.

في الوقت نفسه، تشتري (داعش) طائرات من دون طيار من مواقع التسوق عبر الإنترنت، وتزودها بكاميراتٍ من نوع غو برو GoPro، وقنابل يدوية ترميها على القوات الأميركية والعراقية، أو سيارات الدفع الرباعي المضادة للدروع لتحمّلها بالمتفجرات، وانتحاري، وتحولّها إلى عربةٍ قوية مدفوعة بقوة نحو قواتنا أو قوات حلفائنا.

ما هي الاخبار الجيدة؟ (داعش)، بعد أنْ هُزمت إلى حدٍّ كبير في العراق، من المرجح أنْ تُهزم في سورية أيضًا، من قبل الأميركيين، والأكراد، والروس، والسوريين، والإيرانيين، والميليشيات الموالية لإيران.

الأخبار السيئة؟ هناك فرصةٌ جيدة بأن تقع أراضي (داعش)، في نهاية المطاف، تحت نفوذ إيران، وللحيلولة دون ذلك، ينبغي على العالم الإسلامي العربي السني، أن يعمل معًا، ولكنّه ضعيفٌ ومنقسم على الدوام؛ ولهذا السبب تسيطر إيران الآن -بشكلٍ غير مباشر- على أربع عواصم عربية هي: بيروت وبغداد وصنعاء ودمشق. وما هو مخيفٌ حقًا هو أنَّها تسيطر عليهم بثمنٍ بخسٍ جدًا، إنها تحكمهم من خلال وكلاء.

يمكننا القضاء على تطرف (داعش)، مع آلة حربنا التعددية، ولكن الشيء الوحيد الذي لا يمكننا القيام به هو خلق تعدديةٍ سنية شيعية، تشارك في السلطة، ليحلَّ محل سيطرة وتطرف (داعش). وهذا هو السبب في أننا نستمر في التراجع مرةً أخرى، ليس لجعل الأمور أفضل ولكن، كما هو الحال دائمًا، لمنع السيئ من أن يصبح فظيعًا. لطالما أردت أن تكون الأمور على خلاف ذلك، ولكنها لم تكن، وربما لن تكون. إذا حاولنا ولم ننجح، فهل نواصل المحاولة؟

لا يمكنك زيارة واحدة من هذه القواعد الأميركية الضخمة التي بُنيت منذ 9/11، وأنت ترى تفاني الشبان والشابات، وتطوّر النظم التي بنوها، دون أن تعجب، ولكن ماذا لو أننا استخدمنا كلَّ هذه الموهبة، والطاقة، والمثالية، والتعددية على عدم دعم نظام الدولة العربية المتقلب ضد إيران، وبدلًا من ذلك، استخدمناها في إصلاح أسوأ أحياء بالتيمور وشيكاغو وديترويت؟ نحن بحاجةٍ إلى إجراء مناقشة وطنية حول هذا الموضوع.

اسم المقالة الأصلي Charlottesville, ISIS and Us الكاتب توماس ل. فريدمان، Thomas L. Friedman مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times، 16/8 رابط المقال https://www.nytimes.com/2017/08/16/opinion/charlottesville-isis-us-syria.html?mcubz=0&_r=0 ترجمة أحمد عيشة


المصدر