“داعش” محور العمليات شمالاً وجنوباً .. هل تقع المعارضة في فخّ “الحل الواقعي”؟


muhammed bitar

بالرغم من توقيع اتفاقات “خفض التصعيد” في عدد من المناطق السورية، إلا أن المواجهات العسكرية تتواصل سواء في وسط البلاد وشرقها وجنوبها الغربي ضد تنظيم الدولة “داعش”، أو بين قوات المعارضة والنظام في محيط دمشق وجنوب البلاد.

وبالتوازي، تتكثف الضغوط على الائتلاف الوطني السوري المعارض من أجل انتهاج سياسة “واقعية” تقبل بمشاركة منصتي القاهرة وموسكو في وفد المعارضة بما يفضي في النهاية إلى الموافقة على وجود بشار الأسد في المرحلة المقبلة، وعدم اعتبار رحيله شرطاً مسبقاً للمرحلة الانتقالية كما ظلت تقول أدبيات المعارضة حتى الآن.

ولعل أهم المعارك هي تلك التي تجري في الرقة حيث تتواصل العمليات العسكرية بوتائر متباينة دون تحقيق اختراقات كبيرة على الأرض، لكنّ العنوان الأبرز للمعارك هو استمرار سقوط ضحايا مدنيين خاصة نتيجة غارات طيران التحالف التي حصدت في الأيام الأخيرة أرواح عشرات المواطنين، وسط أوضاع إنسانية صعبة في ظل الحصار المفروض عليهم.

وفي تقريره الشهري الأخير الذي صدر في آب الجاري، قدّر التحالف الدولي أن “624 مدنياً على الأقل قتلوا بشكل غير متعمد في ضربات التحالف” منذ بدء عملياته العسكرية، لكن منظمات حقوقية تقدر أن العدد أكبر من ذلك بكثير.

من جهتها، قالت الأمم المتحدة إن أكثر من 200 ألف شخص فروا منذ نيسان الماضي من منازلهم في المنطقة المحيطة بمدينة الرقة، فيما لا يزال نحو 25 ألف مدني محاصرين داخل المدينة.

في هذه الأثناء، تتواصل المعارك بين ميليشيات “قوات سوريا الديمقراطية” وتنظيم “داعش” في عدة أحياء من مدينة الرقة، حيث تشن تلك الميليشيات للشهر الثالث معركة عسكرية بغطاء جوي من التحالف، بهدف الاستيلاء على المدينة، وكانت ميليشيات “قسد” قد أعلنت مؤخراً سيطرتها على نقاط جديدة جنوبي مدينة الرقة، وباتت تسيطر حالياً على نحو 60% من المدينة.

احتواء جميع الأطراف

في غضون ذلك، خرقت قوات النظام اتفاق وقف إطلاق النار شرقي العاصمة دمشق، بعد دقائق من دخوله حيز التنفيذ مساء يوم الجمعة الماضي، وقصفت عدداً من البلدات ما أدى لجرح مدنيين، كما قصفت المنطقة المنطقة الممتدة بين حي جوبر ومدينة زملكا وبلدة عين ترما بصواريخ “أرض-أرض” من مواقعها في ثكنة كمال مشارقة.

وكان “فيلق الرحمن” أعلن عن التوصل لاتفاق مع روسيا يقضي بوقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية بريف دمشق، وقال الفيلق في بيان له إن مفاوضات مع ممثلي الجانب الروسي جرت في جنيف واستمرت 3 أيام، أسفرت عن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية، يشمل أيضاً فك الحصار عنها مع الحفاظ على استحقاقات العملية السياسية.

من جهته، قال المتحدث باسم “فيلق الرحمن” وائل علوان في تصريحات صحفية إن الاتفاق مع الجانب الروسي يتضمن وقفاً لإطلاق النار في الغوطة الشرقية وحي جوبر الدمشقي، ويشمل وقف عمليات القصف بجميع أنواع الأسلحة، ودخول المساعدات الإنسانية، إلى جانب فتح معابر إنسانية وتجارية، لدخول المواد الغذائية ومواد الإعمار دون أية معوقات أو أتاوات من قبل نظام الأسد، إضافة إلى تشكيل لجنة لدراسة ملف المعتقلين والمغيبين والمختطفين في سجون وأقبية نظام الأسد.

وأوضح علوان أن الاتفاق الجديد كان مباشراً مع الروس دون وسطاء، في إشارة إلى رئيس “تيار الغد” السوري أحمد الجربا عرّاب اتفاق “خفض التصعيد” في الغوطة الشرقية بين “جيش الإسلام” ووزارة الدفاع الروسية ورعاية الحكومة المصرية، الذي تم التوصل إليه في القاهرة يوم 22 من الشهر الماضي.

وكان “فيلق الرحمن” قال في وقت سابق إن الجهات الراعية لاتفاق القاهرة لم توجّه الدعوة للفيلق للتوقيع عليه، واقتصر تطبيقه تالياً على المناطق التي يسيطر عليها “جيش الإسلام”.

وفي موسكو، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنه مع انضمام “فيلق الرحمن” إلى الهدنة في سوريا أصبحت جميع الفصائل المعارضة التي تنشط في الغوطة الشرقية مشاركة في نظام الهدنة، مشيرة الى أن الاتفاق يقضي بتوقف الفيلق عن أية عمليات قتالية، بما في ذلك منع عمليات قصف تستهدف البعثات الدبلوماسية في دمشق.

وذكر بيان وزارة الدفاع الروسية أن “فيلق الرحمن” أبدى استعداده لمحاربة تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” (التي تشكل أكبر فصيل في هيئة تحرير الشام) بلا هوادة.

وينتشر “فيلق الرحمن” في حي جوبر ومناطق واسعة من القطاع الأوسط في الغوطة الشرقية، وتمكن من إحباط جميع محاولات قوات “الفرقة الرابعة” التي تعتبر القوة الضاربة في قوات نظام الأسد، للتقدم في المنطقة، بعد أكثر من شهرين من المعارك المتواصلة على محاور عين ترما وجوبر.

 

الحدود الأردنية

وفي الجنوب السوري، أطلق “جيش أحرار العشائر” معركة تحت اسم  “رد الكرامة”، لاستعادة المواقع التي انسحب منها مؤخرًا لصالح قوات النظام على الحدود مع الأردن.

وقال “جيش أحرار العشائر” في مقطع مصور بُث على قناته الرسمية في “يوتيوب”، إنه قتل وأُسر عدداً من عناصر قوات النظام بعد ساعات من إعلانه المعركة في بادية السويداء والتي تستهدف استعادة النقاط والمواقع التي خسرها مؤخراً.

وكانت قوات النظام سيطرت في العاشر من الشهر الجاري على جميع النقاط والمخافر في الريف الجنوبي الشرقي للسويداء، على الحدود السورية – الأردنية، بعد انسحاب “أحرار العشائر” منها، وبالتوازي، تدور اشتباكات بين قوات النظام وفصيلين من “الجيش الحر” شرقي السويداء، هما “جيش أسود الشرقية” و”قوات الشهيد أحمد العبدو” حيث يحاول النظام انتزاع مناطق من المعارضة بينما تسعى الأخيرة للسيطرة على المناطق التي انسحب منها “جيش العشائر” وأعلنت الثلاثاء الماضي إسقاط طائرة للنظام في البادية واعتقال قائدها.

وفي محافظة درعا أيضاً، عيّن “جيش خالد بن الوليد” المرتبط بتنظيم “داعش” قائداً جديداً له، بعد يوم على مقتل قائده السابق وائل العيد (أبو تيم إنخل) جراء استهداف موقع للتنظيم في بلدة “الشجرة” الواقعة في حوض اليرموك.

وقال ناشطون إن القائد الجديد هو نادر الذياب (أبو علي) وهو من أبناء بلدة “فريخة” بريف القنيطرة، وكان مقاتلو المعارضة أسروه قبل أكثر من عام في بلدة حيط غربي درعا، حيث بقي في السجن ستة أشهر قبل أن يخلى سبيله ضمن عملية تبادل مع “جيش خالد” خرج بموجبها ستة من مقاتلي المعارضة.

وكان تفجير “غامض” وقع الخميس في مبنى المحكمة الشرعية الذي تحول إلى سجن، ما أدى الى مقتل 12 شخصاً بينهم أمير التنظيم وقائده العسكري وبعض الحراس فضلاً عن عدد من المساجين من آل البريدي من أقارب مؤسس التنظيم  “أبو علي البريدي”، والذين جرى اعتقالهم بتهمة التخطيط للانقلاب على قيادة التنظيم.

معركة الجرود

وفي غرب البلاد، بدأ الجيش اللبناني هجوماً واسعاً على مناطق سيطرة تنظيم “داعش” قرب الحدود السورية – اللبنانية، بالتزامن مع هجوم آخر لميليشيا “حزب الله” اللبنانية وقوات النظام على مواقع التنظيم في منطقة القلمون الغربي بريف دمشق.

ويسيطر “داعش” على منطقة جبلية واسعة جزء منها في شرق لبنان والآخر في سوريا، وتقدر مساحتها بـ 296 كلم مربع، منها 141 كلم مربعاً في لبنان.

وشدد الجيش اللبناني على أنه لا ينسق مع ميليشيا “حزب الله” أو مع قوات الأسد في العملية العسكرية ضد تنظيم “داعش”، وأطلق الحزب وقوات النظام عملية أسمياها ” لئن عدتم عدنا” ضد التنظيم في القلمون الغربي وذلك بعد أيام على خروج “هيئة تحرير الشام” من جرود بلدة عرسال اللبنانية في إطار اتفاق إجلاء تم التوصل إليه بعد عملية عسكرية لـ “حزب الله”، وخرج على إثر ذلك نحو ثمانية آلاف مقاتل من “الهيئة” ولاجئ سوري من جرود بلدة عرسال إلى مناطق واقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة.

واللافت أنه لم يكد الجيش اللبناني يعلن انطلاق عمليته ضد التنظيم، حتى سلم نحو خمسين عنصراً من التنظيم أنفسهم لـ “حزب الله” وعلى رأسهم أبو براء الجراجيري مع مجموعته، وهو المسؤول الشرعي العام لتنظيم “داعش” في الجرود وكان أحد أبرز أسباب سقوط يبرود يوم غدر بالجيش السوري الحر في القلمون الغربي من الخلف.

وبحسب بعض المصادر، فإن “أبو السوس الجربان” القائد العسكري العام لـ “داعش” في الجرود هو عميل لـ “حزب الله”، وهو الذي يعرفهم وبنى تواصله مع الحزب منذ سنوات طويلة من خلال التهريب الذي كان يمارسه بين القصير والهرمل، لكن هذا التبادل في المصالح وصل إلى نهايته لأن الحزب سيسعى لقتل قيادات “داعش” لكي لا تكشف ألاعيبهم.

ضغوط على المعارضة

وعلى الصعيد السياسي، تُعقد في العاصمة السعودية الرياض اجتماعات بين وفد الهيئة العليا للمفاوضات السورية، ومنصتي القاهرة وموسكو بهدف تقريب وجهات النظر بين أطراف المعارضة السورية وبحث إمكانية تشكيل وفد موحّد إلى مفاوضات جنيف المقبلة.

وتأتي هذه الاجتماعات إثر ضغوط مكثفة يقوم بها المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، على المعارضة السورية بهدف دفعها إلى التعاطي بـ”واقعية” مع المعطيات السياسية التي أفرزها التفرّد الروسي بالملف السوري نتيجة تواصل الغياب الأميركي، إلا ما يخص محاربة تنظيم “داعش”، بالتزامن مع انكفاء إقليمي، إذ أصبحت تركيا تركّز على تحقيق مصالحها القومية، بينما تنشغل دول الخليج بأزمتها الخاصة، مع بروز معطيات عن “استدارة” سعودية باتجاه “الحل الواقعي” الذي باتت تتبنّاه بعض القوى الدولية، ويروج له دي ميستورا.

وكانت مصادر في الهيئة العليا كشفت أن الهيئة شكّلت في الخامس من الشهر الحالي لجنة للحوار مع منصتي القاهرة وموسكو، موضحة أن اللجنة تضم كلاً من: جورج صبرا، أحمد العسراوي، رياض نعسان آغا، حسن إبراهيم، محمد عبد القادر مصطفى، عبد الحكيم بشار، أحمد حجازي، على أن تتعاون مع أمين سر الهيئة العليا للمفاوضات صفوان عكاش.

بموازاة ذلك، وفي ما يبدو أنه ضمن إطار الضغوط على المعارضة، أعلن دي ميستورا تأجيل المشاورات الفنية مع المعارضة السورية التي كانت مقررة هذا الشهر، واعتبر في مؤتمر صحافي في جنيف أن التأجيل سيتيح فرصة مهمة للمعارضة من أجل إعادة تنظيم صفوفها، إذ تحتاج إلى بعض الوقت من أجل الوصول إلى مقاربة شاملة، لافتاً إلى أن “مباحثات جادة سوف تجري بين الهيئة العليا للمفاوضات ومجموعتي القاهرة وموسكو”.

ويرى مراقبون أن ضعف الدول الداعمة للثورة السورية واختلاف أجنداتها تسبب بتغوّل روسيا في “الصراع السوري” وفرض وجودها بتدخّلها بتفويض غير معلن من الإدارة الأميركية للحفاظ على نظام الأسد، وساعد على ذلك الخلاف الخليجي مع قطر ودخول تركيا طرفاً فيه ما جعل المعارضة السياسية في أسوأ أيامها.




المصدر