إيجارات المنازل “تحلّق” في جرابلس…والمجلس المحلي يتخبّط


muhammed bitar

مع اقتراب نهاية كل شهر، يضع محمد العبدالله يده على قلبه خوفاً من أن يقرر المُؤجر (صاحب منزله) برفع إيجار المنزل الشهري، فهو بالكاد يستطيع سداد الإيجار الحالي البالغ 75 ألف ليرة سورية (150 دولارًا أمريكيًا).

وما يزيد من مخاوف الخمسيني النازح من دير الزور والمقيم في مدينة جرابلس، أن الإيجارات تواصل ارتفاعها في هذه المدينة الصغيرة التي تشهد اكتظاظاً سكانياً قلّ مثيله في المدن والبلدات السورية الأخرى.

يقول العبدالله “لن يطول الأمر حتى يطلب المؤجر زيادة في قيمة الإيجار، وحينها قد اضطر لمغادرة المدينة إلى أخرى تكون فيها الأسعار متهاودة إلى حدٍ ما”.

ويضيف لـ”صدى الشام” متسائلاً، “لكن إلى أين سأذهب بعائلتي وأطفالي، وكل المدن القريبة مكتظة بالسكان، والمخميات كذلك الأمر بالرغم من صعوبة الحياة فيها؟”.

وليس هذا حال العبدالله وحسب، إذ تشير مصادر محلية إلى أن غالبية الوافدين إلى مدينة جرابلس يعانون ما يعانيه العبدالله، علماً أن غالبيتهم في عداد العاطلين عن العمل، بسبب قلة فرص العمل المتاحة.

أسباب الارتفاع

قبل عام واحد تصدرت جرابلس قائمة اهتمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية، حيث اختيرت هذه المدينة الحدودية الصغيرة في شمالي حلب، لتكون محطة البداية لمعركة “درع الفرات” التي خاضتها المعارضة مدعومة بالقوات البرية والجوية التركية.

ومنذ تحرير المدينة من تنظيم “داعش” في آب الماضي، تحولت جرابلس إلى نقطة جذب للسوريين الباحثين عن ملاذ آمن من نيران الحروب، الأمر الذي أدى إلى ضغط سكاني كبير عليها.

وساهم تزويد تركيا لجرابلس بالتيار الكهربائي دون غيرها من سائر مدن وبلدات ريفي حلب الشمالي والشرقي المحررة، في زيادة إقبال النازحين على المدينة، إلى جانب عوامل أخرى أبرزها قربها من الحدود التركية و زيادة نسبة الأمان فيها، وكذلك وجود المعبر الحدودي (معبر جرابلس) فيها، الذي يساهم في زيادة النشاط التجاري وتأمين فرص العمل.

وعلاوةً على ذلك، تضم المدينة مراكز صحية من بينها مشفى متكاملًا تحت إشراف تركي، ومحكمة وعدد من المراكز الأخرى.

ويترافق هذا الضغط السكاني الهائل على جرابلس، مع صغر المساحة العمرانية  وقلة الوحدات السكنية فيها، كونها مدينة زراعية بالدرجة الأولى.

وذكر رئيس مجلس جرابلس المحلي، عبد خليل، أن جرابلس تستوعب في الوقت الحالي ما يزيد عن 60 ألف نسمة في المدينة، علماً بأن المدينة وريفها غير معدة إلا لاستقبال نصف هذا العدد فقط.

ورأى في تصريحات لـ”صدى الشام” أن ارتفاع الإيجارات السكنية وحتى التجارية منها “أمر طبيعي” وفق قانون العرض والطلب.

لكنه في الوقت ذاته، بدا خليل غير راضٍ عما وصلت إليه أسعار الإيجارات في جرابلس، وقال في هذا الإطار “تتراوح أسعار الإيجارات الشهرية للمنزل الواحد ما بين 150-300 دولار أمريكي، وهي أسعار مرتفعة جداً، ولا تنناسب مع الوضع الاقتصادي للسوريين عموماً وللنازحين منهم على وجه الخصوص.

المخيمات تفاقم الأزمة

 يفاقم مخيم “زوغرة” -الذي تم إنشاؤه العام الجاري بالقرب من جرابلس لاستقبال النازحين من حي الوعر في حمص- من مشكلة السكن في المدينة، إذا يتطلع غالبية سكان المخيم البالغ عددهم نحو 8 آلاف نازح إلى السكن في المدينة للخلاص من الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشونها في المخيم الذي يفتقر لكثير من الخدمات الضرورية.

ويتحدث أبو علي، وهو واحد من سكان المخيم، عن ظروف صعبة يعيشونها ، مشيراً إلى أن ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف، وعدم فعالية الخيام القماشية أمامها، أدت بكثير من النازحين إلى ترك المخيم والتوجه إلى جرابلس، ويقول لـ”صدى الشام”، “رغم عدم قدرة غالبيتنا على دفع الإيجارات المرتفعة، إلا أن الأمر لا يطاق هنا في المخيم”.

ويلفت إلى خوف الأهالي من اقتراب فصل الشتاء، ويضيف “في الشتاء الماضي عايشنا أوضاعاً صعبة للغاية، ولذلك يسعى كل سكان المخيم إلى تركه وتأمين منزل في جرابلس قبل حلول موسم الأمطار”.

حلول قاصرة

وكان المجلس المحلي، قد عاد بعد ساعات عن قراره الذي اتخذه بشأن تحديد أسعار الإيجارات بـ35 دولار للغرفة الواحدة، مبرراً ذلك بـ”النزول عند رغبة الأهالي، وخشية تفسيره بشكل خاطئ من بعض المفسدين”.

وتعليقاً على ذلك، رفض رئيس مجلس جرابلس المحلي وصف ما جرى بـ”التراجع”، مبيناً أن القرار مؤجل فقط، إلى حين اكتمال اللجنة المكلفة بدراسته بشكل جيد ومفصّل.

وأوضح خليل، أن مسودة القرار الذي تم توقيعه بشكل مبدئي لاقت اعتراضاً من قبل الأهالي، لأنها افتقرت إلى توضيح بعض التفاصيل المهمة لحسم الجدل في هذا الأمر نهائياً.

وتابع “إننا نسعى لوضع ضوابط بالحد الأدنى لمشكلة إرتفاع الإيجارات، ونحاول أن نتدخل بحلول إسعافية، لكن تدخلنا يبقى محدود التأثير، إن لم يجاريه وجود حلول جذرية”.

ورأى خليل أن هذه الأزمة بحاجة إلى تدخل دولي، معتبراً أن “بناء عشرات أو المئات من الوحدات السكنية لربما لن يكون حلاً مجدياً”.

وبيّن أن مشكلة السكن في جرابلس بحاجة إلى قرار دولي أو منظماتي لبناء مدينة جديدة بالقرب من جرابلس، واستدرك قائلاً “هذا حل غير مطروح على المدى القريب بسبب الخلافات في الرؤى فيما بين الدول الفاعلة في الشأن السوري”.

من جانب آخر، ألمح خليل إلى وجود حلول أخرى، من بينها توسيع رقعة المساحات المحررة، وصولاً إلى مدينة منبج، التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”.




المصدر