روسيا تتهم إيران بقصف معرض دمشق الدولي


حافظ قرقوط

أخذ الحديث عن سقوط قذيفة على مدخل معرض دمشق الدولي، يوم الأحد الماضي، يتصاعد بعد أن نشرت صفحة (القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية) على (فيسبوك) تعليقًا، يوم الإثنين الماضي، يتهم ميليشيات إيران بالقصف، لكنها سرعان ما استبدلته بمنشور آخر.

ذكرت صفحة القناة الناطقة باسم القيادة العسكرية الروسية في سورية -المتواجدة بقاعدة حميميم على الساحل السوري- في منشورها الأول: “لدينا شكوك حول قصف مدينة المعارض، ومعرض دمشق الدولي، والنتائج الأولية تشير أن مصدر القذائف هو منطقة السيدة زينب التي لا تبعد أكثر من 4 كم عن مدينة المعارض”.

بعد النشر، استبدلت “القناة” بما كتبته منشورًا آخر يشير إلى أن “الاعتداء الصاروخي على مدينة المعارض في العاصمة دمشق، يوم أمس، تم عبر جهة غير مسؤولة تسعى إلى زعزعة الاستقرار وتقويض مساعي روسيا لإنهاء الصراع في البلاد”.

لا يختلف التعليقان عن بعضهما إلا بتحديد المنطقة الجغرافية التي جاءت منها القذيفة، وهي السيدة زينب، كما أن الصيغة التي جاء بها المنشوران، مع هذا التصرف باستبدال المنشور، ربما لا تحتاج إلى كثير من الجهد للمتابعين كي يكتشفوا حجم الهوة التي أخذت تتوسع، بين روسيا وإيران، على الأرض السورية، من حيث المصالح والغايات.

يشار إلى أن موقع (مراسل سوري) ذكر، في تقرير له صدر يوم الأحد، مستندًا إلى مصادر “مطلعة داخل النظام”، أن “مصدر القذيفة منطقة مجاورة للغوطة الشرقية، خاضعة لسيطرة ميليشيا (ذو الفقار الشيعية) التي تشارك إلى جانب النظام”، وأضاف أن “طائرة استطلاع روسية، حددت مكان إطلاق القذيفة”، وأكد أن مكان الإطلاق “منصة متمركزة بجانب مصنع (تاميكو) للأدوية، في أطراف بلدة المليحة الخاضعة لسيطرة النظام”.

لا يعني ذلك أن نيّات الروس أفضل من نيّات الإيرانيين، ولا يعني أن نظام الأسد خارج ما يجري من حسابات مبنية على (البلطجة) السياسية والعسكرية، ولكن من الممكن، أخذ طرف رابع على الساحة الداخلية أيضًا هو تلك الميليشيات التي أصبحت الحاكم بأمره في مناطق تواجدها، وقد كبرت على مؤسسيها، وبالذات النظام السوري، فإذا كان الأسد -في لحظة ما- قد لجأ إلى كل ما يمكن أن يمدد فترة سلطته؛ فهو الآن تقلص إلى أداة بيد الآخرين؛ ليطيلوا فترة سلطتهم وينطبق ذلك على أي ميليشيا صغيرة بحي هامشي في أي مدينة.

إن المشروع الإيراني المبني على تصدير (الثورة الإسلامية)، وقد استعمل لأجلها المال السخي ولعب على شحن الغرائز الطائفية في المنطقة، لا يمكنه أن يعيش إلا على الخراب، وهو يذكر بالمشروع الصهيوني في فلسطين، بينما المشروع الروسي هو بالمحصلة اقتصادي، وهذا بالضرورة يتطلب حالة من الهدوء العسكري والاستقرار الأمني وخاصة لمشاريع النفط والغاز، كما أن روسيا ترى نفسها لاعبًا على مستوى أكبر، بالنظر إلى أنها وارثة للاتحاد السوفيتي كدولة عظمى، وهي مُصدّرة للسلاح وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي تستطيع من خلال امتلاكها (الفيتو) المساومة في القضايا الدولية، بينما إيران مجالها طائفي ينتمي إلى الماضي، وتريد أن تسوّق نفسها على أنها لاعبًا مقابل أميركا وأوروبا.

نظام الأسد بدوره، يدرك أن أي حالة استقرار داخلي، في هذه الآونة، ستتعارض مع أساس وجوده المبني على القتل والدمار، كنظام أمني لا يملك بديلًا عن لذلك، كما أن أدواته جميعها خرجت عن إرادته؛ فتحول إلى ميليشيا ضمن الميليشيات المتعددة، فيما الاقتصاد الذي حاول أن يروج له، من خلال افتتاح المعرض بعد انقطاع دام سنوات، ومن سياق الخطاب البائس الذي ألقاه رأس النظام، ليقنع به العالم أنه صاحب القرار حتى بالعلاقات الديبلوماسية والاقتصادية، لكن هذا النظام بتلك المحاولة ليس من مصلحته زعزعة لحظات الهدوء التي رغب في أن يستغلها إلى أبعد حد ممكن، ونشر شرطته العسكرية في مراكز الانطلاق للمعرض وعلى الطريق، وخفف عدد الحواجز داخل العاصمة، ليوصل رسالة (الاقتدار) المزعومة.

قد يكون الطرح السابق على درجة من الواقعية، بالرغم من امتعاض النظام من الخطط والاتفاقات الروسية المباشرة مع المعارضة في اتفاق (تخفيف التصعيد)، وهو يحاول دائمًا خرقها، وقد بدت واضحة في ريف حمص الشمالي، حيث اضطر الروس إلى سحب شرطتهم العسكرية، بعد قصف طيران النظام ومدفعيته للبلدات والمدن التي دخلت الاتفاق، فردت فصائل المعارضة على ذلك وانسحب الروس بعد يوم واحد من مكانهم بالدار الكبيرة، لتعيد موسكو تنظيم اتفاق جديد مع المعارضة، دون أدنى اعتبار للنظام.

الجديد في الموضوع يمكن الإشارة إليه، بما أوردته ليل الإثنين صفحة (قناة حميميم) نفسها على (فيسبوك)، حول الغوطة الشرقية لدمشق، حيث المعرض يقع على كتفها الجنوبي، فقد أفادت بأنه “سيكون متاحًا لمقاتلي التنظيمات المتشددة الموجودين، في منطقة خفض التوتر في الغوطة الشرقية، مغادرة مواقعهم إلى المناطق الشمالية من البلاد، مع وجود ضمانات تقدمها روسيا الاتحادية، للعبور الآمن لهم إلى مدينة إدلب السورية”.

هذا يشير إلى أن روسيا أصبحت متحكمة بقوة في تفاصيل العاصمة التي تعتبرها إيران قاعدتها الأساس، والضمان الروسي لا يناسب الميليشيات الإيرانية التي رأت في نفسها صاحبة التأثير والقرار على الأرض، بما فيه قرارها على جيش الأسد نفسه بالعاصمة ومطاره وحواجزه، وربما الحراسة الخاصة للأسد في قصره؛ فغمزت لقصف المعرض، وهو عمليًا تذكير بقدرتها على تعطيل حركة طريق المطار الدولي.

من المرجح أن نيران وشظايا تلك القذيفة ستصل إلى كواليس العلاقات الروسية الإيرانية، بل هي خارجة من داخل تلك الكواليس، وإن نظام الأسد -في افتتاحه للمعرض- يريد أن يُظهر للعالم أن العاصمة أصبحت مستقرة بيده، وهي جاهزة لاستقبال السفراء والشركات، ويريد للمعرض أن ينجح بعد ذلك الانقطاع، وسعى داخليًا سعيًا جاهدًا لإنجاحه، واستضاف فنانين مأجورين من مصر للترويج له، لكي تذهب الناس لزيارته، وعلى الأغلب أنه لا يحتاج إلى تعكير ما يزعم أنها “انتصارات”، بحسب خطاب الأسد الأخير، لذلك تبقى هذه القذيفة مرتبطة بيد إيرانية، والهدف الأكبر منها هو سورية، وصياغة مستقبلها بتلك الأيادي الآثمة، وهي بالنتيجة لعبة عصابات تتوزع الأدوار، بين موسكو وطهران والأسد ولفيفهم، على حساب السوريين.




المصدر