on
فورين أفيرز: ما هو الخطأ الفادح الذي ارتكبته جماعة الإخوان المسلمين؟
بتاريخ 14 آب/أغسطس من سنة 2013، خلال ما يُعرف باسم “مجزرة رابعة”، قمعت قوات الأمن المصرية الاعتصامات التي نظمتها جماعة الإخوان المسلمين في الساحات العامة بالقاهرة والجيزة. ما أدى إلى مقتل مئات المتظاهرين الذين احتجوا على الإطاحة بأول رئيسٍ منتخب في مصر “محمد مرسي”.
في الواقع صدم تقرير هيومن رايتس ووتش، الذي كشف أن حصيلة القتلى قد وصلت إلى 800 شخص، المجتمع المدني، لكن لم تفاجئ عمليات سفك الدماء تلك جماعة الإخوان المسلمين. فمنذ لحظة الإطاحة بمرسي يوم 3 تموز/يوليو، فهم قادة جماعة الإخوان أنهم في معركة “اقتل وإلا سوف تُقتل” مع الحكومة المصرية الجديدة المدعومة من الجيش.
بعد خمسة أيامٍ فقط من الانقلاب، أطلقت قوات الأمن المصرية النار على تجمعٍ لمؤيّدي مرسي، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 51 شخصاً وإصابة مئاتٍ آخرين. في الحقيقة يمتلك قادة جماعة الإخوان، الذين يعتقدون أن تنظيمهم الهرمي الذي يتضمن شعاره “الموت في سبيل الله أسمى أمانينا”، القوة البشرية للتصدي لأي هجومٍ يُشن ضدهم.
في هذا السياق صرّح المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، جهاد الحداد، خلال لقاءٍ صحفي أجراه مع الصحفي ماجد عاطف، قبل أسبوعين من حدوث مجزرة رابعة، بأنه “إذا كانوا يريدون فض اعتصام القاهرة، سيكون عليهم قتل 100 ألف متظاهر. ولكنهم لا يستطيعون فعل ذلك لأننا سوف نُقدم في سبيل ذلك مئة ألف شهيد”.
في الواقع، من بين العديد من الأخطاء التي ارتكبتها جماعة الإخوان، والتي تنم عن سوء تقديرٍ استراتيجي خلال “الربيع العربي” قصير الأمد الذي عاشته مصر، اعتقادها بأنها يمكنها أن تنأى بنفسها بعيداً عن قمع النظام، علماً بأن هذا الاعتقاد قد كلّفها الكثير.
من جانب آخر، وجّهت مجزرة رابعة وعمليات اعتقال قادة الإخوان ضربةً قاضية للجماعة على الصعيد الوطني والمحلي، ما جعلها غير قادرةٍ على اتخاذ إجراءاتٍ فعالة على أرض الواقع.
وفي غضون أشهر، أصبح وجود المنظمة التي فازت بسلسلةٍ من الانتخابات والاستفتاءات، خلال السنتين ونصف السنة الماضية، لا يكاد يكون واضحاً في معظم أنحاء البلد.
بعد مرور أربع سنوات شهدت جماعة الإخوان انقساماتٍ كبيرة؛ بسبب القرارات غير الصائبة التي اتخذها صناع قرار الجماعة. ومباشرةً بعد حدوث مجزرة رابعة بدأت تظهر انقساماتٌ داخل تنظيم جماعة الإخوان المسلمين. إذ وجّهت الكوادر الأصغر سنّاً انتقاداتٍ لكبار القادة على خلفية سوء تحليلهم للوضع السياسي ما ساعد على الإطاحة بنظام مرسي، وسوء إدارة الصراع اللاحق على السلطة.
وعلى الرغم من أن جماعة الإخوان قامت بممارساتٍ عنيفة ضد خصومهم خلال فترة رئاسة مرسي، إلا أن زعماءهم دعوا إلى توخي اللاعنف بعد الإطاحة بمرسي، حيث أعلن المرشد العام محمد بديع أن “السلام أقوى من الرّصاص”.
ومن وجهة نظر الإخوة الأصغر سنّاً، كانت تلك الاستراتيجية ساذجةً وخطيرة في الوقت نفسه، حيث أدت إلى تركهم دون سلاح خلال الهجوم الذي أعقب ذلك. وفي هذا الصدد، كتب عضوٌ بارز من جماعة الإخوان في إسطنبول، منشوراً على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مفاده: “إن إخواننا الأعزاء قالوا: “نحن مسالمون، وسلميّتنا أقوى من الرّصاص” وفي نهاية المطاف، تلقينا صفعةً قوية على أعناقنا”.
في وقتٍ لاحق كشف أحد شباب الإخوان البارزين، أحمد المغير، أن “موقع المظاهرة في القاهرة كان مسلحاً بما فيه الكفاية للتصدي لوزارة الداخلية وربما الجيش أيضاً، ولكن تم إزالة معظم هذه الأسلحة قبل أيامٍ فقط من المجزرة؛ بسبب خيانة كبار قادة الإخوان المسلمين”.
وخلال الأشهر التي تلت مجزرة رابعة، بدأ شباب الإخوان داخل مصر بحمل السلاح. وفي هذا السياق أشار الباحث في معهد هدسون صموئيل تادرس، في دراسةٍ تحت عنوان “جماعة الإخوان المسلمين بعد مجزرة رابعة”، إلى أنّ الشباب أنشؤوا “وحدات حماية” للدفاع عن المسيرات الاحتجاجية المستمرة والضعيفة لجماعة الإخوان من قوات الأمن.
في المقابل بدأت وحدات الحماية في الهجوم؛ لذلك ظهر عددٌ من الجماعات المسلحة التي استهدفت مراكز الشرطة والأفراد العسكريين وأبراج الكهرباء والطرق والبنية التحتية الأخرى.
في الحقيقة حظيت هذه الإجراءات بدعم وتشجيع بعض كبار قادة الجماعة، الذين ظلوا مختبئين داخل مصر، وشكّلوا “لجان عمليات خاصة” تهدف إلى زعزعة استقرار النظام، أبرزهم عضو المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين محمد كمال.
حاول قياديو جماعة “الحرس القديم” كبح جماح فصيل كمال “الثوري”، وأعربوا عن قلقهم من أن تشكيل “لجان العمليات الخاصة” دون موافقتهم يزيد من تآكل قيادتهم، ويضعف من سيطرتهم على المنظمة. كما حذروا من أن العنف الذي تمارسه جماعة الإخوان سيؤدي إلى إضفاء الشرعية على العنف الذي تمارسه الدولة ضدّ جماعة الإخوان المسلمين.
من ناحيةٍ أخرى باءت هذه الجهود بالفشل؛ فقد ادّعى الجناح “الثوري” الانتصار في الانتخابات الداخلية التي جرت في أوائل سنة 2014. وفي منتصف سنة 2015، اندلع الخلاف بين الفصيلين عندما انفصل شباب الإخوان البارزون وفروع المقاطعات المتعددة علناً عن “الحرس القديم”.
في الوقت نفسه كلّف كمال، زعيم جماعة الإخوان المسلمين الذين يدعمون أعمال العنف، “لجنة الشريعة الإسلامية للإخوان المسلمين بصياغة وثيقةٍ دفاعية تشرّع “النشاط الثوري””.
وفي سياقٍ متصل لاحظ مختار عوض من جامعة جورج واشنطن في تقريره المفصل عن تحوّل المنظمة نحو العنف في نهاية المطاف، أن المنتج النهائي للجنة الشرعية، الذي يحمل عنوان “فقه المقاومة الشعبية للانقلاب”، يحرض على ارتكاب مجموعةٍ واسعة من أعمال العنف، بما في ذلك قتل ضباط الشرطة والجنود، وأولئك الذين يعتبرون من “المتواطئين” مع الحكومة المصرية.
علاوةً على ذلك زعمت لجنة الشريعة الإسلامية أن المسيحيين “يحاصرون المساجد ويقتلون المصلين، ويعتقلون النساء [الإسلاميات]”، متغاضين بذلك عن العنف الموجه ضدهن. وتجدر الإشارة إلى أن قوات الأمن المصرية قتلت كمال في غارةٍ شنتها خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2016.
منذ ذلك الحين أدى ذلك إلى استعادة “الحرس القديم” السيطرة على منافذ الاتصالات الرسمية للمنظمة، بما في ذلك موقعها الإلكتروني “إخوان أونلاين”، بيد أن توجه الإخوان “الثوري” الأكثر عدوانيةً استمر من خلال مختلف خلايا الجماعة ومبادراتها.
فعلى سبيل المثال أصدر المجلس الثوري المصري، الذي يتخذ من إسطنبول مقراً له، وشارك في تأسيسه الإخوان المسلمون المنفيون سنة 2014، سلسلةً من أشرطة الفيديو على شبكة الإنترنت تحث أتباعه على مواجهة الجيش في البلاد، وتوجههم خلال الثورة المقبلة المحتملة.
في أحد الفيديوهات أصدر المجلس تعليمات إلى أنصاره تأمرهم بتحديد جميع مواقع الوحدات العسكرية، والعمل على وقف تقدمهم عن طريق صب النفط على الطرق. وفي فيديو آخر دعا المجلس أتباعه إلى “تطويق الجيش حتى لا يقاوموا الثورة”، و”محاصرة مصادر غذاء الجيش”، وتحييد مطارات الجيش في بداية الانتفاضة المقبلة، التي سيكون الغرض منها عودة مرسي إلى السلطة.
بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن ينضم الإخوان المسلمون “الثوريون” إلى جماعاتٍ مسلحة مختلفة ظهرت بعد الإطاحة بمرسي، على غرار حركتي “حسم” و”لواء الثورة”، اللتين شنتا هجماتٍ مميتة على أفراد الأمن ومنشآتهم في منتصف سنة 2016. وعلى الرغم من أن علاقة هذه الجماعات بالإخوان لا يمكن أن تنشأ إلا بشكلٍ ظرفي (على الأقل في الوقت الحاضر)، إلا أن أفعالهم وحجتهم تشبه إلى حدٍّ كبير فصيل كمال، فضلاً عن أن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، التي تنشر فيها هجماتها، غالباً ما تروّج لشعارات الإخوان والشخصيات التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين.
في الوقت ذاته، صعّد الجناح “الثوري” للإخوان في نسق مواجهته مع “الحرس القديم”. وفي سلسلةٍ بعنوان “الرؤية 28″، التي صدرت في وقت سابق من هذه السنة، قام الجناح “الثوري” بتوجيه انتقاداتٍ لاذعة لقادة عصر مرسي بسبب تعدد إخفاقاتهم؛ بما في ذلك ميلهم إلى مزج السياسة والوعظ، وعدم قدرتهم على بناء أرضيةٍ مشتركة مع القوى السياسية الأخرى، فضلاً عن عدم استعدادهم الكامل لتولي زمام الحكم عند توليهم السلطة، وقبولهم لدور الجيش في إدارة التحول السياسي الذي أعقب انتفاضة 2011.
ممَّا لاشك فيه أن هذه الحجة تخدم المصالح الذاتية للجناح الثوري، إذ اتهم “الحرس القديم” بأنه لم يكن ثورياً بما فيه الكفاية. بالإضافة إلى ذلك، تختم هذه الوثيقة بالدعوة إلى إنشاء “وسائل وأجهزة” جديدة لمواجهة الحكومة المصرية؛ ما يعني ضمناً وجود تنظيم أو نهج جديد للإخوان يعمل بالأساس على استعادة السلطة في القاهرة.
في هذا الإطار، يستعد الإخوان “الثوريون” للمضي قدماً دون “الحرس القديم”، الذين أصبحوا يعتبرونهم عبئاً ثقيلاً عليهم. وفي مقال نشره الثوريون على صفحة التواصل الاجتماعي فيسبوك في وقتٍ سابق من هذا الشهر، ذكّر الزعيم الثوري مجدي شلش، وهو أحد محامي محمد كمال، زملاءه أن “الهدف الأساسي للإخوان يتمثل في إعادة الخلافة، كما حذر من أن ذلك لا يمكن تحقيقه ما دام الانقسام مستمراً. لذلك دعا إلى إجراء انتخاباتٍ داخلية جديدة، مشيراً بكل وضوح إلى أن مدة القيادة السابقة انتهت بالتأكيد”.
بطبيعة الحال تنظر قيادة “الحرس القديم”، التي ترفض تماماً سلطة الجناح “الثوري”، لمختلف المسائل من منظور مختلف. لهذا السبب من المرجح أن الفجوة التي اتسعت داخل جماعة الإخوان بعد مجزرة رابعة سوف تتعمق أكثر، مع استمرار فروعٍ من الإخوان المسلمين في الدعوة لشن هجمات عنيفة داخل مصر.
ومن هذا المنطلق، تشير كل المعطيات المذكورة أعلاه إلى أن جماعة الإخوان المسلمين لا تزال ضعيفةً سياسياً؛ نظراً لأن المنظمة التي تعيش حالة حرب مع نفسها لن تتمكن قيادتها من إحراز أي تقدم.
الكاتب: إيريك تراغر
الصحيفة: فورين أفيرز
الرابط: https://www.foreignaffairs.com/articles/egypt/2017-08-21/muslim-brotherhoods-fatal-mistake
Share this:Click to share on Twitter (Opens in new window)Click to share on Facebook (Opens in new window)Click to share on Google+ (Opens in new window)المصدر