قصة “دكتور جامعي”… جحيم (داعش) وقلق الانتظار في الشّمال


جيرون

استنفد الدكتور (سالم، م) جميع سُبل التأجيل عن الالتحاق بقوات النظام، وهو المدّرس السابق في كلية الاقتصاد بجامعتي حلب، والاتحاد الخاصة في ريفها الشرقي، ليستقر في منتصف عام 2014، وبدواعي الهرب من “الخدمة الإلزامية”، في مسقط رأسه بمدينة الميادين.

سيطر تنظيم (داعش) على الميادين في ريف دير الزور منتصف عام 2014، وهو ما يعني انتقاله، من العيش تحت سلطة نظام الأسد إلى سلطة التنظيم، وقوانينه.

في البداية، استطاع الدكتور سالم (اسم ترميزي خشية ملاحقة داعش لعائلته) التدريسَ في جامعة خاصة في دير الزور، على الرغم من سيطرة قوات النظام على المنطقة التي تقع فيها. وقال لـ (جيرون): “عشتُ على أعصابي؛ خوفًا من الاعتقال، والسوق إلى الخدمة في صفوف قوات النظام”، لكن الحصار الذي كان “يفرضه التنظيم على منطقة الجامعة، ونجاحه في اقتحامها لمرتين متتاليتين، دفع القائمين عليها، لنقلها إلى العاصمة دمشق”.

يترك الدكتور سالم العمل في الجامعة الخاصة، ويتابع: “بقيت بلا عمل لمدة 3 أشهر، اقتصرت حياتي اليومية على الذهاب إلى المسجد في الأوقات الخمسة، والعودة إلى المنزل”، تغير مظهره الخارجي: “تخليتُ عن الطقم الرسمي وأرخيت لحيتي، وبدأت بلبس الكلابية القصيرة، “. و “غالبًا ما تُعيق حركة السير في الطريق إلى المسجد”.

يمنع تنظيم الدولة (داعش) في مناطق نفوذه ارتداء الطقم الرسمي، والجينز، ويُجبر الرجال على لبس البنطال الفضفاص، القصير إلى الكاحل، أو “الكلابية” العربية القصيرة، فيما يُجبر النساء على لبس الفضفاض باللون الأسود، حيث تنتظر “الدورة الشرعية”، والسجن الأشخاص المخالفين للتعليمات.

بعد 3 أشهر، يعود سالم إلى العمل، لكن ليس كأستاذ جامعي بل كمحاسب في (سوبر ماركت)، وهجر مرغمًا مهنة التدريس الجامعي إلى غير رجعة. ومع بداية عام 2017، وبعد مرور عامين ونصف على استقراره في الميادين، الخاضعة لسيطرة التنظيم، يُفكرُّ جديًا، بالمغادرة؛ خوفًا على أبنائه الثلاثة، بعد اشتداد قصف التحالف الدولي على المدينة، ووقوع العشرات بين قتلى وجرحى.

قال: “باتت المدينة، تسكنها الأشباح، الجميع يحاول الهروب؛ نتيجة القصف المتواصل، وأسراب طيران الاستطلاع الّتي تُحلق في سمائها. لا يوجد في المكان سوى مقاتلين غير سوريين، يحملون بنادقهم على أكتافهم، ويجوبون الشوارع”.

يبدأ سالم، في الشهر الأول من العام الحالي، محاولة العبور إلى المناطق الخارجة عن سيطرة التنظيم، لكنه يفشل، بسبب التشديدات الأمنية للتنظيم على طرق “التهريب”، وعاد إلى عمله في (السوبر ماركت).

في بداية آب/ أغسطس الجاري، يلتقي الدكتور سالم، بمهرب ويتفق معه على الخروج عبر الطرق الصحراوية، مقابل 120 ألف ليرة سورية (ما يُعادل 270 دولار) أمريكي عن كل شخص: “اتفقت مع المهرب على الخروج ليلًا، عبر الطرق الصحراوية، باتجاه مناطق (قسد) في الطبقة”.

يمنع المهرب المجموعاتِ التي يخرجها من المدينة من إصدار الأصوات، ويجبرهم على ركوب سيارات (بيك آب)، تكون محمّلة بالمحروقات غالبًا أو بالمواد الغذائية أحيانًا، لكن حظ الدكتور وعائلته كان جيدًا، لأن حمولة (البيك آب) كانت مواد غذائية “رائحتها طيبة”. تستمر الرحلة عبر الطرق الزراعية، إلى مدينة الطبقة في ريف الرقة، 6 ساعات، حيث سيطرة (قسد) ويصل سالم وعائلته.

وعن لحظة وصوله إلى حاجز (قسد): “بعد عدة أسئلة من الحاجز، واستفسارات، يسمح لنا بالعبور، لكن أحد عناصر الحاجز يلحق بالسيارة، ويطلب من السائق مبلغ ألفي ليرة سورية. دفعت 10 آلاف ليرة سورية؛ ليتم نقلي من قبل مسلحين أكراد إلى مخيم عين عيسى بريف الرقة الشمالي”.

عن تعامل (قسد) مع القادمين من مناطق التنظيم، يقول سالم: “من يأتي من مناطق التنظيم، يتم نقله إلى مخيمات (قسد) في ريف الرقة، ويسمح فقط للطلاب أو المرضى بمتابعة الطريق إلى مناطق النظام”.

أقام سالم في مخيم (عين عيسى) مدة 15 يومًا، قبل أن يدفع رشًى للقائمين على المخيم 20 ألف ليرة سورية، ليسمحوا له بالسفر إلى ريف إدلب في الشّمال السوري، و”الطريق إلى إدلب يصبح سهلًا فيما بعد الطبقة، حيث يكفي أن تركب “سرفيسًا” لتصل إلى المكان الذي تقصده في الشّمال”.

في مدينة سلقين بريف إدلب، ينتظر سالم حاليًا بدءَ الموسم الدراسي الجديد، عساه يحصل على حقيبة تدريسية في إحدى جامعات المناطق المحررة التي يقوم عليها عددٌ من الأكاديميين المنشقين عن النظام، لكنّه يعيش حالة ترقب وقلق على مصير أهله في الميادين.

حال سالم في الهروب من مناطق التنظيم، تحاكي في تفاصيلها قصص آلاف الهاربين من جحيم الموت في مناطق (داعش)، إلى مصير مجهول ينتظرهم على الحدود في الشّمال السوري. (م. ع. ر)




المصدر