مركز الثقافات الاستراتيجية: روسيا وإيران.. التقارب في خضم العقوبات الغربية





نشر “مركز الثقافات الاستراتيجية” دراسة تناول من خلالها موضوع العلاقات الروسية الإيرانية على المستوى الاقتصادي، في ظل العقوبات الغربية المفروضة على الدولتين.

 تعتبر روسيا وإيران جارتين وشريكتين في العديد من المجالات، وعلى الرغم من ذلك فإن التبادل التجاري بين البلدين يعتبر منخفضاً. ويعزى ذلك إلى تشابه اقتصاد البلدين؛ أي إن كلتيهما من الدول المصدرة للنفط. فصادرات النفط الإيرانية تقدر بنحو 80 بالمئة من إجمالي عائدات التصدير، ولا تقل الأرقام في روسيا بكثير عن هذا الرقم. ووفقاً لهذا المعطى، يقلل ذلك من فرص تطوير التجارة بين البلدين، فحجم التبادل التجاري لم يرتفع عن مليار دولار في السنوات الأخيرة.

بعد إبرام الاتفاق النووي سنة 2015، تحسنت العلاقات الاقتصادية بين إيران وروسيا إلى حد ما. فارتفع حجم التبادل التجاري بين روسيا وإيران سنة 2016 مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى 2.8 مليار دولار. ولكن في نهاية العام الماضي بلغت حصة إيران من الصادرات الروسية 0.4 بالمئة فقط، في حين كانت حصة روسيا من الصادرات الإيرانية 4.2 بالمئة.

في الحقيقة مثّل توقيع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في الثاني من آب/أغسطس الماضي، على قانون فرض عقوبات اقتصادية جديدة ضد إيران وروسيا، دافعاً جديداً للبلدين لتطوير علاقتهما التجارية والاقتصادية.

يضم هذا القانون عقوبات جديدة موجهة لكل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية. وبناء على ذلك لا يعرف أحد مدى استعداد روسيا للتحرك في اتجاه كوريا الشمالية، إلا أن كل الظروف ملائمة للتقارب مع إيران. ووفقاً للخبراء قد يصل حجم المبادلات بين روسيا وإيران خلال سنة إلى 10 مليارات دولار.

لكن السؤال المطروح؛ كيف يمكن تعزيز العلاقات الاقتصادية التجارية الإيرانية الروسية؟

لا يعد التبادل التجاري بين البلدين متوازناً؛ فحجم الصادرات الروسية إلى إيران يفوق حجم وارداتها. من ناحية أخرى لدى روسيا العديد من المنتجات التي تهم إيران، على غرار معدات محطات الطاقة النووية، ومعدات الطاقة الأخرى، والسكك الحديدية، والسفن، والسيارات، وغيرها من المنتجات، بالإضافة إلى الطائرات الروسية والأسلحة والمعدات العسكرية. في المقابل ليست إيران في حاجة للمنتجات النفطية من روسيا.

في سياق آخر، يجب أن تتقدم العلاقات التجارية والاقتصادية بين موسكو وطهران، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إيران لديها فائض من العملة الوطنية حققته بفضل صادرات النفط الموجهة إلى الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا، مع العلم أنه يتم بيع الذهب الأسود في كل هذه البلدان بالعملات الوطنية، ولا يتم اعتماد الدولار أو اليورو.

وفقاً لبعض التقديرات، فإن كمية هامة في العملة الوطنية الإيرانية متراكمة في الحسابات الإيرانية المصدرة للنفط في المصارف الصينية. ويتم استخدام البعض منها لشراء سلع صينية، لكن تظل كمية العملة كبيرة جداً، ولا يمكن تحويلها إلى الدولار أو اليورو. لكن من الممكن استخدام هذه العملات لشراء سلع روسية، إلا أن ذلك يتطلب عقد اتفاق بين روسيا وإيران والصين وغيرها من البلدان التي تملك حسابات إيرانية في مصارفها.

انطلاقاً من سنة 2014، شرعت إيران وروسيا في إجراء محادثات لإنشاء مصرف مشترك يخدم التجارة المتبادلة والعلاقات الاقتصادية باعتماد العملة الوطنية؛ الروبل الروسي والريال الإيراني. والجدير بالذكر أن إيران تتمتع بالخبرة في هذا المجال؛ إذ سبق أن أسست مصرفاً مشتركاً مع فنزويلا ومصر. ووفقاً لمعلومات منبثقة عن وسائل الإعلام، يمكن أن يناقش الطرفان مفهوم المصرف “كمركز للمقاصة” التي من شأنها أن تضم دولاً أخرى غير روسيا وإيران، حتى تحقق التوازن التجاري لإيران.

من هذا المنطلق قد تكون هذه الدول المحتملة الصين والهند وتركيا، لكن الموقف الرسمي لهذه الدول غير معروف إلى حد الآن. وفي الغالب تُظهر بكين حذرها الشديد في مثل هذه الحالات. وقد تؤثر تصريحات ترامب، حول مسألة فرض عقوبات، على قرار بكين في حال شاركت في بنك المقاصة متعدد الأطراف.

مؤخراً قال ترامب إنه من المرجح أن يفرض عقوبات على بكين إذا استمرت في التعامل مع كوريا الشمالية. وحتى لو لم يضم مشروع المصرف المشترك الصين والشركاء الرئيسيين الآخرين، فإنه سيتم إنشاؤه بين روسيا وإيران وسيعمل بالروبل والريال.

وفقاً لخبراء يشهد الاقتصاد الإيراني نمواً رغم العقوبات. ففي سنة 2012 دفعت العقوبات إيران إلى القيام بإصلاحات جذرية تهدف إلى تنويع الاقتصاد، وعدم التركيز على المنتجات النفطية. وبعد ذلك بفترة وجيزة تبنت البلاد خطة ما يسمى “باقتصاد المقاومة”.  ويشير الخبراء إلى أن نموذج “اقتصاد المقاومة” لديه العديد من القواسم المشتركة مع النموذج الاقتصادي الذي تم اعتماده لدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي في ثلاثينات القرن الماضي.

في إطار التعاون المتبادل بين روسيا وإيران، فإن روسيا مستعدة للقيام بدور الوسيط التجاري لبيع النفط الإيراني، وفقاً لما تم التوصل إليه سنة 2014. ومع ذلك لا تنص العقوبات الحالية التي تفرضها واشنطن على فرض قيود صارمة على صادرات النفط الروسي؛ ممَّا يعني أنه يجب توقيع الاتفاق الإيراني والروسي والبدء في تنفيذه. لكن لا يمكن أن نستبعد أن تحاول واشنطن عرقلة صادرات النفط الروسية؛ ما سيدفع روسيا إلى البحث عن حلول أخرى.

استناداً على ما ذكر آنفاً، فإن لدى البلدين الخبرة الكافية للتعايش مع الظروف التي تفرضها العقوبات الغربية. ولأن لدى روسيا تجربة واسعة في التعايش مع العقوبات الاقتصادية، فقد تساعد إيران في التغلب على  ضغط هذه العقوبات.

المصدر: مركز الثقافات الاستراتيجية

الرابط: https://www.fondsk.ru/news/2017/08/11/rossia-iran-sblizhenie-v-usloviah-zapadnyh-sankcij-neizbezhno-44475.html

Share this:


المصدر