نظام الأسد يحارب الموظفين بلقمة عيشهم


muhammed bitar

يكاد لا يمرّ شهر إلا ويُصدر النظام قوائم فصل من الوظائف العامة بأسماء شباب سوريين رفضوا الالتحاق بالخدمة العسكرية الاحتياطية.

وتعتبر الوظيفة إحدى الأوراق التي يستطيع النظام الضغط من خلالها على الموظفين الذكور اقتصادياً، معتقداً أن الحاجة للمال ستدفع بهؤلاء الشباب لزج أنفسهم في القتال إلى جانب قواته.

  

مصدر رعب

 يتحدث المدرّس ضياء.ع عن تجربته، وكيف تعرّض للفصل من وظيفته بداية الشهر الجاري بسبب عدم التحاقه بالخدمة العسكرية، “في البداية طلبوا منا في العمل أن نأتي بورقة بيان وضع من شعبة التجنيد تبيّن وضع كل واحد منا بالنسبة للخدمة العسكرية، وذلك للتأكد من أنه غير مطلوب للاحتياط، وفي حال كان الشخص مطلوباً فإنها لا تمنح له، ويتم عندها رفع اسمه عبر المديرية ومن ثم الوزارة التي يتبع لها إلى وزارة الدفاع، التي تتأكد بدورها من وضعه عبر شعب التجنيد، وتنظم جداول خاصة بحق (المطلوبين) تُرفع إلى رئيس الوزراء لاتخاذ قرار الفصل التعسفي بحقهم، وحرمانهم من جميع حقوقهم وتعويضاتهم المالية بشكل تام”.

وأضاف “أعتقد أن النظام يعلم أنه كان يكذب طوال عقود في قصة الجيش العقائدي، وأن الشباب السوري لا يذهب بغالبيته الساحقة إلا كارِهاً، وكنا نعتبر الخدمة العسكرية العقبة الأكبر في حياتنا، ولم يكن الجيش إلا مؤسسة فاسدة، نختبر بها تعرضنا للابتزاز وسرقة الحقوق”.

وتابع “منذ عامين وأنا أنتظر قرار الفصل، كان الأمر بالنسبة لي مصدر رعب دائم، بالرغم أن الراتب كان يشكل جزءاً يسيراً من دخلي الشهري، لكن يبدو أن المسألة معنوية أكثر منها مادية بالنسبة لي، واليوم أشعر أني مرتاح بعد صدور قرار الفصل فقد تحررت من آخر القيود التي كانت تكبلني بهذا النظام، فبسبب هذه الوظيفة وهذا الراتب كنا نَعُدّ أنفاسنا، ونتداول كثيراً من أحاديثنا همساً، واليوم لم يبقَ له (النظام) شيء عندي”.

تحت الإقامة الجبرية

 “الفصل كان بمثابة قرار بالإعدام، فقد شطب من عمري 35 عاماً أمضيتها بالدراسة والوظيفة، اليوم أنا عاطل عن العمل.. أنا مهندس الاتصالات في هذا الزمن عاطل عن العمل، أليس شيئاً مضحكاً؟” يتساءل جبران.س بمرارة وغضب إزاء ما آلت إليه أوضاعه بعد أن تم فصله من وظيفته من أشهر، ويضيف لـ “صدى الشام” “لا أستطيع العمل في شركة خاصة لأني لا أستطيع أن أحصل على ورقة غير محكوم، لقد أصبح اسمي معمماً كمطلوب، ولا أستطيع السفر لهذا السبب، بل لا أستطيع التجول في المدينة”.

ويتابع “أشعر اليوم أن حياتي كلها انقلبت رأساً على عقب، حتى أني قد ألغي حفل زفافي الذي كان مقرراً في شهر تشرين الأول المقبل، فمن الصعب جداً أن أصل إلى صالة الأفراح التي حجزتها، كما أني منذ فصلت من الوظيفة صرت تحت الإقامة الجبرية في المنزل، حتى أنني لا أستطيع النوم ليلاً بشكل جيد، فكلما شعرت بحركة خارجاً أتفقد الشارع، خوفاً من أن تكون حملة تفتيش للمنازل، وخاصة أنهم فعلوها في عدة مناطق واعتقلوا عشرات الشباب من أجل الخدمة العسكرية”.

مأساة

تتجاوز آثار القرار بالفصل الموظّف نفسه خصوصاً إذا كان لديه عائلة، وهو ما يظهر جلياً لدى سلوى.ع التي تعرض زوجها للفصل من وظيفته الشهر الماضي. “أنا متزوجة منذ ست سنوات ولدي طفلان، فُصل زوجي من الوظيفة بسبب الخدمة الاحتياطية، واليوم أبحث أنا عن عمل لتأمين قوت أبنائي، فزوجي لا يستطيع مغادرة الشارع الذي نسكن فيه وليس لدينا رأس مال لنفتح محلاً تجاري أو ما شابه، زوجي يفكر أن يبيع السجائر أمام البيت، لكن لا أعلم إن كان هذا العمل سيكفي لتوفير احتياجاتنا”.

وأضافت “حتى لو التحق زوجي بالجيش فحصوله على راتبه غير مضمون، فقد اعتقلوا شقيقه منذ عام ونصف، وأرسلوه إلى دير الزور وإلى اليوم لم يسلموه راتبه، ولم يعطوه إجازة ليرى عائلته، بل كنا في كثير من الأحيان نرسل له مواد غذائية من هنا”.

انعدام ثقة

بدأ النظام التشديد على تجنيد الشباب مطلع عام 2016، بعد أسابيع من بدء الدعم الروسي لقوات النظام، حيث كان قوام جيش النظام قد تراجع من أكثر من 400 ألف عسكري إلى نحو 75 ألف عسكري، ما دفع النظام حينها للاعتماد على الميليشيات الطائفية والأجنبية، بحسب النصيحة الإيرانية، والتي لم تكن ذات فاعلية على الأرض، فبدأ الروس يضغطون على النظام لتأمين أعداد أكبر من الجنود، ما جعله يشن حملة اعتقالات واسعة بين صفوف الشباب في عام 2016.

يتحدث مصدر معارض في دمشق، طلب عدم ذكر اسمه، عن الظروف التي أدت إلى اشتداد حملات التجنيد والتي تشبه “أيام السفربرلك”، ويستدرك في تصريحات لـ “صدى الشام” بأنها “لم تسد النقص الموجود بين قواته، فتوجّه إلى طلب الموظفين للخدمة الاحتياطية وتهديد من لا يستجيب بالفصل، حتى وصل به الأمر لأن يعرض على المساجين أن يلتحقوا بالقتال مقابل تخفيف أحكامهم، إضافة إلى التشكيلات الجديدة التي أنشأها والرواتب المالية المغرية”.

وأضاف المصدر”لكن أعتقد أن كل تلك المحاولات لم تؤمّن له ما يحتاجه من قوات، فلم يستطع إلى اليوم الاستغناء عن الميليشيات التي تعتمد على المرتزقة، وذلك بسبب انعدام الثقة بين الشباب السوري والمؤسسة العسكرية، التي تعرت أكثر وأكثر خلال السنوات الأخيرة، سواء من خلال سوء قياداتها وفسادهم، أو سوء الخدمة من ناحية الاطعام والطبابة والرواتب، والأهم من كل ذلك أنه أصبح لدى غالبية المجتمع قناعة بأن النظام يزج بالجيش في مسرحية يدفع فيها الجنود دماءهم بالمجان”.




المصدر