أرباح الأسد صحية و”متجانسة”


جيرون

أن يستمع دبلوماسيو الأسد، لخطبته وكلماته المقرعة للنظام في الولايات المتحدة، ولمفهوم الدولة في أوروبا الغربية، فهذا أمر مفروغ منه؛ لأن مرجعية الدبلوماسية -في عُرف الأسد- لا تستند إلى تلك المفاهيم المتعلقة ببناء الدولة والمؤسسات وتسويق السياسة من خلال الإنجازات المتعلقة ببناء هذا المفهوم. لا يختلف دبلوماسيو الأسد، في مشهد التهريج والتصفيق، عما يمارسونه من تهريج وترويج للتغطية على جرائم اغتصاب الدولة والمجتمع، وتدميرهما تدميرًا شاملًا.

يكرر الأسد، أمام جوقة اللوبي الدبلوماسي، الإنكارَ المستمر والمنظم والاستعلاء على كل الجرائم المقترفة من عصاباته. ولا يختلف حشو الكلمة، في “مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين”، عمّا كررته الآلة الدعائية للوبياته -إعلامية كانت أم دبلوماسية، قومجية أم نخبوية- حين يتفوه: “لن نسمح للأعداء أو للإرهابيين بأن يحققوا، بالسياسة، ما عجزوا عن تحقيقه بالميدان، وعبر الإرهاب”، مع أن أدنى مراقب بات يعرف ما فعلته وحشية الأسد وعصاباته الرديفة بالميدان والإنسان السوري.

حشو له دلالة، تكراره بما بشر به قبل أربعة أعوام عن سورية “الأنظف والأنحف” يكرر اليوم: خسرنا خيرة شبابنا والبنية التحتية، لكننا ربحنا مجتمعًا أكثر صحة وتجانسًا”، وأضاف: “تجانس العقائد، تجانس الأفكار، التقاليد، العادات، المفاهيم، الرؤى”، فإذا كانت تلك الأفكارُ المتجانسة التي تمثل الطينة الدبلوماسية التي تفوهت عن تقبيل حذاء عصابات الأسد على الحواجز لأي سوري عائد، شرطًا وعنوانًا لذاك التجانس المُبشَّر به؛ فهي تعطي المثال الحقيقي الناصع عن العقلية والنهج والسلوك الفاشي والنازي الذي أصبح لمفهوم “الأسدية” ما يتطابق مع ما سبقه.

دون خجل ودون رجفة، يكرر الأسد دفق الأكاذيب، لأنه يعرف تمامًا أن الجالسين أمامه يطأطئون الرؤوس على كل كذبة، حين يدعي أنه: “في البداية كانوا يتحدثون عن دعم الحراك الشعبي، هذا الحراك الشعبي الذي لم يتجاوز في أحسن الأحوال 200 ألف شخص، مدفوعين في كل سورية، في بلد عدد سكانه 24 مليونًا”، ومن ثم يقول: “إننا منذ اليوم الأول لاندلاع الأحداث، واجهنا الإرهاب”، أي أنه منذ البداية اعتبر أنّ كل سوري معارض أو متظاهر هو “إرهابي”؛ ومن ثم لا يسأل أحد من رهط الدبلوماسيين: لماذا قُتل وجُرح مليون سوري وتم تهجير الملايين، وإعدام الآلاف، والاستعانة بكل مرتزقة الأرض، إذا كان أولئك الـ “مئتا ألف” هم مدفوعين و”مغررًا بهم”، حسب ادعاء الأسد.

بعد سبعة أعوام، ما زالت اللغة ذاتها متجمدة في أفواه السلطة، يُكرر رأسُها سيلًا مقززًا من المفردات المائعة وممارسة الخداع على 24 مليون سوري، نصفهم مشرد ومعذب ومقتول، معظم خطاب الأسد ملتبس بالطقوس ذاتها، وصكوك امتلاك المصطلحات، والفرز و”السيطرة” المتغطرسة التي أخرجت معظم المجتمع السوري، خارج دائرة “التجانس” المتماهي بصحتها، هو مهووس متجانس تمامًا مع الجرائم وأعمال التدمير التي قام بها.

بمعنى أن رسالة الأسد لدبلوماسييه، ومن خلفها للشعب السوري هي: ربحنا تجانسًا “نقيًا” لمجتمعنا برغم الدمار والقتل، ومن بقي هنا هو الأنقى والأسلم، وإذا فحصنا كلام الأسد وبيئته “الفكرية” ومنهجه، خلال الأعوام الستة، فهو لا يحمل في مضامينه إلا الشكل الملازم من العدوانية المتعجرفة للسوريين، والشديد الصلة بخصوصية نشوئه في كنف “الأسد الأب” الذي أورثه هذه الخصوصية، وهي محور صراعه وعدائه مع الشعب السوري، وميزت هشاشة شرعيته وضعفها، كل التعابير السيادية مع الإنجازات التي أتى على ذكرها الأسد في خطابه الأخير، ومدحه لخامنئي وبوتين ونصر الله، تؤكد أن أي مكاسب يجنيها الأسد تكفي المقاصد الحقيقية “لتجانس” سلطته والحلف الداعم له.




المصدر