التطرف الديني وعلاقته باختلال العلاقات الدولية


أحمد مظهر سعدو

يرى بعض المفكرين أن “التطرف” بات مشكلة كبيرة تعاني منها المجتمعات الإنسانية اليوم، حتى إن بعضهم ذهب أبعد من ذلك، وعدّه “آفة العالم”، وفي هذا المعنى، قول لـ خزعل الكعبي، حاكم الأحواز العربية، المتوفى في 1936، إذ قال: إن “التطرف آفة العالم، وإذا كان عليّ أن أعود بعد الموت إلى هذه الأرض، فإنني لن أفعل ذلك، إلا إذا لم يعد هناك أثر للتطرف الديني، البشر هم إخوة، سواء كانوا يحبون ذلك أم لا”.

لعل الملفت للنظر، في البحث في قضية التطرف، ليس مظاهر التطرف الديني فحسب، بل أيضًا انعكاساتها على مستوى سياسات الدول. يقول الدكتور عزمي بشارة، في تعليق على صفحته في “فيس بوك”: “يستحق تبني اليمين الأميركي العنصري المتطرف لبشار الأسد، والهتاف له، وقبله اليمين الأوروبي المتطرف، وبعض قوى اليسار الأيديولوجي (أقصد اليسار الذي لا يركز على قيم اليسار بل على أيديولوجيات شبه دينية)، عندنا وعندهم، وقفة تأمل”.

(جيرون) حاولت الإجابة عن عدة أسئلة حول الموضوع، من خلال طرح أسئلة على عدد من الكتاب والباحثين، حول التطرف الديني أسبابه ومآلاته، وهل التطرف ديني فقط؟ أم أنه أوسع وأشمل.

الكاتب والباحث الفلسطيني سلامة كيلة قال لـ (جيرون): إن “هناك حالة إرهاب تعمّ العالم، وخصوصًا من قبل (إسلاميين)، ويبدو أنه كان مقصودًا أن تظهر بهذا المظهر، رغم وجود حالات إرهاب متعددة، عادةً ما يخفيها الإعلام أو لا يعدّها حالات إرهاب”. وأضاف مبينًا: “في كل الأحوال، وضعُ العالم المنفلت سوف يطلق حالات عديدة من التطرف والإرهاب؛ حيث إن الطغم المالية التي تحكم العالم باتت تستخدم الإرهاب من أجل تحقيق مصالحها، سواء للتدخل أو لتنفيذ شكل من أشكال الصراع مع فئات مافياوية أخرى، أو لخلق الفوضى التي تسمح بتفتيت المجتمعات، وتمنع تحولها إلى قوة مضادة”.

اعتبر كيلة أن “هذه الحالة لا تتعلق بدين بل تتعلق بمصالح، لكن هناك ظروفًا تسمح لمجموعات بشرية أن تنخرط في هذا المسار، بعد أن ضخّم الإعلام من أخطاره؛ وبالتالي بات يحتل الصورة في كل العالم، ومن ثم يُظهر الهامش الذي ينزوي مما يعبّر عن تعويض عن الهامشية. بمعنى أن هذا الاهتمام العالمي بالإرهاب يدفع فئات إلى الانخراط فيه؛ لأنها تعيش حالة تهميش، وتعاني من اضطهاد. لكن ما يجمع هذه الحالات الفردية (أو الممثلة في مجموعات صغيرة) هو ما يجب أن يلفت الانتباه، فهو الذي يحوّل الأزمة الداخلية لأفراد إلى فعل قاتل. وهنا نعود الى الطغم المالية والدول التي تحكمها وتريد فوضى عالمية، وتصفية حسابات، وعدم استقرار، وحتى قتل (شعوب)، لخدمة مصالحها هي؛ وبالتالي فإن التطرف نتاج أزمة تعيشها الرأسمالية من طرف، ووجود حالات تهميش واسعة من طرف آخر”.

أما الكاتبة السورية مانيا الخطيب، فترى أن “التطرف هو نتيجة طبيعية لإهمال وتهميش حق الشعوب في بناء بلادها، مما أدخلنا في متاهات الهجرة العشوائية وغياب جهات كافية تحافظ على وجود حوار وتفاهم بين الشعوب”، موضحة خلال حديثها لـ (جيرون) أن “التطرف -جزئيًا- أسبابه دينية، ولكن السبب الأعمق هو امتهان الكرامة الإنسانية إلى حدود يصل فيها الشخص إلى حالة لا يبقى لديه ما يخسره”.

المعارض السوري فيصل نهار قال لـ (جيرون): إن “التطرف لم يظهر نتيجة الربيع العربي، إنما هو صنيعة (إسرائيل) وأميركا، لكنهم استغلوا الثورات العارمة للشعب العربي ضد الطغيان؛ ليظهر التطرف الديني للقضاء على الإسلام، حيث كل الأدوات والشعارات لا تمت إلى الإسلام بأي صلة. وأيضًا يريدون أن يقضوا على الفكر القومي العربي، ليفسح المجال لـ (إسرائيل) للقضاء على العروبة والإسلام معًا، ولتصل (إسرائيل) إلى السعودية، مطالبة بحقوق اليهود هناك”.

إلا أن الباحث الإسلامي د. محمد حبش لا يرى في التطرف “سمة العالم”، وقال موضحًا وجهة نظره لـ (جيرون): إن التطرف “أحد الأمراض التي تواجهها المجتمعات الإنسانية، ولكنه لن يتمكن من وقف الحياة في الدول المتحضرة، وتتم معالجته في العادة عبر موازنات متخصصة، ربما تتأثر في الرتبة وليس في النوع”، ورأى أن “التطرف هو آفة المجتمعات المتخلفة التي تفتقد العدالة والديمقراطية، حتى المتطرفون العضويون الذين يولدون في المجتمعات الغربية، فإنهم لا ينجحون في ممارسة تطرفهم إلا في المجتمعات المتخلفة، حيث يجدون هناك أنصارًا وأعوانًا، خاصة في البلدان التي تعاني من الحرمان والمظالم”.

اعتبر حبش أن التطرف “سيبقى خطرًا وآفة، ولكن نموه وتفاعله يحتاج إلى مجتمعات متخلفة، وستنجح دول العدالة والديمقراطية في تجاوزه بأقل الخسائر، ولكنها تبقى مسؤولة عن نموه في البلدان المتخلفة وخطر ارتداده عليها موجود باستمرار، أما من الجانب الديني أو الثقافي، فمن المؤكد أن هناك ثقافة عنف وتطرف وكراهية، وفتاوى التكفير تنتشر كالفطر منذ قرون طويلة، ولكنها لا تنتج تلقائيًا الأعمال العنيفة، تنتج لونًا من الفصام بين المتطرف والمجتمع من حوله، وخلال هذه القرون، كانت تؤدي بمن يحمل هذه الأفكار إلى العزلة والكآبة، وغالبًا ما تتجلى في مواقف الزهد واحتقار الدنيا، ولكن تحولها إلى عمل عنيف مرتبط مباشرة بالظلم والقهر وسلب الحريات”.

بينما رأى الباحث السوري سليمان الشمر أن التطرف ليس آفة العالم فحسب، بل هو “سمة التاريخ”، وهو “يظهر، كلما واتته الظروف”. وقال لـ (جيرون): إن “السبب الأساس للتطرف هو اختلال العلاقات الدولية، بين أقوياء العالم الذين يهيمنون عليه، كلّ على قدر قوّته، وفي صراعاتهم على اقتسام النفوذ والثروات، حامله الاجتماعي هو الأصوليات الدينية أو الأيديولوجية أو القومية، وهو ليس وقفًا على دين أو إثنية أو شعب أو دولة، إنه ينمو ويترعرع حيث تسود الفوضى ويغيب القانون، وكما أن هناك حركات إرهابية، فإن هناك أيضًا دولًا إرهابية وأنظمة إرهابية. لكن ما يميز الإرهاب المعاصر كالقاعدة و(داعش) وغيرها من الحركات المنتشرة في كافة أصقاع العالم، أنه إرهاب معولم، لا تحده ساحة ولا تمنعه حدود، ويستفيد من أحدث تقنيات ثورة المعلومات والاتصالات، وهو في الغالب لا يهمه أن ينتقي ضحاياه، بل يركز اهتمامه على نشر الحالة وتعميمها”.

أكد الشمر على أن “أخطر ما فيه أنه بات قادرًا على إيقاظ واستفزاز الأصوليات النائمة في الغرب على وجه الخصوص؛ الأمر الذي سيضع العالم -قريبًا- أمامَ انفلات كوني وحروب لا تبقي ولا تذر، في ظل التطور الهائل في أدوات القتل الجماعي، وانحطاط القيم الإنسانية، وتسفيه القانون الدولي والمعايير المزدوجة، إذا لم يتحد العالم لمواجهته”.




المصدر