المجالس المحلية في ظل “خفض التصعيد” درعا أنموذجًا


جيرون

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تمكين الإدارات المحلية في مختلف المناطق السورية التي دخلت ضمن اتفاقيات خفض التصعيد، ويأتي الجنوب السوري في مقدمة المناطق التي يتم اختبار هذه الإدارات الذاتية فيها، بدعم دولي وإقليمي.

يدير مجلس محافظة درعا، التابع للحكومة السورية المؤقتة، غالبيةَ مناطق محافظة درعا الخارجة عن سيطرة النظام، ويشرف على عمل 76 مجلسًا محليًا، وهي مقسمة كالتالي: 12 مجلس مدينة، 30 مجلس بلدة، 34 مجلس بلدية، وتغطي جميعها نسبة 80 بالمئة من مساحة المحافظة. بحسب مجلس المحافظة.

أكد المحامي فاروق أبو حلاوة مدير الشؤون الإدارية في وزارة الإدارة المحلية لـ(جيرون) أن اختيار أعضاء المجالس “يتم وفق اللائحة الداخلية لمجالس الوحدات الإدارية ومكاتبها التنفيذية المعتمدة في وزارة الإدارة المحلية في الحكومة المؤقتة، دون أي تدخل من أي جهة”.

لكن مصادر خاصة أكدت لـ (جيرون) أن المجالس تعاني من عقبات في تشكيلها “حيث لا يتم غالبًا اختيار أعضاء المجالس بطريقة ديمقراطية، عبر الانتخاب المباشر، بل يكون وفق حسابات خاصة تتعلق بأخذ كل عائلة أو عشيرة مقعدًا في المجلس، يتناوب على رئاسته الأعضاء لمدة يتفق عليها، كما تشترط الفصائل العسكرية تعيين بعض الأعضاء من المحسوبين عليها، وهذا ما حصل مثلًا في مجلسي طفس واليادودة، حيث تدخلت فرقة (فجر الإسلام) و(جيش المعتز) لتعيين بعض أعضاء مجالس المدينتين، كما تُحرم المرأة من المشاركة في هذه المجالس، لحسابات خاصة تعود إلى طبيعة المجتمع في درعا”.

تشرف المجالس على الخدمات الأساسية التي يحتاج إليها المدنيون، وعلى رأسها توزيع الإغاثة وتأمين المياه الصالحة للشرب والنهوض بالنظافة، حيث تتعاون المجالس مع بعض منظمات المجتمع المدني التي تنفذ مشاريع إغاثية أو خدمية في ريف درعا. وأنارت بعض المجالس مؤخرًا الطرق العامة، بوساطة ألواح الطاقة الشمسية، كما وزع مجلس محافظة درعا لوحات سيارات مرقمة حملت اسم (درعا/ حر)، بسبب انتشار السيارات مجهولة الهوية.

من جانبه أشار الدكتور عبد الحكيم المصري معاون وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، في حديث لـ (جيرون)، إلى أن المجالس المحلية “تعتمد على عدد من الموارد الاقتصادية التي تساعد في توفير الخدمات الأساسية للمدنيين، وأهمها الطحين الذي تحصل عليه المجالس لتوزعه على الأفران، من وحدة تنسيق الدعم ومن صندوق إعادة الإعمار، أو عبر مكتب الحبوب التابع للحكومة المؤقتة”.

نفى المصري عن المجالس تلقيها أي دعم نقدي من الحكومة المؤقتة أو من غيرها، ولكن “أحيانًا تحصل بعض المجالس على دعم خاص من رجال أعمال، من أبناء بلدات ريف درعا، حيث يقوم هؤلاء بتقديم دعم لتحسين الخدمات في بلداتهم حصرًا”. وأضاف “بعض المجالس أطلقت مؤخرًا مشاريع إنتاجية صغيرة، مثل مشاتل أو زراعة حقول بالبطاطا ولكنها محدودة. وهناك مجلس محلي واحد، أو اثنين، فرض ضرائب منخفضة على المحلات التجارية، لتغطية بعض نفقات النظافة”.

مصدر من داخل درعا أكد لـ (جيرون) أن “عمل المجالس المحلية ما زال يدور في فلك تقديم المساعدات الطارئة، ولم ينتقل لإنجاز مشاريع تنموية، حيث لم يسجل تغيير فعلي في نوعية الخدمات المقدمة في مختلف أنحاء درعا إلا في مدينة بصرى الشام التي سجلت نموًا ملحوظًا وخدمات جيدة، يقدمها المجلس المحلي”. وأرجع المصدر “سبب ذلك إلى الاستقرار الأمني الذي تشهده البلدة والدعم الجيد الذي يتلقاه المجلس من الداعمين ودور جهاز الشرطة الحرة الذي فرض استقرارًا أمنيًا فريدًا في المدينة”.

عن الصعوبات التي تعوق عمل المجالس المحلية، قال المحامي فاروق أبو حلاوة: “إن هذه المجالس تعاني من صعوبات كبيرة، أهمها عدم توفر الدعم المالي الكافي، وافتقارها إلى الكوادر المختصة، وعدم الاستقرار الأمني في المنطقة”.

يشرف مجلس المحافظة على عدد من المديريات إضافة إلى ممارسته الرقابة على عمل المجالس المحلية التابعة له، وهو يمتلك سلطة إدارية جيدة، ويتبع له عدد من المديريات الخدمية مثل مديرية السجل المدني ومديرية المالية ومديرية الآثار والمتاحف في بصرى الشام.

فرض مجلس المحافظة على المنظمات الداعمة أن تقبل بجميع الأوراق الرسمية الصادرة عنه والمذيلة باسمه واسم الحكومة المؤقتة على الأوراق الرسمية؛ ما يشكل سابقة في عمل الحكومة وبخاصة في ما يتعلق بوثائق السجل المدني.

تشتري المؤسسة العامة للحبوب التابعة للحكومة المؤقتة القمحَ من المزارعين، وتطحنه وتعيد توزيعه بأسعار مدعومة، بحسب ما أكد لـ (جيرون) مدير مؤسسة الخزن والتسويق الحرة التابعة لمؤسسة الحبوب في الحكومة المؤقتة واصف الزاب الذي قال: “نحن نشتري القمح ونقوم بتخزينه في صوامع (غرز) ولكن بسبب تعرضها للقصف في وقت سابق، تم نقل القمح إلى مطحنة نصيب التابعة للمؤسسة حيث تم طحنه وتوزيع الطحين على المخابز، وفق كتب رسمية من المجالس المحلية، تبين احتياجات السكان، وتم بيعها للمخابز بأسعار مدعومة، تصل إلى 45 بالمئة من قيمة التكلفة فقط”، وأشار الزاب إلى أن مؤسسته “تغطي نحو 60 بالمئة من احتياجات المحافظة”.

اقتصاديًا، يعتبر الوضع في درعا جيدًا، مقارنة بمناطق سورية أخرى، حيث تعمل طبيعة النظام العائلي والعشائري في حوران على تعزيز التضامن والتكافل الاجتماعي؛ ما أسهم في منع حصول أي حالات حصار حقيقية أو أزمات إنسانية، وتتمثل الموارد في المحافظة بعدة روافد، في مقدمتها الزراعة، حيث يعمل معظم السكان في زراعة الخضروات كالبندورة والبطاطا، كما يزرعون القمح،  وتعتبر أسعار الخضروات رخيصة بالنسبة إلى مناطق أخرى، كما يعمل كثير من السكان في التجارة، وظهرت مؤخرًا تجارة الإلكترونيات التي تعمل على الطاقة الشمسية، إضافة إلى بيع الألواح والبطاريات الشمسية وتجارة السيارات، وتلعب تحويلات رجال الأعمال والمغتربين، من أبناء درعا في دول الخليج، عاملًا مهما في دعم الحركة الاقتصادية في مختلف مدن وبلدات حوران.

تفتقر المحافظة إلى وجود معابر لتصدير منتجاتها، وبخاصة إلى السوق الأردنية، ما أسهم في انخفاض أسعار الخضروات التي تشتهر درعا بإنتاجها بشكل حاد، كما أسهم في فتح طرق تهريب غير شرعية مع مناطق النظام، حيث يتم نقل الخضراوت إلى مناطق سيطرة النظام في ريف دمشق والسويداء، وإدخال بعض المواد الغذائية كالمعلبات وأغذية الأطفال، ويتم ذلك عبر تجار محددين وبتسهيلات من حواجز النظام، ومن قادة بعض الفصائل الذين يتهمهم السكان بإدارة عمليات تجارية مع النظام عبر وسطاء.

تتعدى العلاقات التجارية الخضروات إلى المحروقات، حيث تدخل على نحو مستمر شاحنات الوقود قادمةً من مناطق سيطرة النظام بشكل غير شرعي، عبر تجار الحرب الذين يخضعون لحماية عسكرية مباشرة من الفصائل. وأكد مصدر خاص لـ (جيرون) أن أحد قادة الفصائل افتتح محطة للوقود في إحدى البلدات ويزودها بالمحروقات بشكل دوري من مناطق سيطرة النظام.

أكد المصري، أن مشكلة الجنوب “تكمن بشكل أساسي في عدم وجود معبر تجاري لتصريف الإنتاج الزراعي الكبير؛ وهو ما دفع أسعار الخضار إلى تسجيل تراجعات قياسية، واضطر المزارعون إلى بيع البندورة والبطاطا بأسعار أقل من التكلفة بكثير”.

تحاول المجالس المحلية في درعا، بالرغم من الصعوبات، تقديم الخدمات الأساسية للمدنيين في مختلف النواحي، ولكنها ما زالت تفتقر إلى المشاريع التنموية الخاصة التي تمكنها من التخلي عن سلطة المنظمات الداعمة وتمنحها استقلالًا حقيقيًا، بحيث تثبت ريادة تجربة الإدارة المحلية الخارجة عن سيطرة النظام، ولا سيما أن درعا خرجت على نحو واسع من دائرة التدمير والقصف اليومي، بعد اتفاق هدنة الجنوب الذي أقرته الولايات المتحدة وروسيا بالاشتراك مع الأردن؛ لتنتظر هذه المجالس المحلية مرحلة اختبار جديدة، تتمثل بإدارة عملية إعادة الإعمار التي ترجّح مصادر أنها ستبدأ مع بداية العام القادم، حيث تتجهز عشرات الشركات الأردنية والأجنبية للدخول إلى الجنوب السوري.




المصدر