كيف يبدو وجه دمشق دون “مستحضرات تجميل”؟


muhammed bitar

أعلام ورايات لعدة دول عربية وأجنبية ترفرف على مدخل “معرض دمشق الدولي”.. بارات.. كازينوهات.. حانات.. أماكن رقص وسهر ليلي.. فنّانون.. حياة طبيعية.. كلُّ شيءٍ على ما يُرام.

تُلخّص هذه المظاهر النصف المُمتلئ، أو ذلك النصف الذي يحاول نظام بشار الأسد إملاءَه بأي محتوى، فالمهم أن يكون ممتلئاً، ولا باس ببقيّة الكأس، الذي يعيش في قعره السواد الأعظم من السوريين، لقطات قريبة وبعيدة لأجواء الحفلات والسهر، والوجوه الضاحكة وكل شيءٍ بخير في بلدٍ لا يوجد فيها أيّ قطاعٍ بخير!

بعد ست سنوات من المعارك والدمار في البلاد، وبشكل خاص في محيط العاصمة دمشق، والتي انتهت بحصار ثم فرض التهجير على السكّان الأصليين، تمكّن النظام من إيجاد الأجواء المناسبة ليخلق الانطباع الذي روّج له منذ بدء الثورة السورية، عبر معادلة أن “كل شيء بخير” وإذا حدث أمر سيء عن طريق الصدفة، يكون السبب “المجموعات الإرهابية المسلّحة”، وعلى هذا الأساس سنفهم كيف أن النظام وعلى مر سنوات الثورة تعامل مع سوريا كجزئين؛ جزء معرّض للتدمير المتواصل والعمليات العسكرية، وجزء آخر لا تطاله “الحرب” ووظيفته تقديم دعاية إعلامية مضادة تخدم الصورة التي يريد النظام تقديمها، وتضيف على وجه دمشق المتعب مستحضرات التجميل المطلوبة.

أضواء

ليلة الخميس الماضي، افتتح النظام “معرض دمشق الدولي” بمشاركة عدد من الدول العربية والأجنبية، بالإضافة لشركات حضرت بشكلٍ فردي من هذه الدول.

أضواءٌ مبهرة ومراسم باذخة للحفل توحي بترف وصل إليه سكّان العاصمة، أو على الأقل الصورة التي يحاول الإعلام المقرّب من النظام عكسها.

وتأتي خطوة إعادة تفعيل مهرجان دمشق الدولي بنسخته التاسعة والخمسين بعد سنوات من إغلاقه بسبب ما آل إليه الوضع الأمني في البلاد.

وبحسب مدير المعرض فإن “هذه النسخة تستضيف 150 رجل أعمال من دول عدة بينهم مغتربون سوريون لاستقطاب استثماراتهم في سوريا، ومن المتوقع أن يبلغ عدد زوار المعرض العام الحالي ما بين 60 و70 ألف شخص مقارنة بـ54 ألفاً في العام 2011”.

وتستمر فعاليات المعرض حتى 36 من شهر آب الحالي والتي تقام على أطراف الغوطة الشرقية قرب مطار دمشق الدولي.

واللافت أن وسائل الإعلام التي واكبت حفل الافتتاح، لم تبث إطلاقاً ما بعد “سهرة المعرض الباذخة”، حيث بثَّ ناشطون صوراً ومقاطع فيديو تظهر غرق الشوارع بالقمامة والأوساخ، وتكدّس الناس أثناء انتظارهم لساعات في رحلة البحث عن وسيلة نقل تعيدهم إلى داخل العاصمة، وبعد فترة الانتظار تجمّع المئات داخل سيارات شحن قاطرة – مقطورة، وتم نقلهم في مشهد يُعيد للأذهان طرق نقل الأشخاص في ضواحي نيودلهي المكتظّة بأكبر التجمّعات السُكّانية على وجه الأرض.

 منابر المساجد

 لو اقتصرت الدعاية للمعرض على وسائل الإعلام التقليدية والحديثة لكان الأمر بقيَ في حدود الطبيعي نوعاً ما، لكن أن يصل ذلك إلى منابر المساجد فتلك من المفارقات التي لا تحدث إلا في سوريا الأسد، فخلال خطبة الجمعة الماضية خصص مأمون رحمة خطيب الجامع الأموي بدمشق، معظم وقت الخطبة للترويج لمعرض دمشق الدولي، متماشياً مع آلة النظام الإعلامية التي تحضّ السوريين على زيارة المعرض.

وقال رحمة في خطبته إن عودة معرض دمشق هذا العام دليلٌ على سعي حكومة النظام إلى “العلم والحضارة والبناء والاختراع”.

ودعا خطيب الأموي العرب لزيارة دمشق ومعرضها “العظيم”، مضيفاً أن “كل ما أشيع عن هذا الوطن (…) كانت إشاعات باطلة جائرة، الغاية منها تقوية الإرهابيين والمجرمين”، حسب وصفه.

وحمَلَ رحمة خلال خطبته علماً أخرجه من عباءته متوجهاً إلى السوريين بالدعوة إلى زيارة هذا المعرض، “لكي يبقى هذا العلم مرفرفاً فوق هذه السماء، لأن رجال الجيش العربي السوري قدموا أرواحهم الطائرة ليبقى هذا العلم مرفرفاً فوق دمشق”.

 

البارات

لا يتوقّف الانفصال عن الواقع على معرض دمشق الدولي ودعايته المرافقة، إذ إن “تأسيس البارات” كان حديث وسائل الإعلام والناشطين في العاصمة السورية دمشق خلال الفترة الأخيرة وذلك من خلال التصريح المثير للجدل الذي أطلقه عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق لقطاع الصحة، عمار كلعو، بأن “المحافظة طالبت بزيادة عدد الحانات في المدينة”.

ونقلت صحيفة “الوطن” المقرّبة من النظام عن كلعو قوله إن المرسوم التشريعي رقم 180 الصادر عام 1952 حدّد عدد الحانات في العاصمة بـ 109 وأن المحافظة ستطلب من وزارة الإدارة المحلية رفع الرقم لعدد التراخيص لتصبح متناسبة مع الواقع، على حد قوله.

يأتي هذا القرار بعد تحوّل معظم مطاعم دمشق لأماكن لحياة الليل وما تحتويه من مشاريب ورقص وغيرها.

وزاد انتشار الحانات خلال السنوات الماضية وخاصة في أحياء دمشق القديمة، مثل باب توما والقصاع.

وأشار المسؤول إلى أن المحافظة ستمنح تراخيص إدارية مؤقتة لمدة عام لمهنة “الحانات” في المدينة، دون أن يحدّد معايير عملها أو أوقات نشاطها أو عمر روادها، موضحاً أنه “يجب أن تتوفر شروطٌ لافتتاح الحانة منها مدخل مستقل، وأن يكون على الشارع مباشرة، وأن يحصل صاحب الترخيص على موافقة جميع سكان البناء فوق المحل، وعلى موافقة 75% من سكان البناء”.

وبلغ عدد الحانات المرخصة في دمشق 98 حانة، لكن توجد عددٌ من الحانات غير المرخصة أيضًا.

إلّا أن سكّان من داخل دمشق القديمة نفوا لـ “صدى الشام” مطابقة تلك الحانات للمعايير، وقال أحد قاطني باب شرقي: “إن القرار يُشير إلى أنّها المرّة الأولى التي سوف يتم فيها تشييد حانات، لكن الواقع أنه بمعدّل كل 50 متر توجد حانة بسوق دمشق القديمة”، وأوضح أن الملاهي الليلية تتسبب بإزعاجات كبيرة في الليل ولا سيما يومي الخميس والجمعة، إضافةً إلى انتشار مشاهد غير أخلاقية مع نهاية السهرة كل يوم، بين الشباب والشابّات الساهرين، مؤكّداً أنه يعيش قرب ملهى ليلي ومع ذلك لم يأتِ مالك الملهى ويسأله عن موافقته على تشييد الحانة أم لا.

 

 

هذي دمشق

لو أردنا فهم ما يجري واقعياً من جوانب الحياة في دمشق دون رتوش أو اعتماد على الإعلام فما علينا إلا النظر بمنظار الحياة اليومية لسكان المدينة خصوصاً من يجولون فيها معظم الأوقات.

“وفاء” فتاة سورية تعيش في العاصمة، تدرس في كلية الآداب بجامعة دمشق، وتعمل في عدّة مهن، منها موزِّعة في صحيفة إعلانية، والعمل أيضاً كمندوبة مبيعات تجول العاصمة كل يوم بما لديها من منتجات.

تنقل وفاء تفاصيل عن الحياة في العاصمة دمشق ربما لم تنقلها وسائل الإعلام، غير أن من يعيشون في العاصمة يعايشون الكثير منها.

“في صباح كلّ يوم أنهض نحو دوامي الجامعي، أتّجه إلى المغسلة فلا أجد مياه، أحاول تشغيل أي قطعة كهربائية لأتناول قهوة أو فطور فلا أجد كهرباء، أحاول بعدها تدبّر نفسي والنزول إلى الشارع، بمجرّد فتح باب منزلي أبدأ بسماع أصوات الطائرات الحربية التي تفتك بشرقي العاصمة”.

وتضيف وفاء في سردها عن حياتها اليومية في دمشق: “أقف ما بين 20 -30 دقيقة لانتظار الحافلة الأولى التي تُقلني من منزلي نحو باب توما، نتكدّس فوق بعضنا بعضاً داخل الحافلة وننطلق، يقوم السائق بشتم الركّاب عدّة مرات على الطريق بسبب رفضهم الركوب فوق بعضهم بعضاً لإفساح المجال للمزيد منهم، ثم نصل إلى باب توما بعد 50 دقيقة بسبب كثافة الحواجز”.

وتتابع “في ساحة باب توما التي امتلأت بالمقاتلين اللبنانيين وصورهم مع شعارات لحزب الله اللبناني، أمرُّ والعيون كلّها نحوي، في كل يوم يتردّد العنصر بإيقافي أو عدم إيقافي، وفي الحالتين أستجيب لما يقوله ثم أمضي نحو دمشق القديمة باتجاه “شارع الثورة”، في داخل دمشق القديمة طيلة الطريق تجد أشخاصاً يلبسون البزات العسكرية ويتربّصون بالمارّة بنظراتهم، بعضهم يركن سيارة بالقرب منه ويستمع للأغاني الطائفية التحريضية”.

“بعد الوصول إلى شارع الثورة بإمكانك أن تشاهد دمشق الحقيقية هناك”، تقول وفاء مضيفةً أن هذا الشارع صورة مصغّرة عن دمشق، لأنه يحتضن الفقراء والنازحين والمُشرّدين والهاربين والمطلوبين أمنياً وتجار بضائع التعفيش الذين يسعون إلى بيع ما لديهم، “هذا الشارع يجب أن يصبح اسمه الجديد شارع دمشق”، تستطرد وفاء.

وبمجرّد أن تقطع هذا الشارع تستقبلك روائح العفونة المختلطة بروائح المشاوي المُنبعثة من بسطات الشواء في حديثة المرجة، مع وجود أطفال حُفاة يتسوّلون أي شيء؛ (نقود، سندويشة، سيجارة) عندها تحاول أن تبذل جهدك للهرب من هذا المكان ومشاهدة الواقع المؤلم المُتجسّد فيه.

تعبُر برج دمشق تجاه جسر الرئيس فتستقبلك رائحة براز حادّة مُنبعة من فرع نهر بردى، على يمين النهر يوجد حديقة قرب فندق “فورسيزن الفاخر”، وتحته يوجد ما لا يقل عن 50 عائلة تنام هنا منذ سنوات، وإلى جانبهم فتيات يبحثن عن زبون عسكري يريد قضاء حاجته الجنسية داخل الحديقة أمام العامة.

وتشير وفاء إلى مفارقة وجود لافتات “يبدو أنها تجسّد الحياة في هوليود أو باريس، تدعو المواطن مخاطبةً إياه بعبارة: عيشها غير، أو إعلانات لحفلات في الملاهي الليلية”.

 

أسوأ مدن العالم للعيش

لفهم ما وصلت إليه دمشق يمكن أن نضيف إلى رأي ومشاهدات السكان ما يصدر بين حين وآخر من تقارير وتصنيفات عالمية، ومثال ذلك القائمة السنوية التي تُصدرها مجلة “إيكونومست” البريطانية والتي احتلت فيها العاصمة السورية دمشق المرتبة الأخيرة في قائمة “أفضل المدن للعيش في العالم”.

وجاءت دمشق خلف مدن “لاجوس” في نيجيريا، وطرابلس الليبية ودكا البنغلادشية، وبورت مورسبي في دولة باوا “غينيا الجديدة”.

وتصدّرت التصنيف ذاته مدينة ملبورن الأسترالية، التي احتلت المرتبة الأولى للعام السابع على التوالي لجودة العيش فيها.

وحلت في المرتبة الثانية العاصمة النمساوية فيينا، وجاءت مدن فانكوفر وتورونتو وكالجاري الكندية في المراتب الثالثة والرابعة والخامسة، ومدينتا أديلايد وبرث الأستراليتان في المرتبة السادسة والسابعة، وأوكلاند النيوزيلندية في الثامنة والعاصمة الفنلندية هلسنكي في التاسعة، وهامبورج الألمانية في العاشرة.

وتُقارن مجلة “إيكونومست” سنوياً بين 140 مدينة حول العالم بشكلٍ سنوي، لتصدر قائمتها التي تُقيّمها على أساس الرعاية الصحية والثقافة والتعليم والبُنى التحتية ومخاطر التعرّض لهجمات إرهابية.




المصدر