حملة “سجل” لتوثيق الواقعات المدنية في إدلب


جيرون

دفعت الظروف المعيشية الصعبة أهاليَ إدلب إلى إهمال تسجيل واقعاتهم المدنية من (ولادة، زواج، طلاق، ووفيات)، ويؤكد عاملون في المجال القانوني أن الأولويات، بالنسبة للمواطنين في تلك المحافظة، تبدّلت، وبات همهم الأول تأمين قوتهم اليومي، ويقول الأهالي: “ما فائدة أن نُسجّل أبناءنا في السجل المدني، إذا كانت وفاتهم مُحتملة في أي لحظة”.

القاضي رياض علي أكد لـ (جيرون) أن “طريقة تسجيل هذه الواقعات سهلة ومتوفرة، لكن الأهالي لا يولونها الأهمية اللازمة؛ لجهلهم بالنتائج المترتبة على عدم تثبيتها أولًا، ولانشغالهم بقضايا حياتية أكثر إلحاحًا، ثانيًا”، مؤكدًا “وجود عددٍ ليس بقليل من الأهالي المُتساهلين في تسجيل هذه الواقعات، دون وجود إحصاءات دقيقة بأرقامهم”.

في محاولةٍ لتدارك المشكلة، نظمت مديرية الشؤون المدنية في محافظة إدلب أخيرًا، بمشاركة منظمات دولية راعية، حملةً إعلاميةً تحت عنوان (سجّل)، تهدف إلى تشجيع الأهالي على تسجيل أبنائهم ومراجعة السجل المدني؛ لتوثيق كافة الواقعات المدنية، إضافة إلى تعريف المدنيين بأهمية التسجيل والأضرار الناتجة عن إهماله.

أوضح المسؤولون عن الحملة أنها “جاءت، بسبب تراجع الإقبال على السجل المدني، وتسعى مديرية الشؤون المدنية في إدلب لتعزيز دور أمانات السجل المدني في المحافظة، عبر إعادة تفعيل العديد منها في المدن والبلدات، وعبر إيجاد ضوابط قانونية وإدارية لعمل المديرية، وتأمين الدعم للأمانات البالغ عددها 5 مفعّلة بشكل كلي من 24 في المحافظة”.

حول الحملة وأهدافها أوضح علي: “الهدف من (سجّل) توعوي بحت؛ لأن مراكز التسجيل والأمانات موجودة في مناطق آمنة، وتُستكمل عملية التسجيل لمجرّد مراجعة الأمانات المتاحة، علمًا أن الإجراءت بسيطة وسهلة وتكلفتها رمزية”.

وأضاف: “يترتّب على عدم تسجيل الأطفال نتائج كارثية، فعدم امتلاك الطفل لبيان ولادة، يحرمه من كلّ حقوقه، ويكون بذلك وجوده ماديًا فقط، أما الوجود القانوني الكفيل بصيانة حقوقه فلا يتمتع به، وقد أكّد الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، أكدا على حق التسجيل والتمتع بالشخصية القانونية، ومن ثمّ الجنسية؛ لأن مَنْ يُحرم من الجنسية يُحرم من أدنى حقوقه المعاشية (حق التعلم، الصحة، التنقل، التملك)، فضلًا عن حرمانه من العمل، سواء في القطاع العام أو الخاص، لأن أي مؤسسة تطلب حتمًا بطاقة إثبات شخصية، وبالتالي؛ فإن الإنسان غير المُسجّل يحرم من حقه في الحياة والعيش بكل معنى الكلمة”.

في سياق متصل، لفت علي إلى مشكلة عدم تملّك العديد من الشباب اليافعين السوريين لبطاقات الهوية الشخصية وإهمالهم استخراجها “هؤلاء كان عمرهم في بداية الثورة 14 عامًا، أصبح حاليًا، بعد مرور 7 سنوات من عمر الثورة، 20 عامًا، وعدم حصولهم على بطاقة شخصية سيُسبّب لهم مشكلات في كل مراحل حياتهم، وعند كل خطوة يقومون بها، بداية بالزواج وما يتبعه من عدم قدرتهم على استحصال بطاقة عائلية، مرورًا بالتعليم وعدم نيلهم لأي شهادة، وصولًا إلى العمل، إذ لا يسمح لهم حتى بقيادة سيارة”.

من جهة أخرى، نبّه علي إلى أن هؤلاء الشباب الذين لا يمتلكون بطاقة هوية “سيُحرمون من حق الانتخاب في المستقبل، لا سيّما أننا مقبلون على مرحلة انتقالية، ويوجد في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أعداد كبيرة من المدنيين بلا بطاقات شخصية، هؤلاء جميعهم سيفقدون حقهم في المشاركة السياسية الديمقراطية، سواء على مستوى الانتخاب أو الترشّح”.

تجدر الإشارة إلى أن الحملة نشِطة في ريف حلب الخارج عن سيطرة النظام، وإدلب ما دون سيطرة النصرة (معرة النعمان، حيش، ترمانين وكفر تخاريم)، وبحسب علي، فقد أُجبرت الجهات الراعية لها على تنظيمها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام؛ لأن الأخير هو من أوقفها عمدًا، وقال في هذا الجانب: “هناك حاجة ملحة للعمل في هذه المناطق، فلو أن النظام استمرّ في تقديم خدمة السجلات المدنية في المناطق الخارجة عن سيطرته، لما قمنا بها، إلا أن النظام حارب المدنيين في تلك المناطق، ليس فقط بالبراميل والقذائف والهاون، وإنما حاربهم بطرق أخرى ببطاقاتهم الشخصية ووثائقهم الضرورية، فقطع كل الخدمات الإلكترونية (الكابلات) عن تلك المناطق، لكي يقطع الاتصال بين المركز والإدارة المركزية في دمشق؛ وبالتالي تعطيل عمل السجل المدني”.

يتفق حقوقيون أن المرأة والطفل هما المتضرر الأكبر من عدم تسجيل الواقعات المدنية الخاصة بهما في السجلات القانونية، الطفل غير المسجل قانونيًا، والمرأة التي لم يثّبت زواجها أصوليًا في المحكمة، فتفقد كل حقوقها، وتحاول حملة (سجّل) إيصال رسائل مبسّطة للأهالي عبر شعارات ذات مغزى منها: “سجّل طفلك كي ينال حقّه في التعلّم، ثبتي زواجك لتضمني حقوقك وحقوق أطفالك”. آ. ع.




المصدر