قسد تعذب وتعدم العديد من المدنيين

microsyria.com فاروق علي

انتشرت مؤخراً عبر شبكة الإنترنت مقاطع مصورة يظهر فيها عناصر مسلحة يُشير زيُّهم، ولهجتهم المحكية، ومحتوى الفيديوهات نفسها، وقرائن أخرى، إلى انتمائهم إلى قوات سوريا الديمقراطية، وهم يُنفِّذون عمليات تعذيب وحشية لمحتجزين، تُشابه عمليات التعذيب في الفيديوهات التي كان يظهر فيها عناصر من قوات تابعة للنظام السوري.

وتظهر في التسجييلات أيضاً عمليات قتل عبر إعدام مباشر دون أية مُحاكمة، والتُّهمة الدائمة هي الانتماء لتنظيم داعش، على نحو مُشابه لتهمة دعم وتمويل الإرهاب، الهدف منها تبرير تعذيب وتشويه وقتل المخالف دون أي دليل أو رادع قضائي أو أخلاقي، ونحتفظ بنسخٍ من هذه الفيديوهات على مخدمات سرية آمنة، كما نحتفظ بالمصدر الذي نشر الفيديوهات أول مرة.

وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، منذ بداية عام 2016 رصدنا تصاعداً ملحوظاً في شدة أساليب التَّعذيب وارتفاع حصيلة ضحاياه على يد قوات سوريا الديمقراطية، حملَ البعض منها صبغة عرقية، حيث سجلنا العديد من الروايات لناجين أكّدوا للشبكة السورية لحقوق الإنسان تعرُّضهم لعمليات خطف وتعذيب، وقد حصلنا على وثائق تُثبت تعرَّضهم لذلك في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات سوريا الديمقراطية.

قبل تشكيل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) الإدارةَ الذاتية الكردية، ارتكبت قواته (وحدات حماية الشعب، الأسايش)، كمَّاً واسعاً من الانتهاكات، وقد رصدنا ذلك في تقارير عدة، إضافة إلى تقارير منظمات دولية (العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش)، ومنظمات محلية متعددة.

كما استمرَّ النهج ذاته بعد تشكيل الإدارة الذاتية الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية (نشرت تقارير إخبارية تُشير إلى أنَّ بعض المسؤولين في الولايات المتحدة فرضوا هذه التسمية بديلاً عن الإدارة الذاتية)، لكنَّها جميعها في جوهرها تعود إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، مع بعض الأحزاب السريانية والعربية بشكل شكلي.

وفي 30/ حزيران/ 2017 نشرت وكالة الأناضول مقطعاً مصوراً يُظهر عنصرين مسلحين يرتديان ثياباً عليها شعار أصفر يبدو أنه شعار قوات سوريا الديمقراطية، وجعباً عسكرية، ويحمل أحدهما سكيناً، أقدم المسلحان على ركل ودعس وضرب محتجزَين اثنَين مُكبَّلي الأيدي وممدين أرضاً، ويُظهر الفيديو أن العناصر المسلحة كانت تنتزع اعترافات من المحتجزَين عن مكان وجود عناصر تنظيم داعش.

وأظهر مقطع مصوَّر مجموعة من العناصر نعتقد أنها تابعة لقوات سوريا الديمقراطية يعتدون بالضرب على محتجزَين اثنين في مركز احتجاز تابع لها في بلدة المنصورة في الريف الجنوبي الغربي لمحافظة الرقة – وردنا في 30/ 6/ 2017

وفي 15/ تموز/ 2017 انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع مصور يُظهر مجموعة من 3 أو 4 عناصر مسلحة تُطلق النار بشكل مباشر على شخص مكبَّل اليدين إلى جانبه جثتان، ويظهر المقطع تناوبَ العناصر على إطلاق النار على الضحية، وتصويب عدة رصاصات، مُعظمها في الرأس. ويقول أحد العناصر المسلحة في الفيديو أنَّ هذا هو مصير كل من يحارب حزب YPG (وهو الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي) ومصير كل من ينتمي لتنظيم داعش.

وفي مقطع مصوّر آخر يظهر مجموعة من المقاتلين نعتقد أنهم يتبعون قوات سوريا الديمقراطية وهي تقتل المدني علي المحمد من أبناء قرية خس عجيل في ريف محافظة الرقة الشرقي، وردنا في 15/ 7/ 2017

استطعنا التَّعرف على الضحية وهو علي أحمد المحمد مواليد عام 1980 من قرية خس عجيل التابعة لناحية الكرامة بريف الرقة الشرقي، قمنا عبر عدة وسائط بمقارنة المقطع المصوَّر الحالي، مع صورة له قُبيل وفاته حصلنا عليها عن طريق السيد سامر وهو أحد أقربائه، وقد أفادنا أنَّ الضحية علي كان يعمل في لبنان منذ منتصف عام 2015 وفي 19/ آذار/ 2017 عاد إلى قريته، عبر الطائرة من مطار دمشق الدولي إلى مطار القامشلي، كما يظهر في صورة تذكرة السفر التي حصلنا عليها، أخبرنا سامر أنَّ مشادَّة كلامية قد حدثت بين علي وشخص مقرَّب من عناصر قوات سوريا الديمقراطية أدَّت إلى احتجازه عدة ساعات، وقد تكون هي السبب في تصفيته لاحقاً في 3/ نيسان/ 2017 كما ظهر في المقطع المصوَّر. بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

في 21/ تموز/ 2017 نُشِرَ مقطع فيديو يُصوِّره مسلح يتكلم اللغة الكردية ويظهر في الفيديو رجل مُسن تبدو ثيابه مُلطَّخة بالدماء، استطعنا الَّتعرف على الرجل المسن الظاهر في الفيديو وهو أحمد زينو، البالغ من العمر 80 عاماً، كنَّا قد سجلناه في قائمة الضحايا يوم السبت 24/ حزيران/ 2017 بعد تعرُّض منزله في حي الرميلة بمدينة الرقة لقنابل يدوية من قبل قوات سوريا الديمقراطية تسبَّبت في مقتل ابنه -أسعد زينو- بينما أُصيب هو، ثم تمّت تصفيته، حيث تُظهر صور جثَّته التي حصلنا عليها جرحاً؛ جراء طلق ناري في كتفه الأيمن.

وبعد يومين من انتشار المقطع المصوَّر سجلنا اعتقال قوات سوريا الديمقراطية أحمد أسعد زينو وهو حفيد أحمد زينو من منزله بالرغم من أنه يعاني من إصابة سابقة جراء قصف طيران التحالف الدولي لمدينة الرقة، ونعتقد أنَّ الاعتقال حصل نتيجة تسريب المقطع المصور.

مقطع مصوَّر يُظهر مقاتل نعتقد أنه تابع لقوات سوريا الديمقراطية يتحدث إلى المدني أحمد زينو قبيل قتله بحي الرميلة شمال شرق مدينة الرقة – وردنا في 21/ 7/ 2017

إنَّ تصوير ثم نشر عمليات القتل والتعذيب بشكل عمدي مقصود، يُعبِّر عن مرض مجتمعي تفشَّى بشكل صارخ وسط ترك الشعب السوري وحيداً أمام نظام يُمارس أبشع أساليب القتل، وميليشيات منفلتة من أبسط الأعراف والقوانين المحلية والدولية، وهذه الأفعال تهدف إلى إرهاب المجتمع وتركيعه لردعه عن أية مخالفة للسلطة الحاكمة.

وبكلِّ تأكيد فإنَّ من الصعوبة بمكان التَّحقق من هذه الأنواع من الفيديوهات، لكنَّ قرائن متعددة، وشهوداً، وروايات لأقرباء الضحايا أكَّدت تورطَ عناصر من قوات سوريا الديمقراطية، وفي حال وقعت مزيد من الأدلة وثبتت هذه الفيديوهات، فهي ترقى بدون شك إلى جرائم حرب، وانتهاك صارخ لأبسط مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، وصحيح أن هذه القوات تعتبر جهة فاعلة من غير الدول، وبالتالي فهي لا يمكن أن تكون طرفاً في معاهدات رسمية، لكن يجب عليها في كل الأحوال احترام حقوق الإنسان الأساسية للأفراد، وتطبيق القانون الدولي العرفي في المناطق التي تُسيطر عليها بشكل فعلي.

وإن سجلَّ قوات سوريا الديمقراطية حافل بالانتهاكات وعمليات القتل خارج نطاق القانون والهجمات العشوائية عديمة التمييز على المدنيين، إضافة إلى عمليات الاعتقال التعسفي، ولم تَقُم هذه القوات بأي تحقيق يُذكر في أي نوع من أنواع الانتهاكات، كما أنها لا تستجيب لطلبات المنظمات الحقوقية ومحاولات التواصل بهدف التَّعرف على موقف القيادة من هذه الممارسات، وما هي سياستهم المستقبلية تجاهها.

على قوات سوريا الديمقراطية الالتزام بمعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان والتَّوقف عن استخدام التَّعذيب بحق الخصوم السياسيين والعسكريين، وفتح تحقيقات فورية ومحاسبة المتورطين في الجرائم.

يجب على الدول الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية الضغط عليها لوقف تجاوزاتها كافة في جميع المناطق والبلدات التي تُسيطر عليها، والبدء بإنشاء ودعم مجالس محلية من جميع أبناء المجتمع المحلي لإدارة تلك المناطق بشكل مدني، وغير ذلك فهي تعتبر مساهمة ومتوافقة مع هذا النهج اللاإنساني.