on
مازن درويش: سأعود إلى سوريا لكن ليس إلى “حضن الوطن”
مقارنةً بغيره من الملفّات السياسية والعسكرية، لا يزال الملف الإنساني المتعلق بقضايا المعتقلين والمختفين الغائب الأبرز عن التطورات التي تشهدها القضية السورية في محطات جنيف وأستانا.
وبالتوازي مع ذلك، لم تتضمّن عمليات التبادل بين أطراف الصراع السوري الكثير من معتقلي الرأي في مقابل التركيز على العسكريين.
وتعليقاً على الموضوع، عزا رئيس المركز السوري لحرية الإعلام والتعبير، مازن درويش، ذلك إلى عدم تقاطع مصالح من وصفهم بـ”أمراء الحرب” مع قضايا المعتقلين، وإلى المقاربة الدولية للحل في سوريا، التي تعطي الأولوية لملف “الإرهاب” المتمثل بقتال تنظيم “داعش”.
ودرويش، هو حقوقي وصحفي سوري، اعتقله النظام في آب2012، على خلفية معارضته لسياسة النظام القمعية، وأفرج عنه بضغط من الاتحاد الأوروبي في الشهر ذاته من العام 2015، ويقيم درويش حالياً في ألمانيا، ويزاول نشاطه القانوني والإعلامي في المركز السوري لحرية الإعلام والتعبير، الذي كان أسسه في 2004.
وفي حواره مع “صدى الشام”، شدّد درويش على استحالة طيّ ملف الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في سوريا، مشيراً في هذا الصدد إلى محاولة أطراف عدة فعل ذلك، وعلى رأسها النظام السوري.
ويرى درويش أن الانتقال الديمقراطي في سوريا، غير قابل للتحقق مع وجود الأسد.
وفيما يلي نص الحوار:
– مقابل ما نشهده من تطورات على الصعد السياسية المتمثلة بمحادثات جنيف وأستانا، وكذلك العسكرية عبر اتفاق خفض التصعيد، لا يزال ملف المعتقلين والمفقودين والمغيبين مجمداً، لماذا يغيب هذا الملف أمام بالملفات الأخرى المتعلقة بالحل السوري؟
إن الحلول التي تطرح الآن تعبّر عن مصالح الأطراف المتصارعة وأمراء الحرب في سوريا، ولا تعبّر عن مصالح المواطن السوري أو المجتمع المدني عموماً، وباعتقادي هذا هو السبب الأهم الذي يقف وراء عدم معالجة القضايا الإنسانية التي تمس قضايا المواطن السوري العادي.
– برأيك هل يتم ذلك بشكل متعمّد، أم لأنه لا مصلحة لأطراف الصراع في ذلك، وهل تقصد بالأطراف المتصارعة السوريّة منها فقط؟
بكل أسف المصالح الدولية متقاطعة ومتشابكة مع مصالح أمراء الحرب. إن الأطراف الدولية الفاعلة بالقضية السورية غير معنية بحل أو معالجة القضايا الإنسانية، وكذلك بقضايا الحريات والديمقراطية، إنما معنية بتحقيق مصالحها على الأرض.
إن مقاربة الحل السوري في الأوساط الدولية مرتبطة بمحاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم “داعش”، وبالمصالح الجيوساسية لكل الأطراف، بالتالي فإن تغييب هذا الملف يحتمل التفسير بالوجهين: المتعمّد وغير المتعمّد.
– في السياق ذاته، في الآونة الأخيرة شاهدنا صفقات تبادل لمعتقلين بين النظام والمعارضة لم تشمل الكثير من معتقلي الرأي، لماذا؟
طالما أن المفاوضات تجري بين أمراء حرب، كما أشرنا، فمن الطبيعي أن يتم إطلاق سراح العسكريين. ما يتم اليوم هو تبادل أسرى فقط، لذلك فإن قضية المعتقلين كقضية وطنية غائبة بشكل كامل.
– بالتالي، قد لا نشهد على المدى القريب تحريكاً لهذا الملف. هل تتخوفون من طيّه بشكل نهائي؟
إطلاقاً، هذا الملف غير قابل للطي أبداً وكذلك للتأجيل، هذه القضية تمس كل عائلة وكل منزل في سوريا، ومهما اعتقد النظام أن بامكانه إبرام أي اتفاقية أو تسوية سياسية بدون حل عادل أو بدون معالجة شاملة وجذرية للملف الإنساني، فأنا أؤكد أن هذا لن يحدث البتة.
أما عن مخاوفنا نحن الحقوقيون، أقول خوفنا ونحن وكل السوريين مشروع، لأنه ليس وليد أوهام، وإنما نتيجة محاولات جدية من النظام ومن أطراف إقليمية ودولية أيضاً ساعية لطي هذا الملف.
إن هذا الأمر واقع ونحاربه بشكل يومي على الصعيد المحلي والدولي، لكن هذا النوع من الجرائم قد يأخذ وقتاً طويلاً للتقدم فيه.
كلما خفّت حدّة الصراع العسكري، كلما صارت لدينا احتمالية أكبر لتسريع معالجة قضية المعتقلين، لأن حقيقتها ستظهر حينها، فمن غير الممكن خلال الحرب أن يكون هناك تقدير حقيقي وواقعي لحجم الكارثة الإنسانية بهذا الخصوص.
– في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، أو في غيره من المراكز الحقوقية الأخرى المعارضة، هل لديكم إحصائيات حتى وإن كانت تقريبية لربما لعدد المعتقلين والمغيبين السوريين؟
لست مع الدخول في لعبة الأرقام بالمطلق، لأنها فخ بالمعنى الحقوقي، أما بالمعنى الوطني فنحن نعلم تماماً أننا نتحدث عن آلاف.
لذلك، وفي ظل وجود عدم تعاون جميع الأطراف وغياب الإحصائيات الدقيقة وكذلك عدم وجود سلطة تحترم القانون، وبوجود نظام يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، نعتقد أن تحديد أرقام هو قرار غير حكيم.
وأبعد من ذلك، لا يستطيع اليوم أي طرف دولي أو إقليمي أو محلي أن يتحدث عن أرقام دقيقة، للمفقودين وللمعتقلين وللمختفين.
– لربما يكون هذا الأمر بحاجة إلى هيئة وطنية خاصة ومستقلة بالمفقودين والمعتقلين. لماذا لم يُصار إلى تأسيس مثل هذا الجهاز القانوني بالتعاون فيما بينكم كحقوقين معارضين؟
لأن النظام بالدرجة الأولى هو المرتكب الأساسي لغالبية هذه الجرائم، بمعنى آخر إن تشكيل مثل هذه الهيئة يتطلب اعتراف وقبول كل الأطراف، أي توافق وطني جامع بالمعنى العام حتى نسهّل عملها في الداخل مثل زيارة السجون للتوثيق، والسؤال الطبيعي هنا: هل كان النظام ليسمح بمثل هذا؟
أما عن المراكز القانونية فهي قامت ولا تزال بتوثيق هذه الحالات منذ اليوم الأول وبشكل احترافي، وبشكل جيد بالحد الأدنى، لكننا في الوقت ذاته لا نستطيع النشاط في مناطق النظام أو حتى المعارضة.
– على ذكر التوافق الوطني والحل السياسي، اليوم بات يروّج من جهات دولية لبقاء الأسد على رأس السلطة لفترة ما، إن كان كذلك، هل سيؤدي هذا إلى تغييب ملف العدالة والمحاسبة، لأنه من غير الوارد أن يكون هو الخصم والحكم في آن؟
من الطبيعي أن يعيق بقاء الأسد والنظام الملفات هذه، لكن هل هذا الأمر واقعي وهل هذا الأمر قابل للتحقيق على المدى المتوسط والبعيد؟ اعتقد أن هذا غير ممكن.
من غير الممكن التوصل إلى حل سياسي سوري قابل للاستمرار وللحياة، أو الوصول إلى سلام مجتمعي بدون محاسبة من ارتكب جرائم حرب، وبدون انتقال ديمقراطي حقيقي، والتقدم في مسار العدالة، للوصول إلى المصالحة الوطنية.
– قد يكون ذلك غير ممكن، لكن لربما للمصالح الدولية الكلمة العليا في الحل السوري؟
أبداً، حتى لو تم ذلك، فإن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، ومن غير الممكن عقد تسويات بناءاً على تغييبها؛ محلية كانت أم إقليمية أم دولية.
إن تحقيق المصالحة الوطنية تحت قوة السلاح أمر غير ممكن، ولن أكرر ما ذكرت سابقاً إن قلت أن هذه الجرائم تمس وتعني كل بيت في سوريا، بالتالي هل ستفرط مئات الآلاف من الأمهات بحقوق الأبناء؟
بالامكان فرض واقع معين تحت القوة العسكرية، لكن هذا الواقع لن يستطيع الصمود حتى النهاية.
– لكنه صمد أو لا زال في بلدان مرّت بتجربة مشابهة للتجربة السورية، ولنا في بلدان أوروبا الشرقية مثال على ذلك.
لذلك تعاني هذه الدول من غياب الحل السياسي، ومن غياب السلام المجتمعي، بمعنى آخر إن هذه الدول على أهبة الانفجار، قد تكون لديها حالة هدنة، أما حل واستقرارسياسي قطعاً لا، لأن لديها حرب مؤجلة ستتفجر يوماً ما.
– يُروّج أيضاً أن بقاء الأسد سيكون مرهوناً بنتائج انتخابات. هل من الممكن أن تجري هذه الانتخابات دون مشاركة اللاجئين السوريين في الشتات؟
حتى اليوم لا يوجد اتفاق سياسي يشير إلى هذا بشكل صريح، لكن كل التلميحات التي تصدر تحديداً عن الأمم المتحدة وعن مكتب المبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا، تتحدث عن ضمان حقوق اللاجئين بما فيها المشاركة في الانتخابات، وهذا أمر واجب وضروري.
– هل تشاركون في محادثات جنيف؟
نعم نشارك بجزء ما عن المجتمع المدني، علماً أن المجتمع المدني غير موجود على طاولة المفاوضات.
– ما هو دوركم إذاً؟
نحاول كمجتمع مدني أن نمارس دور الرقيب، وأن نخلق التوازن بين مصالح أطراف الصراع وبين مصالح المواطن السوري في إطار المصلحة الوطنية السورية بشكل عام.
إن دور المجتمع المدني هو ضمان أن تكون مخرجات العملية التفاوضية ملائمة للحد الأدنى لمطالب الشعب السوري.
– في مطلع الشهر الحالي، أعلن الاتحاد الأوروبي تعزيز دعمه للتحقيقات في جرائم الحرب في سوريا، هل يقتصر هذا الدعم على المالي وحسب، أم أنه مترافق مع غطاء سياسي؟
إن الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرت آلية دولية مستقلة من أجل إعداد ملفات للمحاسبة وتقديمها أمام المحاكم للمحاسبة، أي أنه لدينا اليوم مؤسسة مشروعة بالمعنى الدولي بقرار من الجمعية.
ومن هنا فإن مساهمة الاتحاد الأوروبي هي مساهمة بالجانب المالي، أي تغطية نفقات هذه الهيئة الدولية، وبما أنها ملتزمة مادياً، فهي ملتزمة بمضمون عملها وبضرورة تفعيلها.
– هل من الممكن أن تعود إلى سوريا في القريب لتقود المركز السوري للإعلام وحرية التعبير من الداخل مجدداً؟
فور تحقيق الانتقال الديمقراطي في سوريا سأكون أول من يعود لسوريا، لكن ليس على مبدأ العودة لحضن الوطن، والانتقال الديمقراطي يعني رحيل الأسد قطعاً.
أما عن المركز فهو مستمر بالعمل من الداخل، ولم يتوقف عملنا إن كان داخل مناطق النظام أو المعارضة.
خلال عمل المركز الذي تم ترخيصه في فرنسا منذ العام 2004، تعرّض لكثير من الهزات التي قد تكون أثرت على عمله، وتعرضنا أنا وبقية الزملاء للاعتقال.
الآن نحن في المركز والمراكز الأخرى نقوم بإدارة عدة ملفات ودعاوى في المحاكم الأوروبية ضد النظام السوري وأجهزته الأمنية وسجن صيدنايا. مشوارنا قد يكون محبطاً وطويلاً بسبب الخذلان الذي نتعرض له من منظومة العدالة الدولية، لكن مشوارنا يجب أن يستمر، ويجب أن يبقى قائماً، وهذه مسؤوليتنا كسوريين قبل أن تكون مسؤولية دولية.
– بخصوص رزان زيتونة، ما هي آخر المعطيات المتوفرة بحوزتكم عن مكانها وعما إذا كانت لا تزال على قيد الحياة، وما هي الخطوات التي تتخذونها بشأنها وبشأن بقية المعتقلين؟
لن أبالغ إن قلت أنه منذ خروجي من السجن في الأيام الأولى، وأنا ملتزم بالعمل على قضية رزان وباقي معتقلي دوما.
للأسف لا يوجد تعاون من الأطراف المسيطرة على المنطقة هناك، واليوم نحن في طور تجهيز الأوراق القانونية، للتحرك من خلال القضاء الفرنسي والدولي بهذا الموضوع.
– إسمح لي أن أنتهز فرصة وجودكم معنا لنعزيكم ونعزي أنفسنا كسوريين جميعاً بمقتل الناشط السوري-الفلسطيني باسل خرطبيل على يد النظام في المعتقل، وهنا نسأل في أثناء فترة تواجدكم بالمعتقل هل كان لديك اليقين بأنك ستخرج من المعتقل؟
العزاء للسوريين جميعاً. أما عن فترة اعتقالي، في السنة الأولى منها وكنت حينها بالأفرع الأمنية وبالفرقة الرابعة، كان فقدان اليقين بالخروج أمر بمثابة الحكم على ذاتك بالإعدام.
في ضوء التعذيب اليومي وفي ظل الأوضاع الصحية الصعبة والقاسية وعدم وجود أي شكل من أشكال التواصل مع العالم الخارجي، أنت بحاجة إلى هذا الإيمان لتستمر، وحتى لا تسمح للسجان بأن يحطمك من الداخل.
نعم كنت أحاول أن أظل قابضاً على الأمل، لكن هذا لا يعني أن حالات كثيرة من الضعف كانت تجتاحني، وخصوصاً أن مقاومة الجسد قد لا تكون بسوية واحدة، نحن بشر بالنهاية، لست بطلاً خارقاً.
المصدر