واشنطن بوست: مصر قد تكون أحدث جبهة في معركة ترامب مع كوريا الشمالية


أحمد عيشة

هذا الأسبوع، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنَّها ستحجز ملايين الدولارات المقدمة كمساعداتٍ إلى مصر، حليفة الولايات المتحدة منذ فترةٍ طويلة، والمتلقية الرئيسة للمساعدة الأمنية الأميركية.

لم تكنْ هذه الخطوة صغيرة؛ فقد تمّ تخفيض أو تأجيل أكثر من 290 مليون دولار من المساعدات، حيث ردَّت وزارة الخارجية المصرية بغضب، واتهمت واشنطن بـ “سوء الحكم”. لكن هذه الخطوة، أثارت الكثير من الانتقاد لسياسة ترامب الخارجية. الإدارة استندت في قرارها إلى سجل مصر البائس في مجال حقوق الإنسان.

قال مارتن إنديك، نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة (بروكينغز)، وهي مركز أبحاث في واشنطن: “إنَّ ترامب الذي يتخذ موقفًا حول حقوق الانسان كان “متحيرًا”، وحتى “مشابهًا لأوباما”. ولكن تحت السطح، قد لا يكون تركيز هذه الخطوة على مصر، بل على كوريا الشمالية.

يشير غاردينر هاريس وديكلان والش، من صحيفة (نيويورك تايمز)، إلى أنَّ عاملًا رئيسًا في قرار الحدِّ من المساعدات للقاهرة، هو علاقتها المستمرة مع بيونغ يانغ. وقال الصحافيون: “إنَّ الأولوية القصوى لوزير الخارجية ريكس تيلرسون تتمثل في زيادة العزلة الاقتصادية والدبلوماسية لكوريا الشمالية؛ إذ إنه يطلب من القادة الأجانب، في كلِّ اجتماعٍ تقريبًا، قطع العلاقات مع بيونغ يانغ”.

يبدو أنَّ الضغط على مصر يشكّل جزءًا من حملةٍ أميركية أوسع نطاقًا، لتوضيح أنَّ كوريا الشمالية مشكلة للعالم، وليس لواشنطن وسيؤول، وطوكيو وحسب.

يُذكر أنَّ كوريا الشمالية هي إحدى أكثر دول العالم عزلةً، وأنَّها تخضع لعقوباتٍ من الأمم المتحدة منذ عام 2006، غيرَ أنَّها ما زالت تتمتع بتاريخٍ طويل من العلاقات الاقتصادية مع البلدان الأخرى، وبعض هذه العلاقات ما زالت قائمةً.

بعضها معروف جيدًا- تجارة كوريا الشمالية مع الصين، أو شحن العمال المهاجرين إلى روسيا، هي أسرارٌ يصعب الحفاظ عليها بشكلٍ جيد. ولكن هناك روابطًا اقتصادية أكثر إثارةً للدهشة أيضًا، وقد اطلع كيفن سيف من صحيفة (واشنطن بوست) مؤخرًا على العلاقات التجارية بين كوريا الشمالية، وعدد من الدول الأفريقية، على سبيل المثال، في حين أن جون غامبريل، من وكالة (أسوشيتد برس)، أعلن مؤخرًا عن دور العمال الكوريين الشماليين في دول الخليج المتحالفة مع الولايات المتحدة.

قد تبدو بعض هذه التجارة حميدةً ومبررة نسبيًا؛ فالتماثيل الكورية الشمالية الصنع عليها طلبٌ متزايد في بعض الدول الأفريقية -كما أشار سيف- ولكن غالبًا ما يكون هناك عنصرٌ عسكري أيضًا. وذكرت وكالة (رويترز)، هذا الأسبوع، أنّه تمَّ اعتراض شحنتين كوريتين شماليتين إلى وكالة حكومية سورية مسؤولة عن برنامجها للأسلحة الكيماوية، في الشهر الماضي. وفي كلتا الحالتين، توفر الصفقات لـ بيونغ يانغ عملةً صعبة، يمكن أنْ تساعد برنامجها للأسلحة النووية.

كالعديد من الشركاء الأجانب لكوريا الشمالية، تعود علاقة مصر مع بيونغ يانغ، إلى أيام الحرب الباردة، عندما ساعد الطيارون الكوريون الشماليون في تدريب نظرائهم المصريين، قبل حرب 1973 مع “إسرائيل”. وقد تعززت العلاقة في العصر الحديث، حيث ساعدت شركة (أوراسكوم) العملاقة في مجال الاتصالات المصرية، على إنشاء شبكةٍ للهاتف المحمول في كوريا الشمالية (على الرغم من أنَّ هذه الصفقة لم تنته بشكلٍ جيد).

لا يبدو أنَّ عقوبات الأمم المتحدة، أو المساعدات العسكرية الأميركية هزّت هذه العلاقة؛ إذ الكاتب في صحيفة (الشروق) المصرية، محمد المنشاوي، وهو مِن أول الذين قالوا إن العلاقة مع كوريا الشمالية يمكن أنْ تكون مشكلةً، قال: “أعتقد أن مصر تريد أن تحصل على امتيازاتٍ من كلتا الطريقتين”. وقد أظهر تقريرٌ، صدر مؤخرًا عن الأمم المتحدة، كيف يبدو أنَّ مصر تلعب على كلا الجانبين: فقد ساعدت مصر في اعتراض سفينةٍ كورية شمالية تحمل أسلحةً عبر قناة السويس، العام الماضي، ولكنها اتهِمت أيضًا بشراء قطع صواريخ سكود، بشكلٍ غير مشروع، من بيونغ يانغ.

حاولت الإدارات الأميركية السابقة دفع دول مثل مصر إلى إنهاء علاقاتها مع كوريا الشمالية. وقال كينت بوديستون، الخبير في التجارة الكورية الشمالية في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: “إنَّ الولايات المتحدة التي تمارس ضغوطًا على الدول لقطع الروابط هي جزء من لعبة (التخباية/غض الطرف) في محاولةٍ لمنع المتهربين من العقوبات”.

لم تعمل هذه التحركات بالضرورة، بل إنّ بعض الخبراء شككوا في العزم الأميركي على إنفاذها. وكتب أنطوني روجيرو، وهو زميلٌ بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في (ناشيونال إنتريست): “لأكثر من عقدٍ من الزمن، في ظل كلٍّ من جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، تسامحت الولايات المتحدة، وأحيانًا أسهمت بشكلٍ مباشر في أوجه القصور في العقوبات على بيونغ يانغ”.

في عهد ترامب، يبدو أنَّ هذا قد تغيّر؛ إذ اتخذت الإدارة الجديدة خطوةً كبيرة لمعاقبة الشركات الصينية، والروسية، والأفراد الذين يتعاملون مع كوريا الشمالية، وسعت إلى ابتكار طرقٍ لضمان امتثال الدول الأخرى لعقوبات الأمم المتحدة. وأشار أندريا بيرغر، وهو باحثٌ بارز في معهد ميدلبيري للدراسات الدولية، إلى أنَّ كوريا الشمالية يبدو أنَّها لعبت دورًا في اتخاذ قرارٍ بإبقاء العقوبات على السودان.

يبدو أنَّ ترامب حذّر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من ردٍّ مماثل خلال مكالمة هاتفية، في تموز/ يوليو الماضي، دعا فيها الدول إلى “تطبيق قرارات مجلس الأمن على كوريا الشمالية بشكلٍ كامل، ووقف استضافة العمال الكوريين الشماليين”، أو “وقف تقديم فوائد اقتصادية، أو عسكرية لكوريا الشمالية”، وفقًا لقراءة البيت الأبيض.

صاروخ سكود/ ب الكوري الشمالي يقف إلى اليسار، في متحف النصب التذكاري للحرب الكورية في سيؤول، يوم 10 آب/ أغسطس. (أهن يونغ-جوين/ أسوشيتد برس)

إنَّ العقاب الصارم لمصر يمكن أن يكونَ اعترافًا بجديّة الولايات المتحدة في مواجهة التهديد الكوري الشمالي. وفي رسالةٍ إلى صحيفة (وورلد فيو توداي)، أشار بيرغر إلى أنَّ مشتريات مصر من قطع صواريخ من كوريا الشمالية كانت “سيئة تمامًا”، من حيث انتهاكات العقوبات.

من دون مصر، قد لا يكون هناك برنامج نووي لكوريا الشمالية على الإطلاق؛ أشار بيرغر إلى أنَّ مصر ساعدت على بدء التطور النووي لـ بيونغ يانغ، قبل 40 عامًا، عندما قدَّمتْ صاروخين من نوع سكود سوفيتي الصنع، حيث قام علماء كوريا الشمالية بتفكيكهما ودراسة آليتهما. وأضاف بيرغر: “إنَّ كوريا الشمالية فعلت ذلك تمامًا، وأصبح تصميم صاروخ سكود العمود الفقري لكثيرٍ من ترسانة الصواريخ الباليستية”.

هل سيجبر عمل ترامب مصر على قطع العلاقات مع كوريا الشمالية؟ يعتقد المنشاوي أنه سيفعل. وقال: “إنَّ ما تتلقاه القاهرة، من علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن، لا يمكن أنْ يحل محله أيّ بلدٍ آخر”.

بطبيعة الحال، فإنَّ علاقة مصر مع كوريا الشمالية هي أمرٌ تافه نسبيًا، مقارنةً بصلاتها مع الصين، وروسيا، ولكن سحب المساعدات هو وسيلة أخرى، لزيادة الضغط على بيونغ يانغ؛ ونظرًا للبدائل الأخرى التي يتم مناقشتها (الحرب النووية، على سبيل المثال)، قد يكون سحب المساعدات واحدًا من الخيارات الأفضل المطروحة على الطاولة.

اسم المقالة الأصلي Egypt may be the newest front in Trump’s battle with North Korea الكاتب أدم تايلور، Adam Taylor تاريخ ومكان النشر واشنطن بوست، The Washington Post، 24/8 رابط المقال https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2017/08/24/egypt-may-be-the-newest-front-in-trumps-battle-with-north-korea/?utm_term=.61d4a56338b5 ترجمة أحمد عيشة


المصدر