الموت في الرقة السورية… مأساة عائلة خليف العبدو نموذجاً




يقبع أكثر من 20 ألف مدني تحت الحصار في مدينة الرقة السورية، في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” الإرهابي، معرضين لمخاطر المعارك الدائرة بين التنظيم وقوات “سورية الديمقراطية” المدعومة من التحالف الدولي.

ويقوم التحالف بشكل شبه يومي باستهداف الأحياء عبر الطيران الحربي، ما يتسبب بوقوع عشرات القتلى والجرحى، في ظل وضع مأساوي يفتقر فيه المدنيون للرعاية الطبية ومياه الشرب، فضلاً عن النقص الشديد في المواد الغذائية.
وفي السياق، قالت الناشطة ريم الناصر، وهي من أهالي الرقة الذين تمكنوا من الهرب، لـ”العربي الجديد”، إن “المدينة تتعرض لقصف صاروخي ومدفعي بشكل متواصل يستهدف كل الأحياء الخاضعة لسيطرة “داعش”، والملاجئ التي تؤوي أهالي المدينة المحاصرين، وتشير إلى أن “الخبز نادر الوجود منذ نحو شهر تقريباً، والمدنيون يعيشون من تناول ما تبقى من برغل ومعكرونة وأرز، وبعض المواد التي كانت مخزنة في عدد محدود من المحال. كذلك يعاني المحاصرون من نقص مياه الشرب بسبب تدمير الآبار التي حفرها التنظيم من قبل طيران التحالف، واحتكار ما تبقى من آبار لعناصره”.
وبيّنت الناصر أن المدنيين يواجهون الموت داخل المدينة من جراء القصف، وخلال محاولاتهم الهرب برصاص قناصة طرفي الصراع المنتشرة. ولفتت إلى أن “الجثث تنتشر في شوارع المدينة، لدرجة أن المشهد أصبح عادياً، ومعظم الجثث تعود لرجال وشباب يسقطون خلال محاولاتهم الحصول على قليل من الطعام أو الماء لعائلاتهم، في حين هرب معظم الأطباء الذين نجوا من الموت، ولا يزال قلة من الممرضين يعملون بشكل تطوعي على تقديم الإسعافات الأولية، ويتعاملون مع إصابة الأطراف بإجراء عمليات البتر”.
وأضافت أن “التنظيم يستخدم المدنيين كدروع بشرية، في حين يطاول القصف المدنيين بشكل متعمد، حتى المراكب التي كانت تخرج من المدينة عبر النهر توقفت بعد أن قتل على متنها كثير من العائلات التي كانت تحاول الهرب”.

كذلك أفادت الناشطة أنه “بمجرد خروج أي دفعة من الناجين، فإنهم يخضعون لعمليات تفتيش وتحقيق، قبل أن يكمل أي منهم طريقه بحثاً عن مأوى، سواء خيمة أو أقارب في الريف أو في مخيمات اللاجئين، وهناك تبدأ معاناة أخرى، ومنهم من يعتقل بحجة أنه تابع لداعش”.
وتوضح أنه “فور خروج أي من المدنيين، تكون كاميرات (قسد) جاهزة لتصويرهم، حيث يوزع عليهم بعض الكعك والماء لإثبات المعاملة الإنسانية، ومن بعد حفل التصوير، يبدأ في غياب الكاميرات استقبال مختلف يحتوي على كثير من الإهانة والشتم والضرب للرجال والنساء، ومن يعتقل بعدها يبقى على ذمة التحقيق 15 يوماً، بعدها إما يفرج عنهم أو يثبتوا انتماءهم للتنظيم”.
ومن بين عشرات آلاف القصص المأساوية التي تروى عن أهالي الرقة، تشير الناشطة إلى قصة عائلة خليف العبدو، فبعد أن اشتد الحصار على المدينة في يوليو/ تموز ولم يبق فيها طعام، كانت قرية الكسرات المنطقة الوحيدة التي يتوفر فيها طعام، ويفصلها عن المدينة نهر الفرات، وكان الأهالي يجلبون حاجاتهم عبر قوارب صغيرة.

وفي أحد الأيام ذهب خليف العبدو (65 سنة)، للتسوّق من الكسرات، وحمل حاجياته للعودة، سأل أحد أصحاب القوارب عن الأجرة، فطلب صاحب القارب أجراً مرتفعاً، فقال له خليف: (منين؟ الله بدو يرحمنا ونحن البشر ماعم نرحم حالنا إذا الله نزل علينا بلاءه؟”. ومن سوء حظ الرجل، كان صاحب القارب داعشياً، فاعتبر حديثه كفراً، وبمجرد أن وصل إلى المدينة طلب من عناصر التنظيم اعتقاله، وجلب شهوداً على كفره، وبعد سجنه قام التنظيم بالاستيلاء على ممتلكاته وطرد عائلته من المدينة”.

مأساة عائلة

وخرجت العائلة بقليل من الحاجيات، وهي مؤلفة من خليف وزوجته وأبنائه الثلاثة وزوجاتهم وأبنائهم، خرجوا عبر القوارب، فوضعت النساء والأطفال في قارب، والرجال في قارب يليه، وما إن أبحروا حتى استهدفتهم طائرة حربية، فتناثرت أشلاء الهاربين في كل مكان، وطفت الجثث والأشلاء على سطح نهر الفرات. تلك المجزرة التي قام بها طيران التحالف قتل فيها أكثر من 40 هارباً من المدنيين، والناجي الوحيد من أبناء خليف الثلاثة بُترت قدمه في المشفى الوطني في مدينة الرقة، وتُرك من دون أن يكمل علاجه، ليخرجه أحد أقربائه فيما بعد من المدينة إلى ريف حلب”.
وأضافت الناشطة أن “الزوجة أيضاً نجت، لكنها بقيت أسبوعاً لا تعرف مصير أبنائها الذكور، وهي مشردة حالياً بمنطقة البارودة، تسأل الفارين من المدينة عن أبنائها وعن زوجها، هل ما زال حياً أم قتله تنظيم داعش؟ ليتبين لاحقاً أنه تم قتل زوجها ودفنت جثته في مقبره حطين”.




المصدر