سوق (البالة) في القامشلي سلاح الفقراء في محاربة الغلاء وملاذهم في الأعياد
26 آب (أغسطس - أوت)، 2017
سامية لاوند: المصدر
يلقى سوق الملابس المستعملة أو ما يعرف بـ “البالة” في مدينة القامشلي بريف الحسكة إقبالاً متزايداً على بضائعه، بسبب غلاء الألبسة الجديدة المحليّة الصنع، وانخفاض القوة الشرائية لليرة السوريّة بين أيدي الناس مقارنة مع الارتفاع الذي تشهده العملة الأجنبية “الدولار” وتحكمها بالسوق ارتفاعاً وهبوطا.
ويُعد سوق “البالة” الملاذ الأول للمتسوق، لاسيما عند حلول أية مناسبة وخصوصاً الأعياد، حيث يجد المواطن حاجته فيه بدءاً من الأحذية انتقالاً إلى الألبسة بكافة أنواعها، هرباً من الأسعار “النارية” التي تكويهم بارتفاعها الجنوني.
وذهب العديد من الناس إلى الاستثمار والعمل في “البالة”. هذا السوق ومنذ زمنٍ بعيد لم يكن ملاذ الفقراء فحسب، وإنمّا للباحثين عن معاييرهم الخاصّة للجودة، كما يلجأ إليه في الفترة الأخيرة نازحو المناطق الساخنة للتعويض عمّا تركوه وراءهم، فارين بالملابس التي عليهم فقط.
“أم حسام” إحدى اللواتي نزحن من مدينة حلب مع أطفالها إثر حدوث اشتباكات بين الفصائل المسلحة، تقطن أحد أحياء مدينة القامشلي – حي كورنيش- والتي لم تجد الحرج في التصريح لـ “المصدر” قائلة: “عند نزوحنا من مدينة حلب إلى مدينة القامشلي لم أكن وأطفالي نملك ثياباً سوى ما كنا نرتديه، كما لم نكن نملك المال الكافي لشراء الألبسة الجديد، فكانت ألبسة البالة الحل المثالي لمشكلتنا هذه”.
وأضافت “أم حسام” في سياق متصل: “جميع ألبسة البالة ماركات عالمية وبأسعار زهيدة، تجد فيه كل ما تحتاجه من أحذية وحقائب أيضا”.
وتبدو هذه التجارة مربحة إذا. هذا ما يؤكده “أبو عمر” صاحب إحدى محلات الألبسة المستعملة، رغم كبر سنه الذي يناهز الـ 55 عاما، إلا أن العمل يبدو مكسباً ومفراً وملاذاً له من الجلوس في بيته الذي هجره كل أفراده باستثناء زوجته.
وقال “أبو عمر” لـ “المصدر” والبسمة تعلو وجهه: “هذا هو عصر البالة، فقد غدا اليوم منافساً قوياً للألبسة الجديدة الباهظة الثمن، وتمكنت من حل الكثير من المشاكل والمعضلات التي كانت تعانيها العائلات المتعددة الأفراد”.
وواصل حديثه: “رغم السعر الرخيص الذي نبيعه إلا أننا نستفيد كثيراً من هذه التجارة، وزوجتي تساعدني وتبيع في البيت، فالإقبال متزايد عليها لاسيما في هذا الوقت، فعيد الأضحى على الأبواب”.
وفي ظل الارتفاع الذي تشهده الأسواق والألبسة الجديدة لم يعد زوار سوق “البالة” يشعرون بالحرج والخجل ممن يصادفونهم من أصدقاء وأقارب أو من الاعتراف بالمصدر الذي تسوقوا منه، فقد بات الحل البديل المطابق للظروف القاسية التي فرضتها الحرب، فأكثر الزبائن تجدهم مجتمعين حول البسطات التي يضعها التاجر على مقربة من محلاتهم أو تراهم يتصلون ببعضهم البعض للذهاب معاً دون أن يجدوا في ذلك أي حرج.
“أمينة حسين” قالت إنها تقف ساعات وساعات في محل الألبسة المستعملة، وهي على تواصل مع صاحب المحل ليبشرها عند نزول البضاعة الجديدة التي لم يقصدها المتسوقون بعد.
وأضافت “أمينة” في حديث لـ “المصدر”: “بتّ زائرة مستمرة لمحل البالة. أقف لساعات عدة لأحصل على طلبي وطلب أولادي. أحيانا يبلغني صاحب المحل بقدوم الألبسة الجديدة”.
وتابعت بالقول: “سابقاً كنت أجد الحرج في زيارة هذه المحلات، وعندما كنت أشتري كنت أدعي بأنها من المحلات الجديدة كي لا يعيبني أحد، لكن الآن لا حرج؛ لأنني أكاد أرى معظم أهالي القامشلي يجتمعون فيها لاسيما في ساعات الصباح الأولى والعصر، والآن تجدهم كثيراً لأن عيد الأضحى قد اقترب”.
وختمت أمينة قائلة: “حقاً إنها أفضل وأرخص من البضائع الجديدة الصنع”.
وحول كيفية وصول هذه الألبسة إلى مدينة القامشلي، قال “أبو ريزان” لـ “المصدر”، إنها تأتي من أوروبا، “عن طريق بواخر، وبعضها يأتي من تركيا وإقليم كوردستان عبر شاحنات. هي ألبسة مستعملة معظمها لمرة واحدة أو مرتين. تجارتها في الوقت الحالي أفضل ومربحة أكثر من المحلية الصنع والوطنية”.
ولم تعد الألبسة المستعملة بعيدة في سوريا عن العالم الافتراضي (مواقع التواصل الاجتماعي) من خلال إنشاء مجموعات ترويجية لها وبأسعار واضحة، لاسيما من التجار الذين يعانون من أزمة اقتصادية أو لأن ألبستهم الجديدة لم تعد تواكب موضة العصر.
[sociallocker] [/sociallocker]