واشنطن بوست: ترامب يُدخل أميركا في حربها الأبدية


أحمد عيشة

جنود الجيش الوطني الأفغاني يتفقدون المركبات العسكرية المتضررة بعد هجوم انتحاري في أفغانستان. (سترينغر/ رويترز)

من المؤكّد أنّه لا يوجد دليلٌ أكبر، على إفلاس السياسة الخارجية الأميركية، أكثر من سياستها في أفغانستان؛ فبعد أكثر من 15 عامًا من الحرب، ونشر مئات الآلاف من القوات، دخل رئيسٌ جديد المكتب البيضاوي، وهو يزعم أنه على وشك أن يغيّرَ هذه السياسة تغييرًا جذريًا. في غضون أشهرٍ، كان ما قدَّمه -بالرغم من الضجة الكبيرة- استمرارًا للسياسة السابقة؛ والنتيجة هي أن الولايات المتحدة مقيّدةٌ الآن بحربها الأبدية في أفغانستان.

تختلف سياسة الرئيس ترامب، عن السياسة التي ورثها فقط، بأنها أضافت 4000 جندي. تعهد ترامب بتجنب بناء الدولة، وأكدَّ على مكافحة الإرهاب، وإنهاء الفساد في أفغانستان، ومساءلة باكستان. وعَدَ الرئيس باراك أوباما بالأمور نفسها، إذ قال في عام 2011: “لقد حان الوقت للتركيز على بناء الأمة، هنا في الداخل”، موضحًا تحوّله في المقاربة عن استراتيجية الرئيس جورج بوش.

رأى كثيرون أن تصريحات ترامب حول باكستان قطيعة تامة عن الإدارة السابقة، ولكن يبدو أنَّ الناس قد نسوا الشهادة الفظة وغير العادية التي قدّمها آدم مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك، إلى الكونغرس في عام 2011. ووصف شبكة (حقاني)، وهي واحدةٌ من أخطر الجماعات الإرهابية في أفغانستان، “بالذراع الحقيقية لوكالة الاستخبارات الباكستانية المشتركة”. وفي العام نفسه، ذهب كل من وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك، ديفيد بترايوس إلى باكستان، وجاء في تعابير كلينتون “علينا دفع الباكستانيين بجدية”، لإنهاء دعمهم للمجموعات المسلحة في أفغانستان. كان ذلك واحدًا من سلسلة من الإجراءات التي أثارت غضب الباكستانيين؛ ودفعتهم إلى إغلاق طرق الإمدادات للقوات التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، مدة سبعة أشهر.

في التعبير عن دعمه لالتزام ترامب اللامحدود، استخدم رئيس مجلس النواب، بول ريان (جمهوري، ويسكونسن) المثلَ القديم: “الولايات المتحدة تملك الساعات، ولكن طالبان تملك الوقت”. وقال: “إذا كانوا يعتقدون أنّ لدينا موعدًا نهائيًا، أو برنامج مواعيد، فعليهم أن ينتظرونا حتى نفعل شيئًا ما”. ولكن هذا يُسيء فهم طبيعة هذا النوع من المعارك في الخارج. سوف تنتظرنا طالبان، لسببٍ بسيط جدًا: لأنهم يعيشون هناك.

هاري سمرز، وهو ضابط عسكري حكيم، شارك في حرب فيتنام، وكتب كتابًا أورد فيه نتائج قطعية عن الدروس العسكرية في ذلك الصراع، وعنونه بـ (حول الاستراتيجية)، استهّل كتابه بإعادة سرد حوار له، مع ضابطٍ فيتنامي شمالي عام 1975، قبل سقوط سايغون، وقال سمرز: “أنتم تعلمون أنّكم لم تهزمونا قط في ساحة المعركة”؛ ردَّ الضابط: “قد يكون الأمر كما قلتَ، ولكن لا أهمية لهذا الموضوع؛ المهم هو أنّ كلّ قوةٍ محلية هنا تعرف شيئًا واحدًا في حدسها: في نهاية المطاف، يجب على الأجانب العودة إلى ديارهم”.

لماذا تكتسب طالبان أرضًا في أفغانستان؟ سألتُ ديكستر فيلكنز من (نيويورك)، وهو أحد الصحفيين الحريصين الذين غطوا تلك الحرب، فقال: “إنَّ الأفغان العاديين يكرهون طالبان، لكنهم يكرهون الحكومة الأفغانية أكثر من ذلك. نقول إننا لا نريد أن نقوم ببناء أمة، ولكن لا يمكنك بناء جيشٍ من دون بناء دولة أولًا. الناس لا يضحون بحياتهم من أجل جيش، بل من أجل بلد. مَن ذا الذي يريد الموت من أجل الحكومة الأفغانية الحالية؟!”.

يعرفُ الجيش الأميركي على الأرض المشكلة جيدًا، وهذا هو السبب في أنَّه يشير إلى الحكومة الأفغانية كمجموعةٍ من الشبكات الفاسدة التي تمتد في جميع أنحاء البلاد. في أزياء عسكرية حقيقية، وهناك اختصار لذلك: (مجمع) – (المؤسسة الجنائية المتكاملة عموديًا).

ويوضح بارنيت روبين، وهو خبيرٌ بارز في سياسة أفغانستان، وكان يقدّم المشورة للأمم المتحدة، والحكومة الأميركية، يشرح المشكلة كما يراها، قال لي: “إنَّ الدولة الأفغانية لا يمكن أنْ توجد من دون مساعدةٍ خارجية”. وأضاف: “إنَّها لا تستطيع دفع فواتيرها من دون الحكومة الأميركية، ولا يمكن أنْ يكون لها مجتمعٌ مستقر من دون مساعدة باكستان، ولا يمكن أن تنمو اقتصاديًا من دون التجارة والترانزيت مع إيران”.

وأشار إلى التقارير التي تفيد بأنَّ أفغانستان تتمتع بما يقرب من تريليون دولار من الموارد المعدنية، وقال: “أنا متأكدٌ من أنّ القمر يمتلك المزيد من الثروة المعدنية، ولكنك تحتاج إلى وسيلة لتنزلها إلى الأسواق. ولهذا، تحتاج إلى جيران ودودين”. ويعتقد روبين أنَّ مقاربة ترامب محكومٌ عليها بالفشل؛ لأنّها تبدو أحادية الجانب تمامًا، وتُغفل عمدًا مصالحَ القوى الأخرى في المنطقة، وخاصةً روسيا، والصين، وإيران.

في الوقت نفسه، ضاعفت إدارة ترامب من السياسة نفسها.. المزيد من المال، والقنابل، والقوات، والضغط على باكستان، والمحبة الفظة للأفغان. إنّها مقاربةٌ تكتيكية، صممها الجنرالات، لضمان ألا يضيعوا. وبعبارةٍ أخرى، بعد نصف قرن، وبتكلفة بشرية أقل، تقوم الولايات المتحدة بتكرار استراتيجيتها في مستنقع فيتنام، أو لنقل: في مستنقع أقل عمقًا.

اسم المقالة الأصلي Trump locks America into its forever war الكاتب فريد زكريا، Fareed Zakaria مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 24/8 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/opinions/trump-signs-on-to-the-forever-war-in-afghanistan/2017/08/24/64684004-890e-11e7-a94f-3139abce39f5_story.html?utm_term=.9130cbb1ddda ترجمة أحمد عيشة


المصدر