العربية في مخيّلة كوسوفو وذاكرتها




كانت العربية لغة المقدّس في الدول التي دخلها الإسلام، سواء في أفريقيا وآسيا، أو حتى في جنوب وشرق أوروبا. دول البلقان لم تكن استثناءً، وحظيت فيها العربية، خصوصاً في المنطقة التي تضم اليوم ألبانيا وكوسوفو، بمكانة لا تقل عن مكانة الإسلام ديناً وثقافة في وجدان شعوب المنطقة.
وصل الإسلام إلى كوسوفو بعد معركة قوصوة (التسمية العثمانية لكوسوفو) الشهيرة سنة 1389. معركة دارت بين جيش السلطان العثماني مراد الأول (1326-1389)، وبين أمير صربيا لازار هربليانوفيتش (1329-1389) اللذين قتلا في المعركة نفسها.
توسع العثمانيون بعدها في البلاد، ووطدوا حكمهم فيها بالموازاة مع توطيد الإسلام الذي أصبح الدين السائد في المنطقة. وعن هذه الفترة بالذات يقول محمد الأرناؤوط (محمد موفاكو)، في دراسة له بعنوان “معركة كوسوفو 1389: من الأسطرة إلى الأدلجة” (2015)، إنها منذ 1371 مروراً بالمعركة كانت حاسمة في بداية الارتباط العربي بدول البلقان، من خلال الوسيط العثماني.
غير بعيد عن ذلك استعملت بعض القوميات البلقانية، الحروف العربية لتدوين لغاتها القومية. في هذا الصدد يقول الأرناؤوط في مقدمة كتابه “الثقافة الألبانية في الحروف العربية” (1983)، إن الحروف العربية صمدت نسبياً حتى بعد خروج المنطقة من تحت الحكم العثماني، ويحدّد: “طبع آخر كتاب في اللغة البوسنية بالحروف العربية سنة 1941، بينما صدر آخر كتاب في اللغة الألبانية بالحروف العربية سنة 1971”.
وقد رافق مسألة التدوين أيضاً، تشبّع للألبانية بمفردات وكلمات عربية الأصل، علاوة على “إضافة بعض الحروف التي ترمز للأصوات العربية الأصيلة إلى اللغة الألبانية”.
وفي دراسته “اللغة العربية في اللغة الألبانية” (1976)، يركّز الأرناؤوط على فكرة أن أغلب المفردات العربية (خصوصاً البعيد منها عن لغة الدين) التي دخلت إلى اللغة الألبانية، إنما دخلتها من خلال التركية، باعتبارها الوسيط الأقرب ولغة السلطة في الوقت ذاته.
الدولة العثمانية، ستتحول مطلع القرن العشرين إلى جمهورية تركية، مع أتاتورك سنة 1922. لكنها وبضعفها قبل ذلك ستخرج عن سيطرتها مناطق مثل كوسوفو وألبانيا. ومع خروج العثمانيين ضعف التأثير العربي الإسلامي على المنطقة، خصوصاً مع المد الأوروبي والقومي الصربي عليها. ومن ذلك تحول الكتابة باللغة الألبانية من الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني سنة 1920.
عادت كوسوفو إلى التواصل مع المنطقة العربية وجذورها الإسلامية، بعد نهاية مأساتها أواخر تسعينيات القرن الماضي. غير أن المأساة نفسها كانت قد أدخلت تواصلاً جديداً ونسخة إسلامية متشددة، أخذت الأمور ربما إلى منحى آخر كما يقول الأرناؤوط نفسه.




المصدر